بَين يَدَي
السُّورَة
سورة
العنكبوت سورة مكية وموضوعها العقيدة في أصولها
الكبرى "الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء"
ومحور
السورة الكريمة يدور حول الإِيمان و"سنة الابتلاء" في هذه الحياة لأن
المسلمين في مكة كانوا في أقسى المحنة والشدَّة، ولهذا جاء الحديث عن موضوع الفتنة
والابتلاء في هذه السورة مطوَّلاً مفصلاً وبوجه خاص عند ذكر قصص الأنبياء.
تبتدئ
السورة الكريمة بهذا البدء الصريح:
{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا
وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} ؟
وتمضي
السورة تتحدث عن فريق من الناس يحسبون الإِيمان كلمةً تقال باللسان، فإِذا نزلت
بهم المحنة والشدة انتكسوا إِلى جحيم الضلال، وارتدوا عن الإِسلام تخلصاً من عذاب
الدنيا، كأن عذاب الآخرة أهون من عذاب الدنيا.
{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ
كَعَذَابِ اللَّهِ..}
وتمضي
السورة تتحدث عن "محنة الأنبياء" ومالاقوه من شدائد وأهوال في سبيل
تبليغ رسالة الله، بدءاً بقصة نوح، ثم إِبراهيم، ثم لوط، ثم شعيب، وتتحدث عن بعض
الأمم الطغاة والأفراد المتجبرين كعاد، وثمود، وقارون، وهامان وغيرهم ، وتذكر ما
حلَّ بهم من الهلاك والدمار.
{فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ
حَاصِبًا}
وفي قصص الأنبياء دروسٌ من المحن والابتلاء،
تتمثل في ضخامة الجهد وضآلة الحصيلة، فهذا نوح عليه السلام يمكث في قومه تسعمائة
وخمسين سنة يدعوهم إلى الله فما يؤمن معه إلا قليل:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ
سَنةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}
وهذا أبو الأنبياء إِبراهيم الخليل يحاول هداية قومه بكل
وسيلة، ويجادلهم بالحجة والبرهان فما تكون النتيجة إِلا العلو والطغيان.
{قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنْ
النَّارِ..}.
وفي قصة
لوط يظهر التبجح بالرذيلة دون خجل أو حياء:
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ
مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}
وبعد ذلك
الاستعراض السريع لمحنة الأنبياء، تمضي السورة الكريمة تبيّن صدق رسالة محمد (صلى
الله عليه وسلم) فهو رجل أميٌّ لم يقرأ ولم يكتب ثم جاءهم بهذا الكتاب المعجز،
وهذا من أعظم البراهين على أنه كلام رب العالمين
{وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ
قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ
الْمُبْطِلُونَ}
وتنتقل
السورة للحديث عن الأدلة والبراهين على القدرة والوحدانية منبثقة من هذا الكون
الفسيح، ثم تختم ببيان جزاء الذين صبروا أمام المحن والشدائد وجاهدوا بأنواع
الجهاد النفسي والمالي، ووقفوا في وجه المحنة والابتلاء.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق