المتهم
:
اتخذ الثلاثة أماكنهم..
الأوسط تلف رأسه الضمادات.. الحزن يلف وجهي زميليه.
سبابة الأوسط تكاد تطوله
وهو داخل القفص:
- أنت المتهم الأول.
يقبض على الحديد بكلتا
يديه.. تخلص أخير من الدهشة الجاثمة على ملامحه:
- مظلوم لو تنصفون.
- عطست فتصدع رأسي..
وتقول مظلوم.؟
- تشكو من رأسك منذ زمن
بعيد.
يلتفت لمن عن يمينه. - أجب.
هز اليميني رأسه وقال:
- رأسه كان قائما ويؤدي
وظائفه.
تنحنح المتهم:
- ويأتي بنتائج غير دقيقة
تقلق المنتفعين به.. أو قل من فرض عليهم الانتفاع به.
لكز الأوسط كتف اليساري..
- أجب.
اعتدل ، وشمخ، وأجاب:
- كانوا أحياء.. يدبون
فوق الأرض.."يمشون في مناكبها، ويأكلون من رزقها"
ازدادت قبضة المتهم على
الحديد، وقال بفتور:
- كانوا منومين مغناطيسيا..
لا يشكون بردا ولا حرا.
رد اليساري:
- إنه الصبر .. صفة المؤمنين.
هز المتهم رأسه وتنهد:
- ومازالوا صابرين..
مع كتلة أخف، كنت تلهث من أجل تخفيفها.
أشار المعصوب إلى رأسه..
أبعد يده بسرعة لما أحس الألم.
- ورأسي يدفع الثمن
- اسرع يقول:
- لم أقترف إثما.
- عطست.!
- كتمتها طويلا، وكانت
تمور في داخلي.
تدخل اليميني:
- ولماذا لم تستمر تكتمها.؟
- أجاب المتهم:
- كتمتها من أجل هؤلاء
الصابرين.. ثم أغتظت من صبرهم الأبله.
تشجع اليساري:
- هأنت ذا تعترف بجريمتك.
- اعترفت بفقد صبري..
لا بجريمة.
إلتقت الأوسط الخيط:
- عطست لتصدع رأسي..
ولا تحسبها جريمة.؟
- لم أر ضررا من التصدع
المزعوم.
- توقف مصالح المنتفعين
بهذا الرأس ليس بضرر.؟!
- قلت لك رأسك لم يأت
بنتائج مؤكدة.. وكان يشكو التصدع المزمن.
- ليكن.. وعطستك.!! زادت
الشق الكامن اتساعا.؟!
- ربما تكون هناك فائدة.
- أفائدة بعد الانهيار
الكامل.؟!
- قد تكون الفائدة في
إعادة البناء.
ردد ثلاثتهم:
- ما حدث من هدم أقوى
من قدرتنا على البناء.
- هذه شكوى مزمنة.
نكس الأوسط:
- إنني في موقف لا أحسد
عليه.. الرءوس الأخرى يتتقدمني.
- العاقل من يمتدح الشدائد.
- أنا أعمل برأسي، وقد
تصدعت.
- استعن برءوس لم تتصدع.
- كلها تصدعت بفعل عطستك
القوية.
- لم تكن قوية.. أقسم
لك.. اختزنت نصفها رحمة بهؤلاء الصابرين.
انتفض المعصوب:
- تحاول الدفاع عن نفسك
لكنك لن تفلت من عقابي.
- تأكدت من أنك تبحث
لك عن ضحايا.
- لقد أصدرت حكمي وانتهى
الأمر.
أنا غير مقتنع أن العطس
يوجب العقاب.
اليميني:
- بما تسبب عنه من أضرار,
أعد عليَّ حساب الأضرار.
اليساري:
- قتل.. هدم.. تدمير..
تصديع.. وقتل.
- كررت كلمة القتل.!
- بنوعيه: واحدة عينية
وواحدة معنوية.
- دقتكم توجب العقاب
فعلا.
الأوسط:
- لا تمزح.. ولا تتفاءل.
- وما نوع العقاب.؟
- الاعدام.
- وتعطونني فرصة أطلب
ما أشتهيه. أو أقول ما أريد.
الثلاثة:
- بالتأكيد.. هى أصول
الديموقراطية.
- إذن اسمعوا أيها الهيئة
الموقرة.. رأسك منذ زمن خرب.. في جدرانه الشقوق، وبداخلها تعابين الشقوق، وبأساسه التصدع
وخارجه قشرة براقة ملونة.. أما المنتفعون برأسك فهم ناقمون على هذه المنفعة الزائفة،
ساخطون على الابتسامة الباهتة.. والمفاجأة أنهم جميعا توجهوا إلىَّ رافعين أذرعهم تضرعا
يطلبون تلك العطسة، متمنين فيها الخلاص.. خجلت أنا من توسلاتهم.. أشفقت من جريان دموعهم،
أتعبني أنينهم ظاهره، باطنه، قالوا:
- ربما العطسة تعيد بناء
الرأس غلى أساس متين فتصدر أحكاما ذات نفع.. تخلى السبيل أمام الفتوة المعطلة، فتجري
القوة في السواعد والأعصاب، ويترك حساب الكتلة لرأس أكثر حكمة.. أو ننام جميعا، وفي
النوم راحة من عناء، وصفاء من كدر.. أو يحمل قوينا الضعيف، ويذرف جبارنا دموع التوبة
النصوح، ويسلم شيخنا الدفة إلى ولده ويجلس قبالته ينير له معالم الطريق.. وربما، وربما..
هذه هي الحقيقة، فما قولك الآن.؟
- قولي .. إنها مؤامرة
مدبرة ضدي، وسوف تحاكمون جميعا وتنالون العقاب.
- صعب أن تفهم .. عجل
بالعقاب.. يكفيني أنني عطست.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق