السبت، 10 نوفمبر 2012

مالك الشيخ


مالك الشيخ

#فها هو ذا مالك بن أنس تجري به السنون لتعدو الأربعين، وقد لزم الفقهاء نحو ثلاثين عاما، فتلقى عنهم الأحاديث النبوية، ومحصها وحقق إسنادها وتدارس معهم ما ينبغي لاستنباط الأحكام التي تواجه قضايا لم تعرض من قبل، وتعلم منهم الكتاب والحكمة، وتفكر في خلق السموات والأرض وأحوال العباد، وتدارس معاملات الناس، فتكون له رأي خاص، واستقل بنظره في كل أمور الدنيا والآخرة اتبع في بعضه السنة وأفكار السلف الصالح وعمل أهل المدينة وأعرافها وعاداتها.
#وجاء الوقت الذي ينبغي له فيه أن يجلس إلى أحد أعمدة الحرم النبوي، ويجعل له حلقة خاصة يفتي فيها للناس ويعلمهم مما علم رشدا ويطرح عليهم ما تكون له من فقه وما استقر عنده من تأويل الأحاديث.
# فاختار المكان الذي كان يجلس فيه عمر بن الخطاب ليستروح منه جلال الأيام الرائعة الماضية، ولا عجب فقد عشق الصحابة جميعهم  وكان يشتمم ريحهم في الأماكن، وكان الصحابة كلهم  يعيشون في المدينة المنورة.
# وكان أنس بن مالك من قبل قد اختار سكنا له دار الصحابي عبد الله ابن مسعود، ليخفق قلبه بنبضات عصر النبوة.. ذلك العصر المضيء بنور الإيمان والمعرفة والشوق المقدس العظيم إلى صياغة عالم جديد من الطهارة والإخاء والنبل والعدالة والحرية والسكينة والنعيم.
# وهكذا عاش منذ بدأ يجلس للإفتاء والتدريس: جسد قوي، وعقل نفاذ.. طعام حسن ومسكن جيد وثياب أنيقة بيضاء من خير ما تنتجه مصر  وخراسان  وعدن.
***
# وألف الناس كلما دخلوا المسجد النبوي بعد صلاة الفجر أن يجدوا رجلا مهيبا طويلا فارعا أشقر، أبيض الوجه، أوسع العينين، أشم الأنف، كبير اللحية، مفتول الشارب، يتخذ مكانه في هدوء، ويتحدث في صوت عميق صادق مستندا إلى عمود ومن حوله حلقة من تلاميذه، كأن على رؤوسهم الطير.
# فإذا دخل غريب وألقى السلام لم يرد عليه أحد إلا همسا.. فإذا سأل ما هذا؟ قيل له في صوت خفيض:  
إنه الإمام مالك بن أنس.
# فقد كان يفيض إذا تكلم، وينفذ بصدقه إلى القلوب.. ولم يكن جهير الصوت، فكان تلاميذه يكادون يمسكون بأنفاسهم لكيلا يفوتهم حرف مما يقول.

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق