حكم المطلقة قبل الدخول
لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ(236)وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237)
هناك فرق بين أن يوجد الحكم
بقانون العدل، وبين أن ينظر في الحكم من
ناحية الفضل،
وأحكي هذه الواقعة لنتعلم منها:
ذهب اثنان إلى رجل ليحكم بينهما فقالا:
احكم بيننا بالعدل. قال: أتحبون أن أحكم بينكما بالعدل أم بما هو خير من العدل؟ فقالا: وهل يوجد خير من العدل؟ قال: نعم. الفضل.
إن العدل يعطي كل ذي حق حقه،
ولكن الفضل يجعل صاحب الحق يتنازل عن حقه أو عن بعض حقه.
والتشريع حين يضع موازين العدل
لا يريد أن يحرم النبع الإيماني من أريحية الفضل؛
فهو يعطيك العدل، ولكنه سبحانه يقول:
"ولا تنسوا الفضل بينكم"
فحين نتمسك بقضية العدل لن نصل
إلى مبلغ التراضي في النفوس البشرية. ولكن إذا جئنا للفضل
تراضينا وانتهينا.
فائدة: بعض الجهلة يقولون والعياذ بالله: إن القرآن فيه لحن. وظنوا أن
الصحيح في اللغة أن يأتي القول: إلا أن يعفواً بدلا من "إلا أن
يعفون".
يجب أن نفرق بين "واو
الفعل" و"واو الجمع" إنها هنا "واو الفعل"
فكلمة يعفون" مأخوذة من الفعل "عفا.. يعفو".
وهذا معناه أن للزوجة أن تعفو عن نصف مهرها وتتنازل عنه لزوجها.
وأن الزوج له أن يعفو عن نصف مهره ويتنازل عنه لزوجته.
ملحوظة:بعض المفسرين قالوا: إنه ولي الزوجة.
ولكن الولي ليس له أن يعفو في مسألة مهر
المرأة؛ لأن المهر من حق الزوجة، فهو أصل مال، وأصل رزق في حياتها؛ لأنه نظير التمتع بالبضع. ولذلك تجد بعض الناس لا يصنعون شيئاً بصداق
المرأة، ويدخرونه لها بحيث إذا مرض واحد اشترت له
من هذا الصداق ولو قرص اسبرين مثلا؛ لأنه علاج من رزق
حلال، فقد يجعل الله فيه الشفاء.
فالمرأة تحتفظ بصداقها الحلال
لمثل هذه المناسبات لتصنع به شيئا يجعل
الله فيه خيراً، لأنه من رزق حلال لا غش فيه ولا تدليس.
وأقول لهؤلاء المفسرين: لماذا يأتي الله بحكم تتنازل فيه المرأة عن حقها وأن تعفو عن النصف، والرجل لا
يكون أريحياً ليعفو عن النصف؟ لماذا تجعل
السماء الغرم كله على المرأة؟
تعفو النساء
أو يعفو أولياء الزوجة، فنجعل العفو يأتي من الزوجة
ومن أوليائها؛ أي من جهة واحدة؟
إن التقابل في العفو يكون بين
الاثنين، بين الرجل والمرأة، ويكون قوله تعالى:
"أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح"
يقصد به الزوج، فكما أن للمرأة
أن تعفو عن النصف المستحق لها فللزوج أن
يعفو أيضا عن النصف المستحق له.
ويقول الحق: "وأن تعفوا
أقرب للتقوى":
لأن من الجائز جدا أن يظن أحد الطرفين أنه
مظلوم، وأن أخذ النصف الذي يستحقه. لكن إذا لم
يأخذ شيئا فذلك أقرب للتقوى وأسلم للنفوس.
"ولا تنسوا الفضل بينكم" أي لا تجعلوها خصومة وثأراً وأحقاداً، فالله
سبحانه يجعل من بعض الأشياء أسبابا مقدورة
لمقدور لم نعلمه. وهذه المسألة تجعل الإنسان لا يعتقد أن أسبابه
هي الفاعل وحدها.
ويختم الحق الآية بقوله: "إن الله بما تعملون بصير"
إن كل قضية مأمور بها من الحق هي قضية إيمانية تكون مع غيرها منهجا متكاملا. ، فلا تستطيع أن تفصل تكليفا عن تكليف، فلا تقل:
"هذا فرض تعبدي" و"هذا مبدأ مصلحي" و"هذا أمر
جنائي"، لا.. فالإسلام تكاليفه مجتمعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق