مالك
والخلفاء
عاش مالك في الخلافة
الأموية و العباسية في عصر تسوده الفتن وكان موقفه كموقف الحسن البصري، وسعيد بن
المسيب وهو موقف استنكار الفتن والدعوة إلى الابتعاد عنها وكان إذا سُئِلَ عن تلك
الفتن نصح بالابتعاد عنها وبعدم الولوج فيها.
وكان الإمام مالك ممن يغشى
مجالس الخلفاء ولم يكن يبتعد عنها وذلك للنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والوصية بالخير فما كان يوفر جهداً ليوصي الخليفة أو ينصحه عندما تسنح الفرصة وقد
عوتب في ذلك فقال:
لولا أني أتيتهم ما رأيت للنبي (صلي عليه وسلم) في هذه المدينة سنَّة
معمول بها، فكان إذا أتاهم نصحهم لكي يحيوا سنة النبي (صلي عليه وسلم) وخاصة في
المدينة المنورة وكانوا يستجيبون لنصيحته.
ولكنه كان إلى جانب ذلك يحترم نفسه في مجالس الخليفة والولاة وكان
يفرض سلطانه عليهم.
وكان إلى جانب كونه مهاباَ كان يحافظ على عزة نفسه في هذه المجالس
على خلاف عادته في المساجد حيث كان إذا دخل المسجد يقف في آخر الصف ويأبى أن يتقدم
وإن أصرّوا على تقديمه ويجلس حيث ينتهي به المجلس، وكان كثير التواضع ولكن إذا غشي
مجلس الخلفاء أو الولاة فرض عزته على المجلس كله.
جاء
المهدي مرة إلى المدينة واجتمع إليه الناس والعلماء وذهب مالك ليزوره فلما وصل وجد
المجلس مزدحماَ والتفت الناس ينظرون أين سيجلس مالك يا ترى وما سيكون موقفه.
فقال
الإمام مالك للمهدي: يا أمير المؤمنين أين يجلس شيخك مالك؟
فتضامَّ
المهدي وصغَّر من جلسته و قال:
هاهنا يا أبا عبد الله إلى جانبي، فوسع له ودخل
مالك وهو حريص ألا يهان دينه في شخصه.
ولما زار
الرشيد المدينة وأراد لقاء مالك و كان قد سمع عن علمه الكثير، طلب أن يأتيه حيث
نزل فقال مالك لرسول الخليفة:
قل له
إنَّ طالب العلم يُسعى إليه والعلم لا يسعى إلى أحد! فجاءه الخليفة زائراً معتذراً
فهو بذلك جمع بين خصلتين: سمة العلم والتواضع، وسمة المحافظة على
الشرع، لذا ينبغي لهذه السمة أن تكون هي المهيمنة وأن تكون هي العزيزة في كل مكان،
فالله تبارك وتعالى بالقدر الذي نهانا عن الكِبر أمرنا أن نعتز بالإسلام وبالقدر
الذي أمرنا بالتواضع نهانا في الوقت نفسه عن الذل وجاء في دعاء النبي (صلي عليه
وسلم)
"اللهم
إني أعوذ بك من الذل إلا إليك" وأي إنسان صاحب ذوق
دقيق يستطيع أن يفرِّق بين التواضع والذل المرفوض.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق