السبت، 10 نوفمبر 2012

ومن روائع التشبيه القرآني في سورة العنكبوت


ومن روائع التشبيه القرآني في سورة العنكبوت

قال تعالى : (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء، كمثل العنكبوت تخذت بيتاً، و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون )

شبه القرآن الكريم حال هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أندادا في لجوئهم و احتمائهم بهؤلاء الأنداد الضعفاء المتناهين في الضعف بحال العنكبوت حينما تأوي إلى بيتها الضعيف الواهن و تحتمي به
صورة عجيبة تلح على الحس و الوجدان، و تجتذب إليها الالتفات، وتسترعي الانتباه، و تسترق الاسماع و تبهر الألباب و تستولي على الأحاسيس و المشاعر ، و يقف أمامها اساطين الكلام حيارى يتساءلون كيف نظمت هذه الصورة ؟ وكيف تكونت ؟
ثم لا يجدون من يجيبهم على تساؤلاتهم، لأن البشر مهما أوتوا من البراعة والبيان لا يمكنهم الوصول إلى معرفة سر نظم القرآن.

إنها تصور لك هؤلاء العباد الغافلين بصورة العناكب الضئيلة الواهنة، و تصور لك هؤلاء الضعفاء العاجزين بصورة بيت العنكبوت الذي يضرب به المثل في الضعف والوهن .

و أظنك أيها القارئ الكريم لست في حاجة إلى أن أحدثك عن نظم هذه الصورة البلاغية، فذلك متروك لذوقك و إحساسك، ولكنني أدعوك إلى النظر والتأمل في الكلمات التي اختيرت للمشبه به ونظمت منها صورته :
كمثل العنكبوت اتخذت بيتا.. هل في مقدورك أو في مقدور أي بليغ مهما كان حظه من الفصاحة البيانية، و مهما كان يحفظ من مفردات اللغة العربية أن يأتي بألفاظ تسد مسد هذه الألفاظ التي نظمت منها صورة المشبه به ؟
إنها الصياغة الإلهية يقف البشر أمامها عاجزين حيارى مذهولين
قال تعالى :
 {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، و لكنه أخلد إلى الأرض، واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}   (سورة العنكبوت:)

تأمل الصورة التشبيهية التي اشتملت عليها الآية الكريمة
لقد شبه القرآن الكريم في هذه الآية حال الكذب بآيات الله في إصرار على ضلاله في جميع أحواله كالكلب في إدامة اللهثان

إنها صورة فنية رائعة أحكم القرآن الكريم صياغتها، و أجادت الريشة الإلهية رسمتها، تكشف في جلاء ووضوح عن حقيقة هذا الكذب الضال، إنه حقير قذر، لا يؤثر فيه النصح و الإرشاد ولا ينفع معه الوعظ و التذكير، قد ركب رأسه، ولج في ضلاله، واتخذ الشيطان إلها من دون الله ثم تأمل الكلمات التي نظمت منها صورة المشبه به لا تجد في مفردات اللغة ـ على كثرتها، من يقوم مقامها و يسد مسدها، ثم تأمل كلمة الكلب وحدها لا تجد كلمة في اللغة تصور هذا المعنى وتبرزه في صورة حية متحركة سواها، إذ كل مخلوق إنما يلهث من مرض أو عطش أو إعياء إلا الكلب فإنه يلهث في جميع أحواله في حال الدلال وفي حالة الراحة، وفي حالة الصحة والمرض وفي حالة الري والعطش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق