الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

الحكائية الواقعية في قصص نادية كيلاني "إحراج" دراسة بقلم الكاتبة السورية: سها جلال جودت


الحكائية الواقعية في قصص نادية كيلاني "إحراج"
دراسة بقلم الكاتبة السورية: سها جلال جودت
الصراعات الغارقة حتى الخدر بمتاعب الزمن المفتوح على الأوجاع الممتوحة من الواقع الاجتماعي القلق المتساوق مع الأوضاع الاقتصادية المرتبطة بالإيديولوجية التي بدأ يعيشها إنساننا العربي ممزقاً بين حضارة التكنولوجيا المتسارعة بشكل مذهل وغريب جعلته هذه القفزة يعاني أكثر من أي وقت مضى من إفك المادة والوضع الاقتصادي المهيمن القاهر لحضور الذات بأشكاله المتعددة لتنطلق الأديبة نادية كيلاني بمجموعتها القصصية إحراج تنقش لنا معاناة الواقع الداخلي والخارجي بأدوات فنية لا تخلو من الواقع الحكائي.
فالقاصة تمور حكايتها بلغة مكثفة من خلال ضمائر الوعي التي تستخدمها على لسان شخوص أبطالها وصراعاتهم، فهي وإن أرادت من خلال إسقاطها على حكاية أبي حنيفة مع جاره فلأنها ترغب إلى إبراز سمة تقلقها وربما كانت واقعاً مارسته فترك في نفسها أثراً برز في نص درامي يحكي عن معاناة كشف النقاب عن أذيالها المتبعثرة بين آفات المحظوظين ممن يصلحون للكلام في كل مكان الذين أسميهم أنا / بائعو الكلام / فكما يوجد في عالمنا أناس يمتهنون البيع والشراء في المادة على مختلف صنوفها وأشكالها فهناك أيضاً /بائعو الكلام/ وهذا ما يؤكد على سمة التفوق في سردها على صوت الضمير أنا، لأنه تعبير عن قلق متوتر يهاجم الواقع المر بسخرية جادة " سيداتي وإخواني.. يروق لي أن أسمي بحثي هذا ( من الشوك العنب) وأبطل المقولة الشهيرة التي تقر بعدم جدوى الشوك.. فبهذا البحث لم نجد فقط من الشوك العنب بل جنينا جميع الفواكه والخضروات وجميع الفيتامينات أيضاً . ص 10

في النص بحث عن قضايا اقتصادية ومعاناة اجتماعية ذات ملامح موظفة بعمق.

فالحوار والبحث لا يتعلقان بقضية فرد هاجمه الفقر أو عاش في حرمان، لأنه يتعلق بكل القضايا الإنسانية الاجتماعية بمعاييرها كلها لأن أساسها العلوي رغيف الخبز وقاعدتها الجماهير – الشعب –
وهي لا تنحو بلغتها نحو الخيال الجانح بل تلجأ إلى وعيها بأسلوبية امتلاكها للجملة المركزة السريعة القفزات دون تقطيع في معناها.

النسيج الحكائي عند الأديبة كيلاني متماسك يصور واقع الألم المغروس في الحلق رغم روعة الطعم المستساغ أثناء المضغ.

وفي قصة ودعوت الله التي تبدأ " أنا يا سيدي القاضي على خدمة شامة " ص 15
نقرأ الحوار من المقدمة إلى النهاية ومن خلال الحوار نستشف الأحزان والعذاب الذي يرتكز على المعادل الموضوعي الميزان والأنثى.
فالبطلة تدافع عن وجودها وشخصيتها من ظلامة الموقف الأحادي الجانب – انفراد الرجل بحكم السلطة الزوجية من النقاش – ورغم حدة الحوار وجرأته فهي لم تخرج عن حدود الرصانة في حضرة المحكمة. تدافع عن نفسها وعن حقها المهدور بوعي موظف لضمير أنا.
إن في اختيار الكاتبة للنصوص الواقعية وعدم خروجها عن دائرة الواقع المألوف تقدم النظام الأسري بتوافق ظاهرتي لكل أشكاله ومشكلاته.
"إحساسي بالعجز بسبب العصابة فوق عيني وأنا أمسك بناصية الميزان – ميزان الحياة - ، شعوري بالنقص أمام المرأة، أنوثتي قيد وصوت أمي نادبة حظها فابنتها الوحيدة لن تتزوج لدمامتها، منطقي قيد.. من علم أبي أنه لا يحق للأنثى أن تتفلسف " ص 20

وتمثل قصة أبو الولد ص 24 بنبضها الوجداني المتحرك كل علائق الأسرة بين الطفولة اليوم والطفولة بالأمس، كأنها تشير إلى حاضر توزعت أشلاء التربية على حاضنة العصر لتلغي كل قيم التراث والعادات الحميدة.

القصة تسلط الضوء على انشطار قيم التربية في موازنة بين مفاهيم جديدة ومفاهيم ما عاد يعترف بها، فالعلمنة الكاسحة قد بثت السم في الدسم وخاصة في برامج الاطفال وما نجم عن هذه البرامج من انزياحات تربوية تأثرت بها نفسية الطفل العربي.

فالطفل ورغم إدراكنا لقيمة وجوده وطهر سريرته وثوابت أسرته ووضعه الاجتماعي باتت تربيته تشكل معضلة، والكاتبة تلعب بلعبة الموت والحياة على صوت البطلة الأنثى / الأم، لأن القلق والأرق يتكرران في حدة من سؤال جريح، والجواب يعاني من عجز ربما يبدو قاهراً "ولد واحد ولا تقدرين على تربيته...!! ربتنا أمي عشرة، ولم تشتك، صرخت أكثر: أتقارن زمني بزمن أمك !! ألم أقلْ بأنك تأتي لتستفزني، لا، لتطمئن على ابنك.. ازداد صراخه وحدته، كفي عن الشكوى يامرأة.. لو كان الأمر بيدي لقدمت طلب استعجال لاستدعاء الولد إلى هنا" ص 27

أما في قصة هذا الفراغ الجميل فإنها تترك مساحة لكوامن الداخلية لبروزها في عالم الغيرة والتمرد والأحلام الضائعة في تعداد نوافير الوجع بحثاً عن ملاذ دافئ يركن فيه الإنسان كل مشكلاته ليكون رأسه فارغاً يحظى من خلاله بنوم هادئ ومريح وفي بحثه اللائب عن هذا الفراغ المستعصي تدور الأحزان وتتسارع الصور المتلاحقة بدءاً من حياة الفنان وانتهاء بتجواله على سطح النيل حتى عودته إلى منزله "كنت محكوماً بالسويعات التي حددها لي المراكبي وبالمال الذي في حافظتي... قادتني قدماي مستسلماً إلى البيت... وما إن رأتني زوجتي حتى هبت في وجهي واقفة كرشاش في يد أحمق  "وأين كنت يا خائن، يا صعلوك، لا تقل إنك كنت في مكتبك" ص 33

بالقدر الذي تستطيع فيه القاصة أن تقدم لغتها بجمل مكثفة متسارعة، بالقدر الذي تشتغل فيه على صراع الشخصيات من خلال الأحداث بسخرية جادة تجسد كوميديا الموقف، كأننا أمام مسرح على خشبته يتخاطب صوتان واحد ظاهر والآخر خفي، اللذين هما البطلة والضمير الداخلي " طفل في الخامسة يتزعم عصابة للسرقة... هتفت نفسي كتكوت فصيح هو ... لماذا يقبضون عليه ؟! هل يحجرون على العبقرية في عصر التكنولوجيا... غيره" ص 36

وفي القصة التي حملت نفس عنوان المجموعة فإننا نلاحق أحداثاً تراكمية الجامع بينهم مضمون الوقائع الحكائية الدرامية، فعامل "الأسانسير" يشرح سبب تأخره وينال عقوبة لفت نظر ورئيس مجلس الإدارة ينال توبيخاً صارماً من الرئيس الذي سافر معه "ما رأيك تقدم استقالتك ... لا داعي لأن تدخل انتخابات النقيب القادمة.
-    لماذا يا أفندم؟ والمدة المحددة لهذه الدورة لم تنته بعد ؟؟؟
-    هذا يكفي – أنت الآن كارت محروق، والتجاوزات التي حدثت في عهدك تطالبك بضرورة الاستقالة. ص 40

وفي القصة لقطة ذكية تجعلها متقدمة على قصص المجموعة " كان عامل الأسانسير يجلس أمام التلفزيون يتسلى باللب والترمس مع أولاده الملتفين حوله حينما شاهد رئيس الدولة العظمى على الشاشة منكس الرأس والدموع تبرق في عينيه وهو يستمع إلى اعتراف البنت الشقية ذات الفستان الأزرق" ص 41

ولكن ماذا عن نداااء العمر، هذا التجسيد الضاغط على كل المراحل الأسرية بعلائقها الاجتماعية المتوافقة حيناً والمتواترة حيناً آخر بلا تفصيلات جزئية، القصة تحكي عن زوجين تعاني الزوجة من ارتكاسات شخصية في حياتها قدمتها الكاتبة بلغة حوارية جميلة يمكن اعتبارها منجزاً إبداعياً يترجم الواقع حين رفضت الزوجة استمرار الحياة مع زوجها رغم رابط العلاقة الأسرية.

لنلاحظ تقنية السرد اللغوي " لما صمتت الطبول وضمنتها غرفة واحدة، عرفت أنه لا انسجام قالت بخجل وحذر: طلقني" ص 42

وصور الرفض تتوالى على إيقاع لغوي من خلال نسيج متماسك " لما بقيت عشرون شعرة سوداء.. تزوج الأولاد والبنات، بقيت معه في غرفة واحدة.
تقول له وبصوت مبحوح يخرج من بين ثرم الأسنان يحمل وهن السنين وعذابها، - لماذا لا تطلقني ؟ يدقق عينيه ويكور أذنه بيده.. ويقول لها: - ماذا تقولين ؟ لم أسمع.. ارفعي صوتك أكثر". ص 44

ولا تخرج الكاتبة عن إيقاع اللغة منها إلى لهجة المحكي المصري بمباشرة السرد في حركة الأم ولوعتها على طفلتها لتنهض بقفزة مضيئة إلى قفلة الدهشة " هاتوا لي الحلق من "ودونها" " ص 50

وهي على الرغم من واقعية الحكي المسرود على ضمير أنا أو أنت المخاطب في أكثر قصصها فإنها تغفل حركة الفعل في القصص الأخيرة لتعرج منها إلى الأمثال المتداولة (أكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها) من دون أن تخرج عن نطاق وصف الظلم والجشع واللؤم والخيانة والغدر في مفاصل القص، كما أنها لا تكتفي بالواقع السلبي كحالة مسرودية بل تتخطاه إلى عالم البطولة كما في قصة صابحة وأخواتها.

والفانتازيا عند كيلاني متداخلة تقدم من خلالها الواقع المزدوج "الأزواج المنطلقة مثلي تدق الباب ..... جاءت لتأخذني إلى الفضاء، لماذا تغلقين الباب بالدرباس؟ أهو أنت .. جئت أخيراً.. حمد الله على السلامة" ص 102
فالمقياس الكمي هو ما تقدمه البطلة الزوجة أو الأم أو الصديقة من حوارات موظفة للتجسيد الواقع، ولكن ماذا عن المقياس النوعي؟
إن في تداعيات الأم وأرقها وحزنها وألمها وإغراءات الصديقة والشيشة والرجل الأنيق ورجل آخر من الأشقاء العرب كلها أدوات تحركت من خلالها البطلة هدفه الحدث والصراع.

وفي قصة اعتراف التي جاءت على صوت ضمير المتكلم أنا "قبل أن أبدأ في سرد قصتي" ص 109 فإن البطلة تواجه العذاب الاجتماعي برمته ليكون معيار الواقعية ملائماً للمضمون الذي سعت من أجله الكاتبة.
وفي ختام قصصها فإنها تترك مساحة للقارئ للتفكير والتحليل دون أن تخرج عن نص الحكاية الواقعية. 
......................................
ـ نُشرت هذه الدراسة فى موقع دار ناشرى للنشر الالكترونى رابط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق