الأحد، 18 نوفمبر 2012

مـــــــــزاد


مـــــــــزاد

دوائر الدخان تتصاعد.. تتشكل أمام ناظريه.. ألوان طيف متماوجة.. دوائر عينيه تتبعها.. دوائر مخه تنشط.. تبرق.. ارتعدت التشكيلات والدوائر بهواء زفرة قوية.. نفثت عن صدره.. أزاحته.. وراح عقله يرتب أوراقه.
فكرة صائبة.. اكتملت خيوطها في ذهني.. تعرفت علي أبعادها.. تجارة جديدة أرباحها مضمونة.
التفت إليها . تبرد أظافرها وتنظر إليها في إعجاب.
لن أجعلك تضحكين علي مشروعي هذه المرة.. لن ترددي عبارتك الأثيرة:
 - بكيت علي اللبن المسكوب.. وكسرت البيض قبل أن يصل إلي السوق.
تجارتي الجديدة بلا خسائر ربما بلا رأس مال .. كله موجود في الطبيعة.. بل في أنفسنا.. يعتمد علي التبرعات.. قدح زناد الفكر فقط هو مفتاح النجاح.
أشعل سيجارته العاشرة من التاسعة.. نشطت الدوائر من جديد.. التهب ذهنه.. تتبعها بعينيه.
تمشط شعرها في دلال.. أنت يا زوجتي الحبيبة مديرة البنك.. لا تضحكي حتي أشرح لك.. تجارتي هذه المرة أن أمتلك بنكا.. أنت مديرته.. بنك يحتفظ فيه الناس بأماناتهم.. علي الأرفف ترص بعناية قطع غيار الانسان.. يالك من عجول.!.. عدت تضحكي .. الانسان اليوم يمكن فكه قطعة قطعة، والاحتفاظ بكل قطعة علي حده.. يمكن أيضا كتابة الأسعار علي كل قطعة.. مفصل الكتف بكذا.. مفصل الفخذ ب الأذن.. عدسة العين..  فلا نتعرض لمضايقات ضريبية.
أما أسعار: الرئة، الكلي، الكبد، الطحال، والقلب فمعروفة.
بالتأكيد لن أنسي المعمل.. سيكون مجهزا بأحدث الأجهزة.. ماء الرجل في زجاجة .. بويضة المرأة في زجاجة أخري.. يأتي الزبون بتذكرة الطبيب، أو بدون تذكرة.. أدخل المعمل أمزج له بويضة ببعض الماء.. أحتفظ له بالمزيج في زجاجة ثالثة.. أو في قرطاس، وفي البنك يا عزيزتي نحتفظ بأجنة سابقة التحضير.
رمقها بجانب عينيه .. منشغلة بمشاهدة التليفزيون ..
عاطفية جدا يا حبيبتي.. تبكين للمشاهد المؤثرة.. لن يروقك حديثي عن مادية الانسان.. سوف أقنعك بالدليل المادي.. وأريك كيف نستأجر الأرحام.. ستكونين يا زوجتي الفاضلة أول رحم يدر علينا ربحا وفيرا وأول محلب لإدرار اللبن الطبيعي.
الأمل عليك مضاعف.. لابد من تعاونك معي في هذا المشروع..
أدرك سر صمتك هذا.. تعرفين أنني أفكر في مشروع جديد.. وتعرفين أنني سأعرض فكرته عليك.. وأعرف أنك ستلقين في طريقي بحجر العثرة!!
- من أين لك بالمال؟
نعم يا عزيزتي مشاريعي السابقة كانت تحتاج للمال فشاهدت انتحارها علي عتبة الأحلام.. ودائما أجلس بجانبها أبكي اللبن المسكوب.. وأنت بطيبة قلبك تحثينني علي الصبر، والبدء بمشروع بسيط والاجتهاد فيه حتي ينمو، وأحاول اقناعك بأن من يبدأ كبيرا يظل كبيرا.. ولا يعجبك كلامي فتنصرفين إلي شئونك.. وأنصرف أنا إلي تفكيري.
هذه المرة الوضع مختلف .. المال موجود.. يمكن تدبيره بسهولة.. ما أغني الانسان.!.. خوفه وأنانيته يعميانه عما يمتلك من كنوز فائضة عن حاجته.. كلها في جسمه.. له رئتان ونصف رئه تكفيه.. وكليتان ونصف واحدة تكفيه.. ولكبده فصان والصغير يكفيه.. وكمية كبيرة من العظام والغضاريف والجلد التي يمكن أخذها من مكان لمكان.. مخازن ضخمة من الخلايا الدهنية في البطن والالية..... و ....
هل اقتنعتي يا حبيبي.. هل ستضحين معي حتي نبدأ مشروعنا الرائع.. لن أطلب منك بيع مصاغك وأشيائك الثمينة.. كلية واحدة فقط هي كل ما أطلب.. لا تخافي يا عزيزتي .. سأبدأ بنفسي.. يجب أن نوفر المكان اللائق وبعض الأجهزة.. ودفع الأجور في البداية.. وعمل الدعاية اللازمة.. و.. كتابة لافتة بالنيون. "
" بنك لقطع الغيار اترك التالف واختار"
ثقي في كلامي هذه المرة.. هيا نستبدل بعض المال بكليتينا.. هيا.. هيا.. يا حبيبتي.. هات يدك عاونيني علي النهوض.. آآآه .. جنبي.. أشعر بألم شديد في جنبي.
صباح الخير22أبريل 1993
****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق