السبت، 10 نوفمبر 2012

التوصية بحسن معاملة الوالدين وبيان خسة المنافقين


التوصية بحسن معاملة الوالدين وبيان خسة المنافقين

{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(8)
وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ(9)
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ(10)
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ(11)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(12)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْئلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(13)}.

سبب نزول الآية (8):
روى مسلم وأحمد والترمذي وأبو داود والنسائي عن سعد بن أبي وقاص قال: قالت أم سعد: أليس قد أمر الله بالبر ؟ والله لا أَطعَم طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى أموت أو تكفر، فنزلت: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ}.
ورواية الترمذي توضيح ذلك: أن الآية نزلت في سعد بن أبي وقَّاص وأمه حَمْنة بنت أبي سفيان لما أسلم، وكان من السابقين الأولين، وكان بارّاً بأُمِّه، قالت له: ما هذا الدين الذي أحدثت ؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت، فتعيَّر بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يوماً وليلة، لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت وقد جَهَدت، ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب.
 فجاء سعد إليها وقال: يا أماه، لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني، فكلي إن شئت، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله هذه الآية، آمراً بالبر بالوالدين والإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في الشرك به.
      وقال ابن عباس في آية {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي}: نزلت في عيَّاش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه، وقد فعلت أمه مثل ذلك. وعنه أيضاً: نزلت في جميع الأمة، إذ لا يصبر على بلاء الله إلا صدّيق.

نزول الآية (10):
      {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ}:
قال مجاهد : نزلت في المنافقين: وهم أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا، فنزلت الأية.
وقال ابن عباس: نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون عن الدين فارتدُّوا، والذين نزلت فيهم:
وقيل: نزلت في عياش بن أبي ربيعة: أسلم وهاجر، ثم أوذي وضرب فارتد، وكان قد عذبه أبو جهل والحارث، وكانا أخوين لأمه، ثم عاش بعد ذلك وحسن إسلامه.  
نزول الآية (12):
      {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}
 قال مجاهد: إن الآية نزلت في كفار قريش قالوا لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتبعونا، فإن كان عليكم إثم فعلينا.

      {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}
أي أمرناه أمراً مؤكداً بالإِحسان إِلى والديه غاية الإِحسان، لأنهما سبب وجوده ولهما عليه غاية الفضل والإِحسان، الوالد بالإِنفاق والوالدة بالإِشفاق.
 قال الصاوي: وإِنما أمر الله الأولاد ببر الوالدين دون العكس، لأن الأولاد جُبلوا على القسوة وعدم طاعة الوالدين، فكلفهم الله بما يخالف طبعهم، والآباء مجبولون على الرحمة والشفقة بالأولاد فوكلهم لما جُبلوا عليه .
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} أي وإِن بذلا كلَّ ما في وسعهما، وحرصا كلَّ الحرص على أن تكفر بالله وتشرك به شيئاً لا يصح أن يكون إِلهاً ولا يستقيم، فلا تطعهما في ذلك لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الله .
{إِلَيَّ مَرْجِعُكمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
 أي إِليَّ مرجع الخلائق جميعاً، مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فأجازي كلاّ بما عمل، وهذا وعدٌ حسن لمن برَّ والديه واتبع الهدى، ووعيدٌ لمن عقَّ والديه واتبع سبيل الرَّدى .
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}
أي لندخلنَّهم في زمرة الصالحين في الجنة.
 قال القرطبي: كرَّر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين العاملين لتحريك النفوس الى نيل مراتبهم، وفي {الصَّالِحِينَ} مبالغة أي الذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته، ولما ذكر تعالى ما أعده للمؤمنين الخلَّص ذكر حال المنافقين المذبذبين فقال:
 {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}
 أي ومن الناس فريقٌ يقولون بألسنتهم آمنا بالله، فإذا أُوذي أحدهم بسبب إيمانه ارتد عن الدين وجعل ما يصيبه من أذى الناس سبباً صارفاً له عن الإيمان كعذاب الله الشديد الذي يصرف الإنسان عن الكفر.
 قال المفسرون: والتشبيه {كَعَذَابِ اللَّهِ} من حيث إن عذاب الله مانع للمؤمنين من الكفر، فكذلك المنافقون جعلوا أذاهم مانعاً لهم من الإيمان، وكان مقتضى إيمانهم أن يصبروا ويتشجعوا، ويروا في العذاب عذوبة، وفي المحنة منحة، فإن العاقبة للمتقين.
 قال الامام الفخر: أقسام المكلفين ثلاثة: مؤمنٌ ظاهر بحسن اعتقاده، وكافرٌ مجاهر بكفره وعناده، ومذبذبٌ بينهما يظهر الإيمان بلسانه ويضمر الكفر في فؤاده، فلما ذكر تعالى القسمين بقوله:
 {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
ذكر القسم الثالث هنا
{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ}.
 واللطيفة في الآية أن الله أراد بيان شرف المؤمن الصابر، وخسَّة المنافق الكافر، فقال هناك: أُوذي المؤمن في سبيل الله ليترك سبيله ولم يتركه، وأوذي المنافق الكافر فترك الله بنفسه، وكان يمكنه أن يظهر موافقتهم ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان، ومع هذا لم يفعله بل ترك الله بالكلية.
 {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}
 أي ولئن جاء نصر قريب للمؤمنين، وفتح ومغانم قال أولئك المذبذبون: إنا كنا معكم ننصركم على أعدائكم، فقاسمونا فيما حصل لكم من الغنائم قال تعالى رداً عليهم.
 {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} ؟
استفهام تقرير أي أوليس الله هو العالم بما انطوت عليه الضمائر من خير وشر، وبما في قلوب الناس من إيمان ونفاق ؟ بلى إنه بكل شيء عليم، ثم أكد ذلك بقوله:
 {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}
أي وليُظهرنَّ الله لعباده حال المؤمنين وحال المنافقين حتى يتميزوا فيفتضح المنافق، ويظهر شرف المؤمن الصادق.
 قال المفسرون: والمراد {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} إظهار علمه للناس حتى يصبح معلوماً لديهم، وإلا فالله عالم بما كان، وما يكون، وما هو كائن لا تخفى عليه خافية، فهو إذاً علمُ إظهار وإبداء، لا علمُ غيبٍ وخفاء بالنسبة لله تعالى، وقد فسَّر ابن عباس العلم بمعنى الرؤية.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}
قال ابن كثير: كما يقول القائل: افعلْ هذا وخطيئتك في عنقي، فإن قيل {وَلْنَحْمِلْ} صيغة أمر، فكيف يصح أمر النفس من الشخص ؟
فنقول: الصيغةُ أمرٌ والمعنى شرطٌ وجزاء أي إن اتبعتمونا حملنا خطاياكم ، وما هم حاملين شيئاً من خطاياهم، لأنه لا يحمل أحدُ وزر أحد .
{إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي وإنهم لكاذبون في ذلك، ثم قال تعالى:
 {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}
أي وليحملُنَّ أوزارهم وأوزار من أضلوهم دون أن ينقص من أوزار أولئك شيء كما في الحديث (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبّعه من غير أن يَنْقص من آثامهم شيء)
****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق