الجمعة، 9 نوفمبر 2012

آية الدَّيْن وآية الرهن


آية الدَّيْن وآية الرهن

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلِ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَ تَرْتَابُوا إِلاَ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ ولا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282) وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(283(

المناسبة: لما ذكر تعالي الربا وبين ما فيه من قباحة وشناعة ، لأنه زيادة مقتطعة من عرق المدين ولخمه، وهو كسب خبيث يمقته الاسلام ويحرمه ، أعقبه بذكر (القرض الحسن)
وذكر الأحكام الخاصة بالدين والتجارة والرهن وكلها طرق شريفة لتنمية المال وزيادته.
وآية الدين أطول آية في القرآن مما يدل علي عناية الاسلام بالنظم الاقتصادية.
ويستهلها الله بقوله : "يا أيها الذين آمنوا" وهذا الاستهلال يوحي بأن ما يأتي بعده من حكم، يكون الإيمان هو حيثيته، فمادمت آمنت بالله فأنت تطبق ما كلفك به. وقد تتجلى للمؤمن بعد ذلك آثار الحكمة.

وأما الدين فهو الاقتراض إلى موعد يسدد فيه. هكذا نجد ثلاثة معان واضحة: الدين: وهو يوم الجزاء.
 والدين وهو المنهج السماوي.
 والدين: هو المال المقترض.
والله يريد من قوله: "تداينتم بدين" أن يزيل اللبس في معنيين، ويبقى معنى واحداً وهو الاقتراض فقال: "بدين"

فمن البلاغة: ما يسمي الجناس المغاير:
(تداينتم بدين – استشهدوا شهيدين – أؤتمن أمانته – يعلمكم.. وعليم)
"مسمي" والحق يحدد الدين بأجل مسمى، يقتضي تحديد الزمن. فهناك فرق بين أجل لزمن، وبين أجل لحدث يحدث.
 فإذا قلت: الأجل عندي يوم حصاد المحصول، فهذا اليوم قد لا يأتي لأن المحصول قد يتلف
أما إذا قلت: الأجل عندي شهران أو ثلاثة أشهر فهذا يعني أن الأجل هو الزمن نفسه.
ثم "إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه"

"فاكتبوه" هي رفع الحرج. إنه تشريع سماوي، فلا تأخذ أحد الأريحية، فيقول لصاحبه: "نحن أصدقاء" فقد يموت واحد منهما فإن لم تكتب الدين حرجاً فماذا يفعل الأبناء، أو الأرامل، أو الورثة؟.
ويظن كثير من الناس أن الله يريد بالكتابة حماية الدائن. لا، إن المقصود بذلك والمهم هو حماية المدين.
 لأن المدين إن علم أن الدين عليه موثق حرص أن يعمل ليؤدي دينه، أما إذا كان الدين غير موثق فمن الجائز أن يكسل عن العمل وعن سداد الدين.
لذلك يثق فيه كل الناس، ويرونه أميناً ويرونه مجداً، ويعرفون أنه إذا أخذ وفى،فلا يبخلون عليه. فالله بكتابة الدين يريد حماية حركة الحياة.
من الذي يكتب الدين؟

انظر الدقة: لا أنت أيها الدائن الذي تكتب، ولا أنت أيها المدين، ولكن لابد أن يأتي كاتب غير الاثنين، لا مصلحة له من عملية الدين.

"واتقوا الله ويعلمكم الله" هنا مبدأ إيماني يجب أن نأخذه في كل تكليف من الله؛ فإن التكاليف إن جاءت من بشر لبشر، فأنت لا تنفذ التكليف من البشر إلا إن أقنعك بحكمته وعلته؛ لأن التكليف يأتي من مساو لك.
أما إن كان التكليف من أعلى وهو الله سبحانه الذي آمنا بقدرته وعلمه وحكمته وتنزهه عن الغرض العائد عليه فالمؤمن في هذه الحالة يأخذ الأمر قبل أن يبحث في الحكمة؛ لأن الحكمة في هذا الأمر أنه صادر من الله.
فأسرار الحكم عند الله تأتي للمؤمن بعد أن يقبل على تنفيذ التكاليف الإيمانية.

فائدة: العلم نوعان : كسبي ووهبي أما الأول فيكون تحصيله بالاجتهاد والمثابرة والمذاكرة وأما الثاني فطريقه تقوي الله والعمل الصالح، وهذا يسمي العلم اللدني.

قد نفهم أن الذي اؤتمن هو المدين، وهنا نقول: لا، إن الأمر مختلف، فهنا رهان، وذلك معناه وجود مسألتين،
المسألة الأولى هي "الدين"،
و الثانية هي "الرهان المقبوضة"
وهي مقابل الدين. فواحد مأمون على الرهن في يده. والآخر مأمون على الدين.
ولهذا يكون القول الحكيم مقصودا به من بيده الرهن، ومن بيده الدين ومعنى ذلك أن يؤدي من معه الرهن أمانته، وأن يؤدي الآخر دينه.

وحين نرتقي إلى هذا المستوى في التعامل فإن وازع الإنسان ليس في التوثيق الخارج عن ذات النفس، ولكنه التوثيق الإيماني بالنفس. والحق ـ سبحانه ـ يعرضها بعمومها على الكون كله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق