حـــــوت
أول من دخل دير الراهبات كان زنديقا في مسوح
الأتقياء.. تطيرن منه.. لذن بالفرار.. أفسحن له المكان.. صال فيه وجال.. زلزل
أرضه.. هز أعمدته.. قوض سقفه.. لزمن الصمت.. تقدمت بلا حذر.. تساءلت بلا حرج:
- لماذا حطمت الدير.؟
تكلم.. لصوته سحر:
- نبضه بارد.. جفت خلاياه.. تشققت.. بين
ذراعي نهر صغير يروي الخلايا المتشققة.
من بين حطام الدير التقطت المرآة المسحورة.
في المرآة المعركة غير متكافئة.. كيف التكافؤ
بين حمل وحوت إذا نشب صراع.. أطفأت النور.. اتضحت الرؤية.
الحمل كثير الحركة.. يقبل ويدبر.. الحوت
ثابت.. يملأ المكان.. للحمل قرنان.. يضرب بهما بكل قوته.. تقع كالمداعبة على جسد
الحوت.. تعب الحمل.. تكلم الحوت.. نثر الأمكاني.. لصوته سحر:
- في جوفي متسع يحقق الراحة والطمأنينة، سبق
وافترشه يونس.. تطهر بداخله.. صام وصلى ودعا ربه.. وأنا الحوت أمين على وديعة
ربي.. أخرجته فور أن طلبه.. سليما.. معافى.. تائبا من ذنوبه.
الحمل يرغب في المغامرة.. في الاستكانة في
جوف رحيم.. متسع.. يحقق أماني قديمة.. قلَّم قرنيه.. انزلق خلال الفم.. غرق في
الجوف.
- يا الهي ما كل هذا الظلام.. لم يحدثني الحوت عنه.. سمع صوته..
لصوته سحر:
- ستعتاد الظلام بعد قليل.
ـ الجوف واسع ومخيف..
ما كل هذا الشوك.؟
ـ ذنوب النزلاء
السابقين.
الحوت لم يكذب..
الحمل لم يفهم.. لم يحتط.. ألأنه أقل شفافية.. ألأنه أكثر ثقة.. ألأنه قليل
الخبرة.. سؤاله الملح أتعب ذهنه.. أسقط قرنيه.. تمزق بانفعالاته المضطربة.. كانت
مكبوتة ولم يجد لها متنفسا صحيا.. يزفرها لهيبا يشهقها جمرا.. مطلوب منه أن يعتاد
الظلام وأن يجني الأشواك أو.. فليمت محموما بها.. ارتعدت المرآة المسحورة.. حذرت.!
- لو خرج تفرق ميكروبه في الحياة.. ليبق
مكانه وليبق الحوت مغتما.. اقترب الزنديق في مسوح الأتقياء باسطا ذراعيه..
مبتسما.. تكلم.. لصوته سحر:
- بين ذراعي نهر صغير يروي الخلايا المتشققة
و .. و.. و..
أضاءت النور.
الجمهورية: 18 أغسطس 1988
علق عليه الكاتب محسن الخياط
بقوله:
هذه محاولة جديدة وجيدة يقدمها قلم
جديد تحمله الصديقة نادية كيلاني، ونعتقد أن أسلوبها في التعبير عن أفكارها ينم عن
موهبة.. وها هو النادي يبادر بتقديمها لأول مرة
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق