شهر آخـــر
قطعت الطريق شاردة.. ماذا سأقول لها.؟ كيف
أواجهها بهذا القرار الخطير.. وحدها من أحدثها في هذا الأمر.. وحدها يجب أن تجد
الحل.. ليس لأنها أمي.. بل لأنها السبب.. أرغمتني على الزواج.. عليها أن تخرجني من
مأزق أوقعتني فيه.. فتح أخي.
ـ أهلا عواطف.. ماما
بالخارج.
فرصة أختلي بنفسي
قليلا:
ـ لا أريد إزعاجا
حتى تأتي ماما.
ـ فوق أريكة الصالون
مددت جسدي المنهك.
ركزت بصري في
السقف.. كدت أسمع الحوار الذي دار هنا يومها.. المقاعد حولي بكسائها البني أشبه
بالمقابر.. تمت جريمة تزويجي في هذا القبر.. هذه المقاعد شهود عيان.. أمي وحدها
تولت اقناعي بالعريس.. كانت أكثرهم تحمسا له.
انفتح باب الغرفة..
أطل وجه أمي.
ـ أهلا عواطف.
ـ أهلا ماما.
ـ تجلسين وحدك.
ـ متعبة.
ـ أين عاطف.. لماذا
لم يأت معك.؟
ـ لم أخبره بمجيئي.
ـ هل تشاجرت معه..
وجهك متعب فعلا.. عاطف ابن حلال.. من حظك.. لا تتدللي عليه.
قاطعتها بضيق مكبوت:
لم أتشاجر معه.. فقط
أريد الانفصال عنه.
ـ ماذا..؟
الانفصال.؟
ألقت أمي بجسدها..
خاطبتني بمزيج من الدهشة والذهول:
ـ أنت عروس يا
عواطف.. شهر واحد مر على زواجك.. ماذا حدث.؟
ـ ما حذرتك منه.
ـ ما هو.؟
ـ أحببت أخر.
انتفضت.. أسرعت تغلق
الباب.. ابتعدت بمقعدها.. تنهدت:
ـ احكي.
ـ معي في الشركة..
شعرت نحوه بميل شديد.. تحدثنا طويلا.. عرفت أنه هو الآخر مشدود إليَّ.. طلب مني..
قاطعتني:
ـ وعاطف.؟
ـ لم أحب عاطف.
ـ لم تتزوجي مرغمة.
ـ انت اقنعتني بأن
الحب سيأتي بعد الزواج.. وجاء بالفعل ولكن لغيره.
ـ وكلام الناس.؟
ـ سعادتي أهم.
ـ متأكدة أنت من حبه
لك.. هذا الآخر.!!
ـ كل التأكيد..
أفقارنا متفقة.. مشاعرنا.. رغم قصر مدة تعارفنا.
ـ وتعتقدين أنه وقت
كاف ليفهم كل منكما الآخر.!
ـ الحب لا يحتاج إلا
للحظة واحدة.
صمتت أمي طويلا..
أنتظرتها كأسير ينتظر العفو.. رفعت رأسها بعد أن تجمدت دماء عروقي رغم تظاهري
بالثبات.. قالت:
ـ لن يجدي الحوار
الآن.. لن أعيد على مسامعك مزايا زوجك.. تعرفينها جيدا.. العناد يقود منطقك.. أطلب
شهرا.
ـ شهر.؟
ـ فقط شهر أخر..
تتأكدي فيه من مشاعرك نحو هذا الشخص، ومشاعره نحوك.. وتتأكدين أيضا من كرهك لزوجك.
ـ لا مانع.. سيمر
الشهر ولن يتغير موقفي.
ـ طلب آخر.. الضمير
في معاملة زوجك.. لا ذنب له أن أحبك ولم تحبيه.
تنهدت بعمق.. شعرت
أن مشكلتي انتهت.. مضيت أجرجر قدمي.. لحقتني أمي بكلماتها:
ـ اخبري الآخر بما
اعتزمت عليه حتى يعد نفسه.
استقبلها زوجها
ملهوفا.. أين كنت يا عواطف.؟
ـ عند ماما.. أين
سأكون إذن.!
ـ لماذا تحتدين..
أحدث شيء.؟
ـ لم يحدث شيء ..
لكنك تستجوبني.
ـ لا يا حبيبتي..
أسألك بدافع قلقي.. يبد أنك مرهقة.. استريحي قليلا.. أجهز لك الغداء.. ستتأكدين من
مهارتي في اعداد الطعام.
دخلت حجرتي..
استلقيت بملابسي فوق الفراش.. رن صوت ضميري.
ـ هل أنا فعلا أكره
عاطف.؟
جاءتني الإجابة:
ـ لم أكرهه على
الإطلاق.. أريد أن ألقنه درسا قاسيا، فلا يقدم على الزواج من فتاة لا يعرفها.. لم
يتأكد من شعورها نحوه.
جاء صوته:
ـ الغدا.. يا ست
الكل.
جلست في مواجهته..
ركزت بصري عليه.
ـ تعالي هنا..
بجواري.. تذوقي طعامي.. راض بحكمك.. تناولت ما في يده بابتسامة متكلفة.. كما
أوصتني أمي.
ـ لي سؤال.
ـ تفضلي.
ـ ما رأيك في الحب.؟
ـ أجمل ما في
الدنيا.. لا تحلو الحياة بدون الحب.
ـ هل الحب بيد
الانسان أو رغم عنه.؟
ـ الحب في رأيي
يتوقف على الشخص.. من له إرادة.. يأتي الحب بإرادته.. من ليس له إرادة يأتي الحب
رغم إرادته.
ـ لم أفهم.؟
ـ إذا رأيت شخصا
وشعرت نحوه بميل.. وعرفت في الوقت ذاته أن الاستمرار في هذه العاطفة لا يتناسب
معي.. أستطيع بقوة إرادتي أن أطرد هذا الشعور.
أما إذا كنت إنسانا
ضعيفا قد أترك لهذا الميل المبدئي الفرصة موهما نفسي بأنه رغم إرادتي، ثم أندب
حظي.
- وبهذا المنطق
تحبني.؟
- بالطبع ميزاتك
عديدة.. أعجبتني.. فأحببتك بإرادتي، العقل أصدق في حكمه.. ثم جاء دور القلب..
أعتقد أنك أيضا اخترتني بعقلك.!
- وتعتقد أنه جاء
دور القلب.؟
- لم يأت بعد للسرعة
التي تزوجنا بها.. لكنه سيأتي قريبا.. أنا واثق.
(يا لك من مغرور..
هأنذي أحببت غيرك.. أيام وأعلن لك المفاجأة، وأشهد ثقتك وغرورك وهما يصرعان)
الأيام التالية..
نعدها أنا وماجد.. توطدت العلاقة بيننا.. كل ما فيه يعجبني.. كلامه.. مشيته..
خيلاؤه بنفسه.. طريقة شربه لكوب الشاي.. قراءته للجريدة.. سيطر على كل حواسي خاصة
بعد أن رحب بفكرة انفصالي والارتباط به.. كل يوم يمزق ورقة من النتيجة أمامي.. يظل
يمزقها إلى أصغر جزء فيها ليضمن عدم عودتها.
ـ لكنني لا أطيق
صبرا.
ـ وكيف ستصبر ثلاثة
شهور بعدها.؟
ـ قلت لا أطيق.
ـ والحل.
ـ أنتظرك اليوم لأخبرك بالحل.
ـ تنتظرني.!.. أين.؟
ـ في هذا العنوان.
تركني ماجد.. وحيدة
مع حيرتي.. أمامي ورقة صغيرة بها عنوان لم أتبينه لتزاحم الدموع في عيني.
إلى هذا الحد يا
ماجد.. إلى هذا الحد غبية واهمة.. إلى هذا الحد تملؤه الثقة فيقرر.!!
حانت ساعة
الانصراف.. قام الزملاء.. إلا أنا.. لم استطع التحرك.. جسدي منهار.. رأسي مشحون..
يستعرض أحداث شهر مضى.. تضخمت أمام عيني جريمتي.. جريمة لا يعاقب عليها القانون..
يعاقب عليها الضمير أشد العقوبة.
غريب أمر الانسان..
يبحث عن متاعبه وسعادته بين يديه.. مجرد العناد يا أمي كما شخصت الحالة.. رغم عين
الأم وعين الخبرة قررت أن أعاقبك.. وأعاقبه.. لم أفتح له قلبي.. لماذا.؟
ألأنه متعقل.؟ لم يصادفني بطريقة خياليه ترضي
غرور فتاة مرهفة.. لمَ لم أمنع نفسي بقوة إرادتي.؟
إرادتي.!! إنني أردد
كلام عاطف.
أغرقني العرق..
تذكرت أمي.. زوجي.. مرآة نفسي.. رنين التليفون يقطع أفكاري.. جاهدت نفسي حتى خرج
صوتي:
ـ ألو.
ـ لماذا تأخرت يا
عواطف.. أهو الشغل.!!
ـ أجل يا عاطف.. كان
لدي عمل كثير.. انتهيت منه كله.
ـ ومتى تعودين.؟
ـ سأصل البيت حالا..
ولن يتأخر لدي عمل بعد اليوم.. أبد.. أبدا.
أول قصة نشرت لي على
الطلاق.. بكانت في
مجلة
حواء 5- يونية1982
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق