السبت، 24 نوفمبر 2012

حفل الرحيل: بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى


حفل الرحيل
:
حل موعد زفافها الثاني.. عقد القران منذ ساعات.. العروس: فلانة بنت فلان.. العريس: عزرائيل.
انتشر النبأ.. تقاطر المدعوون في زي موحج.. تمددت العروس في استسلام تام.. تنتظر في شوق موعد وصولها إلى بيت عرسها.
مهلا .. الاحتفال أولا.. لحن الوداع.. العويل .. الصراخ.. تشويح الأيدي.. عبارات الوحشة.. ذكر المحاسن.
- ليس يومك يا حبيبة.
- صغيرة السن كبيرة القيمة.
- ليس لك عيب تذكر يا أصيلة.
دوت صرخة مختلفة.. استقرت في القلوب الواجفة.. الأسطى.. صاحبة الكلام المنتقي الملظوم.
علا صوتها.. شمخت حنجرتها.. سمعتها سكان السماء.. دبدبت بقدميها.. أزعجت سكان الأرض.. أضافت لآلات عزفها.. الخدين والصدر.. قلدها القوم.. احتج البعض:
- هذه فتنة.
ثار آخرون:
- للاحتفال طقوس.. للعروس حقوق.. أتزف بلا توديع.؟.. الكاملة.. العاقلة.. الأصيلة.. ال... ال..
اختلت الصفوص.. ضغطت الأجسام بعضها ببعض.. انشقت.. صنعت نهرا صغيرا.. تدحرج خلاله هيكل هلامي.
تجاعيد.. تجاعيد.. تكومت فوق بعضها العض.. أحدثت مخلوقا أثريا مطاطيا.. في غفلة من الزمن دقت أوتادها في قلبه ورئتيه.. جاءت تسعى.. ساقتها عصاتها.. خبيرة الأحساب والأنساب.. تحمل بداخلها واحة من أشجار العائلات.. الجميع يكتمون أنفاسهم.. يبرق لهم خاطر تتعلق الأنظار تجاه هوة.. خمنوا موقعها في الوجه.. رغم انطباقها.
انفرجت حافتا الهوة.. نطقت العجوز.. همدت الأنفاس.. حدقت العيون.. أرهفت الأسماع.. انبسطت الوجوه المرهقة باللطم.. الكل في واحد يأمل سماع عبارة واحدة تفور من هوة العجوز.. تتشكل حروفها:
- زواج فلانة من عزرائيل .. باطل.. سبق وعقد قرانه على أمها.. صارت محرمة بالنسب.
انتظروا طويلا.. لم تقل شيئا.. تمدد صدرها.. هبط.. قلدها القوم.. شهيق طويل متقطع.. زفير أطول ملتاع.. عرفوا أنه:
لا فائدة.. لا موعد.. لا منطق.
اتخذت العجوز مجلسها.. قالت مثلما يقول الجميع:
- الكاملة العاقلة .. ال.. ال...
****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق