هي الأيـــام
- إنها منهارة نفسيا.. لم تقدر على المقاومة
مع الحمل.
- حمل.؟!.. أي حمل.؟
- السيدة حامل في الشهر الرابع.
عبارة الطبيب صفعت أذني فاندفعت أسأل في
دهشة.!
- كيف حدث هذا.؟.. كيف
لا أعرف.!
ـ لا تعرف.؟ إنني
أتابعها منذ بداية الحمل.
لماذا لم تخبرني
إذن.؟ لماذا.. تركتني أخطب وأنتقي وأتطاول عليها.؟
- لماذا يا زوجتي
الغالية.؟ لماذا.؟
استمعتْ إلى عبارته،
وهى تجاهد ثقل جفنيها.
- أحقا يا حبيبتي
ستهدين لي طفلا.؟.. أخيرا.!
منذ مدة لم أنطق
كلمة حبيبتي.. ضاعت في لجة النزاع على الطفل.. هاهو ذا الطفل في الطريق فلتعد
الكلمة إلى لساني.
أشاحت بوجهها بعيدا
عني.. الكلمة صارت غريبة أيضا على أذنيها.. لا بأس من بعض الدلال.
- ولكني يا حبيبتي عاتب عليك.. لماذا لم تزفي إلى البشرى منذ
شهور أربع.؟!
عادت بوجهها،
وبالأسى في عينيها.. قالت:
ـ وما المانع أن تكون
لديك بقرتان حلوبتان.
مرت أمام عيني
عذابات خمس سنوات مضت.. رأيتني أصرخ فيها بكلمات أملاها علي أبي:
- اخرجي من بيتي.. هذه الشقة في بيت العائلة وسأتزوج فيها..
المرأة العاقر خلل في الطبيعة.
انسحبت بهدوئها
المعتاد.. تكوم أثاثها فوق سيارة النقل.. تركت لي شقتي محل النزاع خاوية.. خواء
روحي المحرومة و.. سمعتها من خلال دموعها المختنقة:
- استأجرت شقة
متواضعة، يمكنك أن تعتبرها شقتك حتى تختار عروسك.
كطفل ردت إليه أمه..
فرحت بالعرض، ومضيت أتفحص الفتيات.. أيهن تصلح للزواج.!
ستة أشهر ولم أهتد..
لا يكفي أن تكون جميلة، أو مثقفة.. المهم أن تكون ولودا.. لابد من دراسة شجرة
العائلة، كم أخا لها، وكم أختا لهم أولاد.. كم عدد الذكور، وكم عدد الإناث.. يجب
أن أكون حذرا هذه المرة.. لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.. وزوجتي ساهمة أسألها
مجاملة:
- ماذا بك.؟
ـ لا شيء.
السبب واضح.. غيور
وعاقر.. يا لها من امرأة.!.. تعاقبني بالصمت.. ماذا جنيت.؟!.. أطلب طفلا.!.. أهذا
ذنب.؟!
لكنها ليست ساهمة
فقط.. بل حزينة.. لن أضعف أمام حزنها.. غدا ستتعود على الحياة الجديدة..
ولكنها تذبل يوما
بعد يوم و.. كان هذا الانهيار.
أربعة أشهر أخرى
انقضت و.. لم تتبدل نظرة العتاب في عينيها، ولم تختفِ مسحة الحزن عن وجهها..
حياتنا روتينية باردة، يراعى فيها الحقوق والواجبات.
بالأمس.. بالأمس
القريب كنا نأكل ونشرب ونلهو حبا.. لم تعد غير المرارة في فمي.. ماذا حدث.. ألا
تسعدين بطفلك القادم.. تكلمي.. أرجوك تكلمي.
وتكلمت:
ـ طعنت أنوثتي.
ـ معذور أنا.. قانون
البقاء.
ـ قلت لي أنت خلل في
الطبيعة.
- توارثناها.
ـ عيرتني أمك.
- أعز الولد.
- قسا علي أبوك.
- يراك تحولين دون
امتداده.
ـ تباهت علي أختك
بنسلها
- سنة الحياة.
- قلت لك إلا أنت.. ألتمس لهم العذر جميعا .. إلا أنت.. سرت في
ركابهم، ولم ترحمني.
- كنت كالتائه.
- قلت لك اتركني في عش ذكرياتي فلم تعد لي غير الذكريات.. حكمت
علي بأن أنزوي في حجرة صغيرة في بيت أهلك.. فلم أعد أصلح إلا للذلة والمهانة.
- رغبة في الاحتفاظ
بك.
- مزيد من الاذلال.؟
- لم أقصد هذا.. ولكنك
اتخذت قرارا جريئا بتأجيرك شقة غيرها.!
- ولماذا تعلمت واشتغلت.!.. ألا يحمي لي مالي كرامتي.؟.. بعت حلي
ودفعت المقدم، ومن راتبي أدفع إيجارها.. ولكني لم أطردك منها.
ـ ولماذا دعوتني للعيش
معك.؟
- كما سبق واستضفتني
في بيتك.. ولأنك لم تأخذ قرار الانفصال بعد.
ـ وأراد الله ألا
يفرقنا.
ـ هذه كانت المفاجأة.
- وعرفت منذ الشهر
الأول، فلماذا بخلت علي بالسعادة.؟
تنهدت بعمق:
- صفعتني الحقيقة
القاسية.. عرفت أن المرأة بقرة لا حد لعطائها.. تحرث الأرض.. تدار في الساقية مغمضة
العينين.. تلد العجول ليستفاد من لحمها وثمنها وإلا تعرضت للبيع في السوق أو للذبح
بالسكين.
عندما أخبرني الطبيب
بالحمل.. ضجت في سمعي نداءات:
-
اوقفوا البيع..
ارفعوا السكين.
-
....................................
- الرجال يتهمون المرأة بالأنانية لأنها تريد أن تستأثر بالرجل
وهو يصلح لأربع.. ألا يدري الرجل أنها تحبه.. ومن الذي يفرط في انسان يحبه.!
ألا يغار الطفل من
أخيه الجديد شريكه في حب أمه.؟
ألا تذبل الوردة
وتموت إذا نمت وردة أخرى على ذات العود.؟
ألا تصارع الموجة
أختها في منافسة على أحضان الشط.؟
كيف تنكرون على المرأة
التي تحب أن تستأثر بمن تحب.
ليتني لم أقل لها
تكلمي.
من يقول لها إنني
أيضا أحبها.. مازلت أحبها.. وإنني قلت ما قلت لأقوى قلبي عليها.
من يقول لها إنني
أطلت البحث عن العروس لاحساسي بعدم الوفاق مع غيرها.
من يخبرها بحقيقة
دوافعي و.. يمسح بيده السحرية فوق الجرح فيلتئم.
ألا من سبيل إلى
مداواة الجروح.. ربما هى الأيام.
حواء:
11يوليو 1987
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق