نسر بين الدجاج
:
الشمس
توقظني.. تلهب جلدي، تتغلغل نارها في عظامي.. تململت وأنا أسلخ جسدي من الأرض
ببطء.. أهذا جسدي.؟ كيس من الرمل الملتهب.
الفضاء
ممتد بلا ابتداء.. أرقد فوق ظلي بالضبط.. رأسي فراغ مهيأ لناقوس خرب.. الإضاءة فيه
خافتة متكسرة.. أبذل جهدا مضنيا لألتقط من بين الضوضاء والإظلام شيئا أجهله.. أنا
هنا.!!.. لماذا.؟!
سقطت
في هذا المكان والشمس في خرج العجوز القاني.. منذ ذلك الحين لم أدرك ذاتي.. أكنت
نائما أو فاقدا الوعي.؟!
أتخيلني
قبلها.. أجري وأجري.. أرقض وأقفز فرحا ومهتما.. بعدها انفصلت عن جماعتي، كقطعة
نشاذ شدتها الجاذبية.. ظللت أدور في فلكها حتى ارتطمت في بقعة لا انتهاء لها.
غافلت
الجاذبية وانقلبت على بطني، درت برأسي أطمئن أنها لا تزال تعمل.. الأرض من حولي
تلال، وكتل من الرمال و.. أجساد بشرية كثيرة مكومة وممدة.. أملي أن أجد من بينهم
جثة تتنفس.. تنبض.. تتوق مثلي لقطرة ماء باردة.
لن
أقدر على الوقوف.. تأكدت من ذلك.. لويت رقبتي.. أرحت رأسي على الأرض.. السكون
مميت، والرقود من حولي بلا أنفاس.. والشمس عطشى.. تغرز حممها في جلدي و.. عظامي.
أذني
تلتقط ذبذبات خطو قادم.. أخيرا.. بارقة أمل في قطرة ماء.. رفعت رأسي بثقلها
المميت، وبعزم المتمسك بالحياة.. رأيته.
نعم..
ها هو ذا.. الوحيد الواقف بين الرقود.. هذا بنعليه الصخريتين.. وهنت عيناي مع
امتداد قامته.. خاب أملهما حين استقرتا فوق نجمته السداسية المرسومة فوق خوذته..
عدو.؟!
يدور
بين الرقود.. يقلبهم بصخرتيه.. ها هو ذا يقترب مني.. بدني يقشعر.. يحذر الصخرتين،
والمنتصب فوقهما.
إسرائيلي
يحمل منجله.. يتخطى الأجسام المستسلمة في شماتة.. يبحث عن الرأس المورق في غير
بستانه فيحشها.
جاء
دوري.. ألمحه من خلف جفي المغمضتين.. هاهو يمد ساقه.. كاد يخترق لحمي الناضج
بالشمس.. لن أتأوه ليتأكد من أنني قطفت من قبل.. يشك في أمري.. صوته يؤكد إحساسي..
ينطق بالعبرية:
-
مصري.؟!
الجاذبية
يا عدوي اللدود جعلت الأطراف المختلفة تتلاقى، أعتقد أنني لا أمثل الموت.. هربت
مني الحياة بالفعل.. هذا ما جعلك تكف عن غرز أصابعك القذرة في جسدي.. انتصبت..
استدرت.. ذبذبات الأرض تعلن ابتعادك.. مرة أخرى أرفع الثقل الجبلي و.. أدور به ..
أنا الثور الذي حمل الكره الأرضية ذات يوم على قرنيه.
الأرض
المنبسطة لا تعرف غير الكتل الممددة.. أزحف على بطني إلى أقربهم.. ملابسه.. ملامح
وجهه تؤكدان تنافر المنبت.. الضرورة يا عدوي.. أطلب منك هذه الخدمة الثمينة، لا
يضيرك أن تنقذ حياتي وأنت فاقد لحياتك.. ملابسك القذرة.. ألبسها بدلا منك.. أعقد
معها صفقة غير محببة.. أتحمل وخز إبرها على جسدي وترد عني زميلكم حامل المنجل..
أريد الخروج من دائرتكم الملعونة.
هأنذا
أمشي على مهل في كساء الشوك.. قطعت مسافات ومسافات، لم أهتد بعد.. هل أدورحول
نفسي.؟!
كلها
صحراء موشاة بجثث عفنة.. سؤالي الذي أجهد ذهني.. كيف حصدت كل هذه الأعواد من النبت
الشيطاني الصهيوني.؟! وكيف أنا بينهم.؟! متى أعرف الاجابة.؟ .. ليتني أعرف.
هاهى
ذي الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، مرة أخرى حامل المنجل يقطع مثلثي.. يأمرني
بالتوقف.. أدعي الصمم.. أستشعر هذه النعمة في هذا الوقت الكئيب.. لحقت بي يا
خنزير، أطبقت بكفك القذرة على قفاى.. لابد وأني في كابوس بشع.. أود لو أنزع جلدي
من لمساتك وملابس زميلك الأبرية.
ماذا
دهاك يا أحمق.. حالة من الهستيريا تصيبك.. تهزني بعنف.. تأمرني أن أتكلم.. تقارن
بين ملابسي وملامح وجهي.. مت بغيظك.. لن أتفوه بحرف حتى تغرب عن وجهي.. آه لو أحصل
على منجلك هذا.!!
أحش
به رأسك و.. أبصق عليها.
يالفرحة
عيني.. التفتْ يا أحمق.. انظر القادمين.. لماذا ترتعد كالمحموم.. ماذا أصابك.؟!
تطلب مني أن أنطلق معك.. كل هذا الفزع أمام زي الجندية المصرية.. لن أدعك يا مذعور تهرب.. أتشبث بك
حتى يصلوا.
ماذا.؟..
ماذا.؟.. أنا الآخر تقبضون علي.. جاء دورك يا لساني.. صمتك الآن ليس من الحكمة..
انطلق:
- أخوكم.. أخوكم..
زميلكم.. بلسان عربي مبين أتكلم.. هذا الأحمق يظنني منهم.
-
رجائي الوحيد أن أعرف لماذا تجداني هنا.؟!
- رقدت يا أخواني بين
هذه الجثث العفنة زمنا لا أعرف كم.. أصبت بالغثيان والدوار.. أين نحن بالضبط.
-
خلف خط بارليف.
-
خط بارليف.. يا إلهي.! كيف تخطينا ذلك المارد الممدد
بطول القناة.!!
- آه الآن تذكرت.. كنت
في إحدى المجموعات.. مددنا الكباري بعرض القناة.. قفزنا كالشياطين والمردة..
- خراطيم المياه في
أيدينا.. تدفع ماءها كالغول الجوعان ينهش في جسد الفريسة.. يلتهمها في نهم حتى أتي
على لحمها، ونخر في عظامها.. الطائرات فوق رءوسنا في عرض بهلواني.. الدبابات تندفع
تدك.. تسحق في غير رحمة.. جنود اليهود يفرون أمام عيني دجاج فزع.. وأنا نسر ألحق
بهم، أنقر أدمغتهم وهم يصرخون:
-
الهو.. الهول.
- ابتعدت كثيرا عن
زملائي وعلى البعد وأنا أغيب عن الوعي رأيتهم فوق المارد المحطم يرفعون العلم و..
يصيحون:
-
الله أكبر.. الله أكبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق