الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

مارثون مفارقات القهر " قراءة في المجموعة القصصية " إحراج " للكاتبة نادية كيلاني بقلم غريب عسقلاني


مارثون مفارقات القهر " قراءة في المجموعة القصصية " إحراج " للكاتبة نادية كيلاني  بقلم غريب عسقلاني

في مجموعتها القصصية إحراج, تطرح الشاعرة والقاصة نادية كيلاني, أسئلة الحياة والفن، ترتكز على مخزون معرفي وإلمام واضح بشروط الكتابة، وحضور واعٍ يقظ يضعها دائما في دائرة الأرق والدهشة، ورغبة جادة في إعادة ما تعيشه وتعانيه في بنى قصصية تملك شروط النجاح مصحوبا بالتميز والإضافة إلى منتج القصة القصيرة، حقلها الأثير مكابدات الإنسان المصري الذي يحمل رغبة صادقة فى الحياة، ويبذل أقصى جهد مشروع لجني بعض متعة وبعض راحة وانفلات من قسوة لا ترحم تستهدفه نفاية من نفايات الاصطراع اليومي، فنراها مسفوحة عند حدود ما يسد الرمق.. وتارة على مذبح آخر لا يقل ضراوة كامرأة تمارس وعيها بذاتها لنيل حقوقها في مجتمع ذكوري تأسس على قيم وعادات وتقاليد تنفيها إلى أقصى زوايا الهامش.. لذلك تعيش البحث عن البدائل الفنية عند الكتابة، فتجرب المفارقة والهروب إلى الحلم لاستدعاء المسكوت عنه أو غير المعلن المختزن في الباطن، تؤسطر كوابيسها.. لا تملك غير الصراخ مصحوبا بالسخرية التي قد تصل إلى حدود اللا واقعي المجنون..
وكاتبتنا الشاعرة تملك ثراءً لغويا يطوع العبارة ويحملها الإشارات، وتملك الاندياح وراء هواجس القلق، وتمكن لافت من إدارة الحوار وصولا إلى الفكرة، وعلى جانب آخر التزام بموقف أخلاقي يتكئ على التزام ديني مستنير..

الهروب تحت عباءة الوهم
كيف يواجه بسطاء الناس أسباب الحياة؟ وبأي الوسائل والأدوات؟ والواقع من حولهم يفرض الفقر قدرا يلتصق بجلودهم، وهل يتعاضد الناس كما في الأزمان الذهبية الغابرة؟
في قصة من الشوك العنب, تستدعي القاصة حكاية أبي حنيفة المنذر النعمان الذي توسط لجاره العربيد, وأخرجه من السجن عملا بحق الجيرة, فكف عن النواح ب..
أضاعوني وأي فتى أضاعوا             ليوم كريهة وسداد ثغر
والراوي ينعى حظه أمام عثرات الوقت ويردد..
إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه   ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
فنراه يهرب بعيدا عن المحظوظين الذين يردون كل أمر إلى العقل، ولكن بعيدا عن العقل ها هو يقام من أجله المؤتمر الأول لتعديل الحظوظ, ويتابع باهتمام نتائج بحث عن جمع الدقيق المنثور على شوك، بإجراء سلسلة من عمليات الغربلة والفرز والذوبان والتجفيف للوصول إلى خبز يأخذ من الشوك جميع الفيتامينات والقيمة الغذائية لجميع الفواكه، ويحتوي على مضادات الأمراض جميعها، مما يجعل الخبز المصنوع من ذلك الدقيق أملا في إسعاد البشرية والقضاء على الأمراض, ما يسبب طول عمر البشر على الأرض.. وعندما يوزع الباحث عينة من الخبز المكتشف يتسابق الحضور لالتقاط الأرغفة، فيحظى الراوي بكسرة عندما يمضغها تعلق شوكة في حلقه.
وفي قصة هذا الفراغ الجميل, يعاني راوي القصة من الأرق الليلي الذي يسلبه النوم, فينفذ توصيات الطبيب:
- عليك أن تفرغ رأسك من هموم النهار.
يهز رأسه فيذهل من مقدار ما يختزنه الرأس من معلومات، ويندهش من كثرة المعلومات في المواضيع التي لم يكن يكترث بها ويعتبرها هامشية مثل أخبار نجوم السينما والفن، والذين لم ينشغل بهم كثيرا، وكذلك أخبار الرياضة والملاعب وهو الذي لم يشجع فريقا معينا، ويكتشف أن هذه المعلومات تراكمت زمنيا وخزنها العقل الباطن، والذي فاجئه أكثر ندرة المعلومات عن حياته وعملة وتخصصه..
رتب المعلومات في حزم ووضع ما يخص العقل الباطن تحت السرير وما يخص الوعي الحاضر على أرفف فوق السرير..
شعر كم هو نشيط وحيوي بعد أن افرغ رأسه, يملأه شعور عارم بالحياة فيقرر أن يعيش حياة رائقة وهانئة..
نهض من نومه مبكرا والزوجة والأولاد يغطون في النوم وانطلق يستقبل النهار على الكورنيش سعيدا ويرى أشعة الشمس تسقط ببراءة على مياه النيل.. فيقرر قضاء نهاره بعيداً عن أجواء العمل.. ويعود إلى بيته فى نهاية اليوم ليجد زوجته متنمرة تتهمه بالتغيب عن العمل لقضاء اليوم مع سكرتيرته التي تغيبت بالصدفة عن العمل..
فهل تخفف من حمولة عقله وما ترسب فيه من خليط عجيب متنافر؟
وهل لو تمكن من ذلك يمكنه أن يعيد خياراته وكل من حوله يعيش بحمولة عقل مشوشة لدرجة المرض؟؟
هل يمكن الهروب من حصار الواقع بالصعود على المعاناة الفردية واستدعاء سعادة موهومة وضحكا مغلفاً مخادعاً كما تتصرف بطلة قصة اكتئاب موثق التي تتظاهر بالسعادة الأمر الذي يثير من حولها فتقرر أن تندمج مع الواقع وتطلب فنجان قهوة سادة وتتصفح الجرائد فيصدمها البنك الدولي الذي ينتقد أساليب مصر في الزراعة، والصناعة، والتجارة، والتنفس, وفي صفحة الحوادث تقرأ عن رجل يقتل صديقه بسبب ربع جنيه وطفل يتزعم عصابة لصوص ومدرس يوزع الهروين ومئات الحرائق تشتعل في مخازن القطاع العام لاقتراب مواعيد الجرد السنوي..
فهل في ذلك ما يدعو إلى الضحك ويبعث على السرور في مجتمع اختلت موازينه ومعاييره وتشوهت فيه العلاقات بين البشر، وجعلت الجميع يعيش التناقض بين الظاهر والباطن كما ترصده الكاتبة في قصة احراج, فالجميع مستبد ومظلوم فرئيس السعاة يعاقب عامل الأسانسير بسبب تأخره في طابور الخبز، ومدير الأمن يعاقب رئيس السعاة بسبب شائعات تتناثر من حوله، ورئيس مجلس الإدارة يعاقب مدير الأمن بسبب تأخر الموظفين عن الدوام، ويعاقب رئيس تحرير صحيفة أسبوعية لنشر أخبار تافهة، ورئيس مجلس الإدارة يرافق الرئيس في زيارة للدولة العظمي فيطلب منه الرئيس الاستقالة من عمله وعدم دخول الانتخابات الجديدة لأنه أصبح كرتا محروقاً، والرئيس يقف مصدوما أمام رئيس الدولة العظمى الذي يقرر بكل صلف أن السلام لا بد أن يكون بشروط الدولة العظمى ويخدم مصالحها..
سلسلة يبدو فيها الجميع مستلبا ومحرجا يعيش السلطة والخنوع في ذات الوقت, الوحيد الذي يستطيع اختلاس بعض لحظات صفاء وانتصار هو عامل الأسانسير الذي يشاهد التلفزيون مع زوجته وأولاده يتسلون باللب والترمس ويضحكون على رئيس الدولة العظمي وهو يداري دموعه أمام اعترافات المرأة ذات الفستان الأزرق "إشارة لفضيحة كلينتون /مونيكا"..

استهداف مسبق
 هل هناك نية مبيتة ضد المرأة؟
وهل حدد الرجل دورها في عالمه فكانت الضحية المؤكدة؟
أسئلة تطرح قضايا المرأة, في مجتمعات ذكورية مستلبة, تقع تحت مطرقة أنظمة شمولية جائرة وسندان البحث عن وسائل وطرق تحرير الإنسان، وممارسة الديمقراطية التي تصون الحريات والحقوق..
أين تقف المرأة من هذا العالم؟ وكيف تدير معاركها وكيف تواجه أقدارها؟ بالتمرد، أم بالدفاع السلبي، أم بالتشرنق في المواريث التي ما زالت تحرك أفعالها، وتحرض تصرفاتها..
في قصة لحظة تسليم, تقف الأرملة الفقيرة عاجزة أمام ابنتها الطفلة التي أخذها المرض على حين غرة.. في المستشفى لا تملك فير النواح على البنت الجميلة الذكية المتفوقة, وكيف باعت حلة النحاس آخر ما تملك من جهازها لتستري لها حلفا من ذهب حقيقي خالص تتباهى به على قريناتها.. كل من حولها في المستشفى يتعاطف معها, الدكتور والممرضة يسايرانها.. تمش شعر المريضة وتقلم أظافرها وتغسل وجهها فتبدو قمرا.. تغيرملابسها, وملاءة السرير.. لكن المريضة تتسلل فجأة إلى نوم أبدي.. لم بقى منها غير حسرة ترسبت في أغوار الأم حلق من ذهب خالص.. على من تتمرد المرأة أمام عجزها عن إنقاذ فلذة كبدها ؟؟
وفي قصة دعوت الله، تقف المرأة التهمة بقتل زوجها مدافعة عن نفسها، وتسترسل في تفاصيل وتساؤلات بعيدة عن تفاصيل الجريمة ظاهراً.. تتساءل عن شعار العدل المرفوع فوق منصة الحكم وهو امرأة معصوبة العينين تمسك بميزان العدالة, تتساءل: ماذا لو رجحت كفة الظلم فهل هي التي تكيل بذلك؟ وإذا رجحت كفة العدل لماذا هي محرومة من رؤيته!!
سؤال تطرحه المتهمة، التي طالما دعت الله أن يهبها شامتين لكي تغدو جميلة مثل صديقتها.. تعيش مقموعة بجمالها المتواضع, حتى ظهرت شامة على خدها مع قدوم خراط البنات، الذي دوّرها فأصبحت عروسا.. دعت الله أن يرزقها بزوج، فرزقت برجل كبل حريتها, وعندما طلبت الانفصال اكتشفت أنه صاحب الحق وحده في ذلك.. فحاولت التخلص منه لكن الله أنقذه من الموت بسبب بلاغ من مجهول, لم تكترث العدالة بالبحث عنه.. والمفاجأة في القصة أنها هي ذلك المجهول الذي أبلغ لإنقاذه!!
وهنا سؤال الألم:
هل تستطيع المرأة التي هى مصدر الحياة أن تقتل الحياة؟
لعل ذلك ما أرادت الكاتبة توصيلة لتضع الرجل أمام سؤال القتل الذي يمارسه بحقها على مدار الساعة.. والذي يطاردها حتى بعد موته كما في قصة أبو الولد، حيث تأخذ من السخرية السوداء ممراً لتوصيل الفكرة، فنرى أبو الولد المتوفى، لا ينفك عن مطاردتها في أحلامها يطالبها بتربية ابنه تربية باذخة وأن عليها أن تقدم له كل متطلبات ومتع الطفولة، حتى ينمو نموا طبيعيا، تخبره أن الولد يحطم الألعاب التي تشتريها له، وتشده أفلام المصارعة والرعب.. فيشير عليها أن تدمجه مع صغار في مثل عمره، فتخبره أن تصرفات الولد أكبر من سنه وإدراكه أقل من سنه شأنه شأن أولاد جيله.. وتعلن عن عجزها فى تغذية الولد بسبب الأوبئة المنتشرة، وعن تربية الولد بسبب التشابه الشديد بين الجيل كله ما يغضب أبا الولد, فيصرخ معاتبا مزمجرا، فهو ولد واحد فكيف لو كانوا عشرة كما كان حال أمه، ويتمنى لو يأخذ الولد عنده..
أي سخرية تقذفها الراوية في وجوه الرجال الذين يمارسون الحضور السلبي في حياتهم وبعد مماتهم أيضا,..يتجملون بالوعي الذي يتكسر على محك التجربة، ولعل ذلك ما ترمي له قصة عباءة الملك, عن العمدة الذي يربي ابنه على أنه الملك المنتظر، وأن على جميع من حوله غير القيام على راحته وتنفيذ رغباته، بدءً من أمه وأخواته البنات في البيت، وانتهاء بالذكور والإناث الذين يعيشون عالمه..
يكبر الملك ويمل إلى زميلة الجامعة السنيورة التي تربت على المساواة، والمندفعة نحو حقوق المرأة.. يتزوجها ويريدها امة أو جارية في حريمه, تصرخ فيه إن الزمن الذي تربى على معاييره قد ولى!!
يعيش الفصام.. يشتري ود ورضوخ من هم خارج البيت بالإكراميات والبقشيش والهدايا والعطايا والكرم الزائف، وفي البيت يشارك مرغما في الغسيل والجلي والتنظيف وحمل الصغير.. وفجأة وعلى غير موعد يأتيه صوت أبيه الواهن يخبره بتتويجه ملكا، فالعمودية لا يجب أن تخرج من العائلة، فيعود إلى خياره القابع في داخله ينتظر ساعة الانقضاض:
- ستأتين معي رغما عنكِ.. المرأة تتبع زوجها.. هناك أصير ملكاً.
تأملته طويلا وأصدرت قرار الخيبة الأخير:
- ما دفعته من مهر أرده إليكَ.. وتصير ملكا مخلوعا!!
فهل يتيح الواقع والقوانين الوضعية والشرعية ذلك؟
وهل في ذلك موقف من قضايا الخلع سواء بالسلب أو الإيجاب؟
أم هي صرخة كاتبة تتجلى برؤية إسلامية معاصرة تستدعي التأمل والتفكير؟!!
وهل يتصرف هذا الملك بعد توليه العمودية كما تصرف أبو سعادة في قصة في كل زمان, حيث تحملنا الحكاية إلى رحلة سعادة من طقوس يوم الأسبوع وخرق أدنها الطرية بإبرة محماة حتى يتدلى الحلق على صدغيها, وعندما تصبح طفلة في العاشرة, يسلبوها جزء غامض من بين فخذيها, وتعيش مع الحذر من الاقتراب من الصبيان من يلبس منهم الجلابية او من يلبس البنطال, وعندما تصبح في السبعة عشر يتحرك فيها دبيب الرغبة وتطل عليها أشواق القمر, فيأخذها لئيم بين أعواد الذرة ويسقي وردتها بماء ساخن غادر, ويختفي تاركا إياها لليل لا قمر فيه تواجه أقدارها مع أب يتل شاربيه, بعد أن غسل العار.. لا يدري أن قمر السماء ما زال يذرف الدمع على قمر توارى ليروي قصة سعادة لم تكتمل في كل زمان..

مارثون المفارقات السوداء
هل يكفي رصد الألم وقياس منسوب العذاب لتوصيف الداء ووضع العلاج الملائم؟ أم أنه عجز الفرد أمام واقع يستعص على منطق العلاقات، ما يجعل الركون إلى العذاب استمتاع والتعايش معه قدرا؟!!
\في قصة نداء العمر، شيئا من الإجابة، فمنذ الليلة الأولى اكتشفت عدم الانسجام بينهما, فطلبت الطلاق، لكن خوف الأهل من الفضيحة أجل الأمر.. تشاجرا طويلا فطلبت الطلاق، ولم يحدث لأنها كانت حامل.. وجاء الطفل ومن بعده الأولاد، زادت عدد الشعيرات البيضاء في رأسها طلبت الطلاق، صرخوا بها: حتى يكبر الصغير ويشفى المريض ويعود الغائب، وعندما تساقطت الأسنان سألته:
- لماذا لم تطلقني؟
لكنه كور أذنه وقال:
- ماذا تقولين؟ لم أسمع ارفعي صوتكِ أكثر..
كيف عاشت معه؟ وعلى أي منوال سارت بهما الأيام, ومن منهما القاهر والمقهور؟!!
أليس الجحيم هو أن تلازم شخصا لا تحبه طوال العمر، فكيف يكون الأمر إذا كان الشخص هو شريك الحياة ؟!!
ربما كان هذا سؤال الجحيم الذي تفرضه العلاقات المعكوسة..
وفي قصة آخر زمن, تطالعنا فجيعة بمذاق آخر, فالصديقان يسكنان نفس البناية، ماهر تزوج ورزق أربعة بنات وما زال بانتظار الولد الذي يحمل اسمه، وسمير الذي فضل العزوبية واكتفى بتذوق كل زهرة تسقط في طريقه..
ماهر يتعمد دعوة صديقه إلى بيته, ويتعلل بالخروج من البيت تاركا الفرصة للصديق للانفراد بزوجته الشابة التي تؤكد بدورها أن زوجها سيتأخر.. ولم يفكر سمير بخيانة صديقه.. حتى كان يوما اضطر فيه ماهر أن يلمح لصديقة عن عادات الجاهلية وطريقة الاستبضاع
ويبرر الأمر بأن الطفل سيكون ابن زوجته وأخ بناته فعلا، وابنه بالرضاع، وهذا أفضل من تبني ولد مجهول النسب يكون غريبا عنه وعن زوجته..
هل يحدث مثل هذا في زماننا؟
وهل نعود إلى جاهلية جديدة مغلفة بمنطق العلم والمعرفة؟
أم أننا في الطريق إلى استبضاع قيما تقفز بنا إلى جاهلية عصر المعلومات والحياة الرقمية؟!!
وفي قصة انطلاقة, يتطور بينهما الخلاف، فتصرخ في وجهه:
- لماذا لا تطلقني رغم كراهيتي لكَ؟!
تذهب إلى النوم وتوصي الأولاد إغلاق الباب بالترباس، ويوسوس لها الشيطان بأن زوجها سيثأر لكرامته، وهو يعد الخطة مع صديقة لقتلها بعد أن ينام الأولاد، وتسترسل مع خواطرها وتستحضر شحه وبخله وإصراره على استنزافها.. وتتخيله وقد نفذ بالفعل عملية قتلها.. وتشهد وهى محلقة فى فضاء الغرفة جثتها واجراءات الدفن المملة فقررت أن تسامحه وتذهب مع الملائكة التى تدق الباب لتأخذها إلى الجنة وعندما تفتح لهم تجده هو، ويسألها لماذا أغلقت الباب بالترباس إثناء غيابه على غير العادة.. ترد:
- أنت!.. أخيرا جئتّ,الحمد لله على السلامة
 وتعود إلى دوامة المكابدة من جديد.. هل هو التعايش مع العذاب؟ أم أن شيئا ما نما بينهما بفعل العشرة يحرك فيها غامض الشعور!!
في قصة سيدة المقهى, وحيدة في مواجهة طلبات الأولاد, ليس لها غير صديقتها التي تقرضها كلما ضاقت بها الأحوال.. هذه المرة تدعوها الصديقة إلى مقهى الشيشة في هيلتون النيل، وتوصيها أن ترتدي أفضل ما عندها، وتهتم بزينتها وعطرها..
تنتظر في المقهى.. يشاغلها رجل وسيم بعينيه.. تتأخر الصديقة.. هل هي نية مبيتة.. تعتذر من النادل، وتخبره أنها تنتظر صديقة.. يشاكسها رجل من الأشقاء العرب بنفس طريقة الرجل الوسيم.. ساعة من الانتظار ولم تحضر الصديقة.. لملمت نفسها وغادرت المكان..
استعادت خطواتها وثقتها وحشرت نفسها في الأتوبيس, كل ما يشغلها توفير وجبة العشاء للأولاد.. وغدا تتركه لتدبير الله...
أما بعد:
فنحن إزاء كاتبة معبأة بالأسئلة, ومؤرقة بوعيها بما يدور حولها من تفاعلات، تحذر الحياة من السواد، وتضع الفرد في حالة بحث دائم عن كوة للنفاد إلى بياض يوفر الأمن الاقتصادي والاجتماعي والنفسي ويعيد القيم إلى مسارها الصحيح.. لذلك نراها تعيش الصدمة كأحد أفراد المجتمع, وتعاني القهر المزدوج كونها امرأة تعاني ألوانا إضافية من الاستبداد، فلا تملك غير الصراخ المعلن تارة، والتعايش مع الوجع المختزن حتى انحباس الشهيق تارة أخرى..
فهل وصلت رسائلها
لعلها تمكنت من الإجابة بفن من خلال ما قدمت، وفي تقديري أنها حاولت بنجاح ملحوظ.. 
..........................................
ـ نُشرت هذه الدراسة فى موقع ألف توداى على الرابط التالى 
هذه دراسة للكتاب - غريب عسقلاني- فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق