الجمعة، 9 نوفمبر 2012

صفات المؤمنين وجزاء المتقين


صفات المؤمنين وجزاء المتقين

بِســــــمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيِمِ

الم(1)ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5) .

السورة تبدأ بمعجزة غير مسبوقة وهي الحروف المقطعة )الم(  وتصديرها بهذه الحروف الهجائية يجذب الأنظار، إِذ يطرق أسماعهم ألفاظٌ غير مألوفة في تخاطبهم، فينتبهوا إِلى ما بعدها من آياتٍ بينات.
وفيها  "إِعجاز " ينبيء أن هذا الكتاب منظومٌ من عين ما ينظمون منه كلامهم.

يقول ابن كثير :  إِنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السورة بياناً لإِعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.
وهو قول قرره الزمخشري في تفسيره الكشاف، وإِليه ذهب الإِمام "ابن تيمية" ثم قال:
ولهذا كلُّ سورة افتتحت بالحروف، فلا بدَّ أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيانُ إِعجازه وعظمته.

وهناك معاني باطلة نورها للعلم حتي نتبينها منها:

قال الإمام ابن كثير: في تفسير ( الم ) في أول السور
 وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا دَالَّة عَلَى مَعْرِفَة الْمُدَد وَأَنَّهُ يُسْتَخْرَج مِنْ ذَلِكَ أَوْقَات الْحَوَادِث وَالْفِتَن وَالْمَلَاحِم فَقَدْ اِدَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَطَارَ فِي غَيْر مَطَاره وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيث ضَعِيف وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَدَلّ عَلَى بُطْلَان هَذَا وَهُوَ َ:

 مشي حُيَيّ بْن أَخْطَب فِي نَّفَر مِنْ الْيَهُود إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد يُذْكَر أَنَّك تَتْلُوا فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك " الم ذَلِكَ الْكِتَاب" ؟
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَلَى" فَقَالُوا: أجَاءَك بِهَذَا جِبْرِيل مِنْ عِنْد اللَّه ؟ فَقَالَ " نَعَمْ "
 قَالُوا: لَقَدْ بَعَثَ اللَّه قَبْلك أَنْبِيَاء مَا نَعْلَمهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّة مُلْكه وَمَا أَجَل أُمَّته غَيْرك. فَقَامَ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ الْأَلِف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِين نَبِيّ إِنَّمَا مُدَّة مُلْكه وَأَجَل أُمَّته إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة ؟
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَلْ مَعَ هَذَا غَيْره فَقَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: ومَا ذَاكَ ؟
 قَالَ: " المص " قَالَ هَذَا أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِد وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ وَالصَّاد تِسْعُونَ.
فهَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيْره ؟ قَالَ: " نَعَمْ  " الر " قَالَ هَذَا أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِدَ وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالرَّاء مِائَتَانِ ، فَهَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمَّد غَيْره ؟ قَالَ " نَعَمْ " المر " قَالَ هَذِهِ أَثْقَل وَأَطْوَل الْأَلِف وَاحِدَ وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ وَالرَّاء مِائَتَانِ فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَانِ.
 ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ لَبَسَ عَلَيْنَا أَمْرُك يَا مُحَمَّد حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا.
ثُمَّ قَالَ قُومُوا عَنْهُ مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ قَدْ جَمَعَ هَذَا لِمُحَمَّدٍ كُلّه ومُقْتَضَى هَذَا الْمَسْلَك إِنْ كَانَ صَحِيحًا أَنْ يَحْسِب مَا لِكُلِّ حَرْف مِنْ الْحُرُوف الْأَرْبَعَة عَشَر الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَذَلِكَ يَبْلُغ مِنْهُ جُمْلَة كَثِيرَة وَإِنْ حُسِبَتْ مَعَ التَّكَرُّر فَأَطَمّ وَأَعْظَم وَاَللَّه أَعْلَم .

ونقتبص بتصرف من قول محمد متولي الشعراوي هذا الرأي:
بدأت سورة البقرة بقوله تعالى"الم" .. وكل حرف ينطق بمفرده.
لأن الحروف لها أسماء ولها مسميات.. فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه،فعندما تقول:
 كتب فأنت تنطق بمسميات الحروف. فإذا أردت أن تنطق بأسمائها تقول كاف وتاء وباء .. ولا يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إلا من تعلم ودرس، ورسول الله () كان أميا لا يقرأ ولا يكتب فهو لا يعرف شيئا عن أسماء الحروف.

فإذا نطق بأسماء الحروف يكون إعجازاً بأن هذا القرآن موحى به إلي نبيه، ولو أن رسول الله () درس وتعلم لكان شيئا عاديا أن ينطق بأسماء الحروف. وأي أمي لا يستطيع أن يقول لك. أن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء والألف والباء .
وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول الله () في البلاغ عن ربه. وأن هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى.
وتمام المعجزة أنك تجد نفس الكلمة في آية أخرى تنطق بمسمياتها. فألم في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لام ميم. بينما تنطقها بمسميات الحروف في قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك "

ما الذي جعل رسول الله () يفعل ذلك؟
 لابد أنه سمعها من الله كما نقلها جبريل عليه السلام إليه هكذا.
إذن فالقرآن أصله السماع ولا يجوز أن تقرأه إلا بعد أن تسمعه. لتعرف أن هذه تقرأ ألف لام ميم، والثانية تقرأ الم .. مع أن الكتابة واحدة في الاثنين فالقرآن له تميز خاص .. وأنه ليس كأي كتاب تقرؤه.
و الحرف لا يسأل عن معناه في اللغة إلا إذا كان حرف معنى .. مثل في. ومن .. وعلى .. فمنها ما يدل علي الظرفية، أو على الابتداء، أو الانتهاء .. أو  الاستعلاء .

# وأجمل ما سمعت في هذا المعني قول الكاتب فتحي هاشم يقول:
لقد شاءت إرادة الله أن تقرأ المعاني حتي ولو لم يتوفر لها لفظ .
فلو لاحظنا بداية عندما جاء جبريل للنبي () وقال له (اقرأ)  لم يكن معه كتاب وكان النبي أمي فماذا يقرأ..؟
بالطبع يقرأ كلمات الله في الكون: التي يستحيل علي الأبجدية أن تأتي بكلمات منها، إنما هي كلمات تقرأ فقط .
ونحن نعرف أن الله سبحانه قد جهز حواس الانسان لكي تقرأ!

فمثل هذه الكلمات يستحيل كتابتها بالأبجدية وإنما هي تقرأ فقط بالحواس .
فمنها ما تقرأه الأذن ومنها ما تقرأه العين ومنها ما يقرأه اللسان ومنها ما يقرأه الأنف.
فهل نستطيع أن نكتب رائحة الياسمين، وكذلك مذاق الأطعمة المختلفة، والاحساس باللمس والمشهد الجمالي تقرأه العين فنحن نكتب اسم الشيء لا الشيء نفسه.

وننتقل لمعجزة أخري في هذه السورة وهي قوله تعالي:

(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ)
تحدي من أول جملة أنت الكاذب وهو الحق، أي هذا القرآن المنزل عليك يا محمد هو الكتابُ الذي لا يدانيه كتاب ،لا شك في أنه من عند الله لمن تفكر وتدبر.
وهو هاد للمؤمنين المتقين، الذين يتقون سخط الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويدفعون عذابه بطاعته.

ويسهب الشيخ الشعراوي في وصف القرآن بالكتاب. فيقول:
كلمة (قرآن) معناها أنه يقرأ، وكلمة (كتاب) معناها أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يدون في السطور، ويبقى محفوظاً إلي يوم القيامة.

 والقول بأنه الكتاب، تمييز له عن كتب الدنيا، وعن الكتب السماوية قبله، فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل أحكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة،
وهذا تأكيد لارتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته ودليل على وحدانية الخالق.
 فمنذ فجر التاريخ، نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج السماء، ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه قوم محددين.

فرسالة نوح عليه السلام كانت لقومه، وكذلك إبراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم السلام .. كل هذه رسالات تمارس مهمتها في الحياة، حتى يأتي الكتاب الجامع لمنهج الله سبحانه وتعالى. ولذلك بشر في الكتب السماوية بأن هناك رسولا سيأتي، وأنه يحمل الرسالة الخاتمة للعالم، وعلى كل الذين يصدقون بمنهج السماء أن يتبعوه .

قال ابن كثير: كثيراً ما يقرن تعالى بين الصلاة والإِنفاق، لأن الصلاة حقُّ الله والإِنْفاقُ هو الإِحسان إِلى المخلوقين وهو حق العبد.
وإِنما سميت الدار الآخرة لأنها تكون بعد الدنيا.

ومن البلاغة:
(هدي للمتقين) أسند الهداية للقرآن والحقيقة أن الهادي هو الله.
(ذلك الكتاب) ولم يقل هذا الكتاب ليدل علي علو شأنه.
 (ختم علي قلوبهم) شبه قلوبهم بالوعاء المختوم عليه المسدود منافذه يمنع أن يصله ما يصلحه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق