يجلس بجانب والده
العمدة .. يسمعه وهو يحكم فى القضايا المطروحة أمامه.. الكل يصغى وينصاع لأمره:
- رد القيراطين
لبهانة أختك يا بندارى.
- يعنى أرضنا تروح للغريب يا جناب العمدة.. يرضيك.
- شرع ربنا يا بندارى.
- لكن يا جناب العمدة
- بندارى!!
- حاضر يا عمدة.
فى كل يوم حكايات وحكايات، والعمدة يشخط فى
هذا ويحتد على ذاك.. يأمر بالزواج وبالطلاق وبالصلح، يأمر بدفع التعويض ورد الحقوق.. وهو صغير يسمع ويرى تلتمع عيناه
أحيانا، أحيانا أخرى يتململ فى جلسته..
وحين يتململ يشعر به العمدة فيبتسم ويقول له:
- قم أنت يا ملك
إلعب مع الأولاد.
فى هذه اللحظة
يتسابق الخفر فى إحضار حذائه وتوصيله.
كان يرى أن والده هو
الملك فهو الذى يحكم على عباد الله ولكن
والده يصر على أن يناديه هو بالملك.. لا يدرى السبب.
فى الدار تستقبله
الأم فرحة بشبابه وبإشادة مدرسيه بفلاحه، فلابد أنه سيكون صاحب شأن فى الحياة بفضل
التعليم الذى يتلقاه فى المدرسة، والخبرة التى يكتسبها من مجالسة والده.
تجرى الأم عليه
تحتضنه بينما أخته تحمل عنه الحقيبة المدرسية، والأخرى تحضر له جلبابا، والثالثة
تجهز له الطعام .. والبنات الثلات واقفات زنهارات حتى يفرغ من طعامه..
الأولى تحضر الماء
الدافىء والصابونة،
والثانية حاملة
الفوطة،
والثالثة تصب الماء
على يديه، ثم ترفع الماء برائحة الزفر والصابون.
فى الوسعاية الكبيرة
خلف الدوار يقعد على حجر، يده اسفل ذقنه والثانية فوق وسطه وأمامه صبيّان من
زملائه يقومان بدور الرعية.. اللعبة المحببة إلى قلبه.
يرفع رأسه ويقول
بصوت يحاول أن يجعله غليظا:
- انت يا حسنين
المخطىء فى حق محمدين.. حب على راسه.
يسرع الصبى ممتثلا:
- حاضر يا جناب
المعدة.. هات راسك يا محمدين.
فيرد من فوره:
لا تقل يا جناب
العمدة، قل يا جلالة الملك.
فى الفصل يسأل مدرس
التاريخ:
- ماذا تعرف عن
كليوباترا..؟
يرفع يده.. يقول
المدرس:
- قل يابن العمدة.
- انا مندهش امرأة
تحكم البلاد.. ! أين كان الرجال.. أنا أعرف أن المرأة تطبخ وتحضر الغدا لزوجها،
وتحب على يده.
يضحك المدرس:
كبر مخك يا ابن العمدة..
كليوباترا.. وبلقيس.. وشجرة الدر.. وانديرا غاندى.. ومارجريت تاتشر .. وكثيرات..
كثرات .
فيرد:
لكن أبى قال لى انت
الملك
يسأل أمه:
لماذا ينادينى أبى
بالملك..؟
- لأنك بالفعل ملك
- لكنه هو الذى يأمر
وينهى..!
- أنت صغير وهو
العمدة.. لكنك ستكون عمدة متعلما، وبذلك تكون ملكا.. أعد نفسك لأن تكون ملكا.
تخرج الملك من
الفلسفة .. أحب السنيورة زميلته .. رأها تشيح بيدها فى وجه زميل فتسكته وتستمر فى
نضالها مدافعة عن حقوق المرأة.
ترأس جمعية مناصرة
المرأة، لفتت نظره بحسن منطقها ودفاعها عن حقوق النساء رغم عدم اقتناعه.. لكنها
مختلفة
( والضد يظهر حسنه
الضد) توأم شقيقها، وحبيبة والديها، ساوي والدها بينها وبين شقيقها حتى فى القبل..
قال لوالده:
- أريد هذه.
قال الأب:
من فدان لمائة.. لا
شيء يغلى على الملك.
جلست معه على مائدة
الطعام .. ضحك وقال:
- دنيا حالها انقلب.
لماذا يابن العمدة
تأكلين معى..!
- وماذا تظنه يكون.
- تنتظرين حتى أنتهى
من طعامى وأنت تحملين الفوطة.
- ولماذا تطلعت إلى
الأعلى .. كنت تزوجت بخاطرها.
يضحكان كل من وراء
قلبه.. تجيش نفسه أحيانا بأيام عزه القديم.. داره هناك.. يتذكر أباه وهو يشخط
وينطر فيحدث نفسه بصوت عال حتى يجد نفسه ينادى زوجته:
- يا بنت.
تأتى فزعة محدقة
فيه:
- ماذا قلت ..؟
أسف لم أقصد .. هكذا
كان ينادى أبى العمدة.
تحتد عليه ألن تخرج
من عباءة العمدة بعد.. هذا زمن ولى.. الأنم الرؤس تساوت ياابن ال.....
يذهب إلى مصلحته..
يتسابق إليه السعاة، هذا يحمل عنه الحقيبة، وذاك يلمع له المكتب ويقف كل منهما
منتظرا القشيش.. إذا قصر يوما فلا أحد يتحرك من مكانه.
أما هؤلاء الذين فى
العمل عرف ديتهم أما تلك الجالسة فى البيت، أجازة بدون راتبلرعاية الرضيع، ومع ذلك
تطلب منه أن يساعدها فى ترتيب البيت وفى اقتسام غسيل المواعين، وغى حمل طفله،
وتعقيم الببرونة والذهاب إلى السوق و .. و .. ويفعل على مضض.
جاءه الهاتف يحمل
صوت والده الواهن:
- احضر حالا.أسرع
الخطى.. فى حضن أبيه نهنه كثيرا وهو يستمع إلى وصيته الأخيرة:
- العمدية يا ملك
إياك أن تخرج من العيلة.
قال وقد انتشى:
أمرك يا أبى.
قالت الزوجة:
أبدا.. لن أعيش فى
الريف وأمثل دور الجارية.
قال:
- ستأتين معى رغما
عنك.. المرأة تتبع زوجها حيث رحل.. هناك أصير ملكا.
تأملته طويلا وقالت:
ما دفعت لى من مهر
أرده إليك وتصير ملكا مخلوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق