{الم(1)
حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا
أَنْ يَقُولُوا ءامَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(2)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ(3)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)
مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ
اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(5)
وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا
يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6)
وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)}
سبب نزول الآية (1-7):
روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من
أذى المشركين، وقيل: في عمار، وقد عذب في الله، فقد أخرج ابن سعد عن عبد الله بن
عبيد بن عمير قال:
نزلت في
عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله:{أَحَسِبَ النَّاسُ}
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر
عن الشعبي في قوله: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} قال:
أنزلت في أناس كانوا بمكة، وقد أقروا بالإسلام،
فكتب إليهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من المدينة أنه لا يقبل منكم حتى
تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة، فتبعهم المشركون، فردوهم، فنزلت فيهم هذه
الآية، فكتبوا إليهم أنه قد نزل فيكم كذا وكذا، فقالوا:
نخرج،
فإن اتَّبَعنا أحد قاتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل،
ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم:
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا
ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:
110].
وأخرج ابن أبي حاتم أيضاً عن قتادة قال:
أنزلت
{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ} في أناس من أهل مكة خرجوا، يريدون النبي (صلى الله عليه
وسلم)، فعرض لهم المشركون، فرجعوا، فكتب إليهم إخوانهم بما نزل فيهم، فخرجوا فقتل
من قتل، وخلص من خلص، فنزل القرآن:
{وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ}.
وقال مقاتل: نزلت في مِهْجَع مولى عمر بن
الخطاب، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال
النبي (صلى الله عليه وسلم) يومئذ: "سيد الشهداء مِهْجَع، وهو أول من يُدعى
إلى باب الجنة من هذه الأمة" فجزع عليه أبواه وامرأته، فنزلت:
{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا..}
{الم} الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز
القرءان
{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءامَنَّا وَهُمْ
لا يُفْتَنُونَ}؟
الهمزة
للاستفهام الإِنكاري أي أظنَّ الناسُ أن يُتركوا من غير افتتان لمجرد قولهم
باللسان آمنا؟
لا ليس
كما ظنوا بل لا بدَّ من امتحانهم ليتميز الصادق من المنافق قال ابن جزي: نزلت في
قومٍ من المؤمنين كانوا بمكة مستضعفين، منهم "عمار بن ياسر" وغيره، وكان
كفار قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإِسلام، فضاقت صدورهم بذلك فآنسهم الله بهذه
الآية ووعظهم وأخبرهم أن ذلك اختبار، ليوطنوا أنفسهم على الصبر على الأذى، والثبات
على الإِيمان، وأعلمهم أن تلك سيرته في عباده يسلّط الكفار على المؤمنين ليمحصهم
بذلك، ويظهر الصادق في إيمانه من الكاذب أي ولقد اختبرنا وامتحنا من سبقهم بأنواع
التكاليف والمصائب والمحن.
قال البيضاوي: والمعنى أن ذلك سنة قديمة، جارية
في الأمم كلها، فلا ينبغي أن يتوقع خلافه.
{فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
أي فليميزنَ الله بين الصادقين في دعوى
الإِيمان، وبين الكاذبين فيه، وعبَّر عن الصادقين بلفظ الفعل {الَّذِينَ صَدَقُوا}
وعن
الكاذبين باسم الفاعل {الْكَاذِبِينَ}
للإِشارة إِلى أن الكاذبين وصفهم مستمر وأن
الكذب راسخ فيهم بخلاف الصادقين فإِن الفعل يفيد التجدد.
قال الإِمام الفخر: إِن اسم الفاعل يدل في كثير
من المواضع على ثبوت المصدر ورسوخه فيه، والفعل الماضي لا يدل عليه كما يقال:
فلانٌ شرب الخمر، وفلانٌ شاربُ الخمر، فإِنه لا يفهم من صيغة الفعل الثبوتُ
والرسوخ.
{أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا}
أي أيظن المجرمون الذين يرتكبون المعاصي
والموبقات أنهم يفلتون من عقابنا ويعجزوننا ؟
{سَاءَ
مَا يَحْكُمُونَ} أي بئس ما يظنون.
قال الصاوي: والآية انتقال من توبيخ إلى توبيخ
أشد، فالأول توبيخ للناس على ظنهم أنهم يفوتون عذاب الله ويفرون منه مع دوامهم على
كفرهم.
{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ
اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ}
لما بيَّن تعالى أن العبد لا يترك في الدنيا
سُدى، بيَّن هنا أن من اعترف بالآخرة وعمل لها لا يضيع عمله، ولا يخيب أمله والمعنى
من كان يرجو ثواب الله فليصبر في الدنيا على المجاهدة في طاعة الله حتى يلقى الله
فيجازيه، فإِن لقاء الله قريب الإِتيان، وكلُّ ما هو آتٍ قريب، والآية تسلية
للمؤمنين ووعدٌ لهم بالخير في دار النعيم.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق