السبت، 24 نوفمبر 2012

قطرات الجرح: :بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى


قطرات الجرح
:
امتدت يده تمسح بلل عينيها.. بللت السحابة زجاج السيارة.. تعاطف السماء هدأ جيشان صدرها.. وسط دموعها المنهمرة .. ابتسمت:
-       تمنيت أن تمطر وأنا معك.
-       امنياتك تتحقق سريعا.
أحقا ما يقول ما يقول.. وهذا الذي حدث منذ لحظات وأسال دموعك.. أكان من أمنياتك.؟ قبْلته الأولي.. أخذها عنوة بعد أن طال صبره.. يطلبها وتراوغين.. يرجوها وتهربين.. منه.. من نفسك لا تدرين.. تقفز أمام عينيك صورة القعيد.. مشلول الساقين، الجالس فوق كرسي متحرك.. مهما كان به من عجز فهو الزوج.. صاحب الحق في امتلاك هذا الجسد والانتفاع بأجزائه:
البطن:لامتلائها بأطفاله، الثدي: لتغذيتهم والحنو عليهم، الخصر ليختنق بين ساعديه القويتين.. الشفتان: لا يحق لك أن تنشري أريجهما خارج أيكته الصوبية.. في جيبه مصوغات عقد الملكية.
أيام معدوات و.. يسقط طريح الفراش:
-       شلل نصفي.. قالها الطبيب.
تتحسن حالته بعد حين، يعتدل فوق كرسي دي عجلات.. الانتظار طويل.. طويل.. والعقد لا يزال ملزما.. هذا العود الفارع الريان الصارخ الأنوثة يذبل على عينه.. في الليالي البارد يضطرم صدرك وينتفض.. ينقر من داخله عصفور يبحث عن الضياء.. ينبت له جناحان.؟!
تأخذك الدهشة.!!
- جناحان.! لغرس يتعهده قعيد، لطير يحرسه مشلول.؟! التمرد يوجع الجسد والروح و.. دروس الطفولة تأمرك بكسر الجناحين.. برغمك يزدادان طولا وعرضا ولهفة على التحليق.
تحلقين مغمضة العينين.. عشوائية الاتجاه.. تطيرين في أجواء النسور، ولا عهد لك بأجواء النسور.. تصطدمين به.. النسر القوي طليق اليدين والساقين والضمير.
جذبتك حريته، جذبته قيودك.. حطتما معا.. سيارته صارت جناحيكما والشراع و.. انثالت عباراته تدغدغ الجسد قبل أن تغيض فيه ماء الحياة.
- أهواكِ.. أريدكِ.. فرصة أصلح ما أفسدته الظروف.
- لك قلبي.. نبض عروقي.. هذا ما أمتلك.. ما نسوا أن يكتبوه في العقد.. أما الجسد فله راع.
- راعيه قعيد لا يقدر على ريه.
- حق المالك مطلق في ممتلكاته.
- للممتلكات مشاعر، تطالبك بحقها.
- صورته تقفز كلما هممت.
يالقسوة الواقع.!.. وهذان الجناحان.. ألتهوي بهما في سعير الحب.؟!.. تتعذبين بالاحتفاظ به.. تشقين في البعد عنه و.. فاضت دموعك.. لا تحسبينها أبدا دموعا.. هى حب زائد.. امتلأ الجسد بالحب وفاض.. رشح من كل مسامه وخلاياه.. من العينين والشفتين وأطراف الأصابع و.. كلماته ماضية في إخراج نبتها.
و.. شخص شيطانك يصب هديره في أذنيك:
- من حقه.. لم يبخل بمشاعره إذ حرمك القعيد.. تتشبثين به وأنت ذات جناحين.؟!
ونسرك المنتظر يذوب لهفة وظمأ تستبد به قوته.. الفرار يراوده.. أيدفن رأسه في جناح فراشة أخرى.؟!
- لا.. كابوس لا أطيقه.. لن أمنعه بعد اليوم.
وتقبلين.. تدفعك لهفة التحدي.. غافلة النفس قبل أن تثوب.. تصدمك العينان.. تقفين أمامهما مشدوهة.. ما هذا.!!.. نظرة زجاجية.!! بسمة تشفٍ.!! هما كل ما بقيا منه.. أين نظرة حب عشقتها.. تتحدين من أجلها.. ضاعت بسمة حنان ذبت شوقا إلى طبعها على شفتيك.
ضرب نسره المختال بطرف جناحه على السطح الرائق.. انتفضت دواماته تتلاحق.. نبت له ريش طاووس:
- لم تولد بعد من تتأبى عليَّ.
تسابقت خطواتك إلى الوراء.. راعه التراجع المفاجيء و.. شيطاتك تملؤه الدهشة:
- لماذا التردد.. ألم توافقي على الاقدام.؟!
- ويظنه استجابة لنداء فتوته.؟!
لكم أرقك تمرد القلب على قفصه، وحلمت بيده تهدهده.. نسره الطاووسي لم يصبر على الصيد المضطرب حتى يقـر.. يختال أمامك بفنون فروسيته وأنت الحائرة بين ارتعاد فرائصك وعشقك للحظات حلوة داخل بيته الصغير المتحرك.. وحانت اللحظة:
-       إما العناق أو الفراق.
-       اخترت الفراق.. العناق لا يكون بقرار.
-  انقض نسرك الظاميء يمتص من ماء الحياة.. لم تفلح الأنياب والأظافر في الامساك باللحم الشهي خوف الفرار.. تركاه جريحا دون ارتواء.. ضاعت البهجة في الألم.. انهمرت الدموع ساخنة.. هذه المرة من لهيب مهجتك.. تختلط على الثوب الأبيض بقطرات الجرح.. امتدت يده تمسح الدمع، ترى كيف تمحو الجرح.!
ربما دموع السماء استطاعت.. انطلقت إليها.
****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق