اتهــــــــــــام
:
- هيا أسرع.. جاء الأتوبيس.
تشعلق الشابان على ماسورة
تعليق اللحم الحي.. عبثت يد أطولهما داخل سترته.. قال له القصير وهو يلهث:
- أدفع أنا.!
- بل أبحث عن منديل أجفف
عرقي.
في جيبه استكانت يده
قليلا.. لمعت عيناه متتبعة زميله حتى فرغ من المحصل.. خرجت يده تحمل شيئا ما.. دسه
في يد زميله.. شهق القصير.. ثم ابتسم.. أعاده قائلا:
- حتى نصل إلى الشغل..
سيكون يوما ممتعا.
في الأتوبيس .. مجموعة
من الناس اتجهت ناحية باب النزول مع تمتمات وهمهمات.. من قبيل:
- يالطيف.. ألطف يارب.
فتاة في المقعد المواجه
أصيبت برعب شديد.. أمها أغمى عليها.
سيدة في خريف العمر تربت
على صدغي المرأة.. تطمئن الفتاة:
- لا تخافي يا ابنتي
أمك بخير.. أيحدث لها ذلك كثيرا.؟
الفتاة تشير ناحية الشابين
في خوف وتشنج.. رجل متوسط العمر، متوسط الجسم ينقـل عينيه بين الفتاة والشابين.. ولما
نفد صبره صاح في حزم:
-
ماذا فعلتما لها.؟.. لا حياء ولا أدب في شباب اليوم.
تساءل الشابين في دهشة:
-
أتخاطبنا نحن.؟!!
-
تأدبا.
انبري القصير قائلا:
-
ماذا جرى يا رجل.؟
-
أنا الذي يسأل.. ماذا فعلت لهذه الفتاة وأمها.؟
-
لم أفعل لهما شيئا.. ولم أنظر إليهما على الاطلاق.. أتعرفهما من قبل.؟
خاطب بجملته الأخيرة زميله الذي هز رأسه نفيا ثم اتجه إلى الفتاة متسائلا:
-
هل بدر مني ما أزعجك.؟
زاد رعب الفتاة وانكماشها في حضن المرأة الخدوم.. اتخذ الرجل الوسط من حالتها
تفويضا بالدفاع عنها:
-
أريتما مبلغ خوفها.. ماذا فعلتما.؟ أجيبا وإلا..
رجل ضخم الجثة مفتول الشارب بارز العضلات يجيب نيابة عن الشابين:
-
لم يفعلا ما يريبها.. أنا أقف بجوارهما ولم ألحظ شيئا.
-
وكيف تلحظ يا أخي.. ربما قاما بفعل شائن في غفلة عنا.
-
مثل ماذا.؟
-
قرصها مثلا أو حدق فيها بعينيه الجاحظتين.. انظر كم هما مخيفتان.
-
مخيفتان.! ههههههه لخطيبتي رأي مختلف.
قال الشاب جملته وهو يقهقه ويخبط كفه في كف زميله.
يزداد حنق الرجل الوسط:
-
وقاحة.. هنا فتاة تموت رعبا.. وأنت تمزح.!
- لأني لم أقترف إثما.. ولم أعرف وسيلة أهديء
بها من روعها.. سلها ماذا بها..
يؤكد الرجل الضخم كلام الشاب:
-
كما قلت لك هما بريئان..
-
أنا الذي يؤكد لك أنهما مجرمان.
الطويل بحدة:
-
بل أنت المجرم.. بماذا تتهمنا.؟
يدور حول نفسه:
-
هل ضاعت حافظة أحدكم.. هل تحركت من مكاني.. ما هذا الذي يحدث.؟!
-
لكن الفتاة تعرفك.. تشير عليك أنت بالذات.
-
لا حول ولا قوة إلا بالله.. من فضلك أنزلنا يا أسطى.. نكملها مشيا أفضل لنا.
الرجل الوسط:
- تهربان إذن.؟.. بل إلى القسم يا أسطى..
الشرطة لديها أساليب ماكرة تجبركما على الاعتراف.
تقطب جبين القصير:
-
الشرطة.! أنحن لصان.. هيا نغادر هذا الأتوبيس النحس.. جاءت محطتنا.
الرجل الضخم:
-
اتركوهما واهتموا بإفاقة الأم.
-
دائما تدافع عنهما.. أقسم بأنك شريكهما.. أنت تقفل وهما.. آه أنفي.. أنفي.
صرخ الرجل على حين غفلة وأمسك أنفه، فقد سدد له صاحب العضلات لكمة قوية مشفوعة
بقوله:
-
ليس كل الطير.. أتفهم.؟
أما الرجل فظل يصيح:
-
ضربني.. ضربني.. ستشاركهما السجن يا وغد.
صاحت السيدة المتطوعة بمعالجة الأم:
-
فاقت.. فاقت.. سنعرف الحقيقة حالا.
-
احكم غلق الأبواب يا أسطى فلا يهربان.. هما محتالان.. لا يغرنكم مظهرهما.
شاب في المقعد الخلفي يتودد لفتاة:
معه حق.. رأيت بعيني شابا يحمل كتبا.. كأنه طالب جامعي.. اختطف سلسلة من رقبة
فتاة رقيقة مثلك، وانطلق يسبق الريح.
-
معك حق.. سأخفي سلسلتي.
-
لي أسبوع أبحث عن فرصة كهذه لأتحدث معك.
في دلال:
-
لاحظت ذلك.. ماذا تريد.؟
-
نتعارف.
-
.......................
رجلان في المقعد الأمامي:
- في أحوال كهذه يكون معه رجل طويل عريض
كالذي لكم صاحبنا.. يقف على الباب ليعوق النازل وراء الص.
-
أتظن أن الرجل معهما.؟
قبل أن يجيب زام الرجل المعني بالكلام وسبق شرر عينيه تهديده لهما:
-
اتلم انت وهو.
غاص كل منهما في ملابسه.. اثنان في نهاية الأتوبيس يوشوشان بعضهما البعض:
-
لا نذهب بعيدا.. كل صباح تحمل الصحف أنباء تفوق الخيال.
-
هذا زمن مقلوب.
-
انتبهوا.. انتبهوا.
صرخت السيدة تعلن عن انجاز مهمتها.. وها هى الأم تفيق وتغمغم:
-
الثعبان.. الثعبان.!!
تفتح عينيها.. تقعان على الشابين.. تكتم صرختها بيديها.. التصقت يدها فوق شفتيها..
أما الفتاة فلا تزال ترتعد وتستتر بالسيدة:
ضبط أحدهم نظارته ومال على الأم:
-
تمالكي يا سيدتي وخبرينا.. كلنا في خدمتك.. ماذا وراء الشابين.؟
-
الثعبان.. الثعبان.
نصب الرجل قامته متشفيا.. كمن كسب وسام المعرفة وتقصي الحقائق.. برقت عيناه
فطل زهوهما من زجاج نظارته وقال:
- لي نظرة لا تخيب أبدا.. هاهى تنعتكما بالثعبان..
لابد أنكما عدوان لدودان.. تحتاجان لأيدي العدالة.
السائق بصوت متحشرج:
- ها هو ذا القسم أمامكم.. أسرعوا.. تأخرت
بما يكفي.. نزل الشابان مكبلين بأيدي الرجال الفتية.. والمرأتان مسندتان بأصدر النساء
العطوف.
خلف الجميع نزل ذو الأنف المشدوغ ممسكا بالجاني الذي لا يكف عن السب والتهديد،
وما أن لمست قدماه أرض الشارع حتى انطلق.
أمام المحقق اصطف جمع من المتهمين.. الضابط يوقع على أوراق يناولها للشرطي الواقف
منتبها فوق العادة.. يأمر بإخراج البعض من التخشيبة وإدخال غيرهم.. توقف لحظة.. أصغى
إلى الهرج والمرج الذي أحدثه الداخلون.. صاح:
- يا فتاح يا عليم.. انتظروا حتى ننتهي من
مشكلات الأمس.. التفتْ إلى الشرطي.
-
معك العدد كامل.؟
-
تمام يا افندم.
-
إلى النيابة رأسا.. إياك أن يهرب أحدهم.. وأنتم .. ما الخبر.؟
تقدم ذو النظارة مزهوا :
-
هذان الشابان سببا لهاتين المرأتين حالة من الذعر.
الضابط في تكاسل وتهكم:
-
وما سبب هذا الذعر.
- لم نتوصل لمعرفة الحقيقة.. والمرأتان قد
تحولتا إلى تمثالين من الجبس كما ترى.
-
استرعى المشهد انتباه الضابط.. رفع حاجبيه.. نادى.
-
يا شويش.. خذ هذين إلى التخشيبة.
- دفع الشرطي الشابين أمامه دفعا قويا..
تحشرج احتجاجهما في حلقيهما.. نظر المحقق إلى المرأتين متلطفا:
-
كوبان من الماء البارد.. تكلمي يا سيدتي.. لا تخشي شيئا يا أنسة.
تلين ملامح الفتاة.. تقول بحذر:
-
الثعبان.!
-
استردت الأم أنفاسها.. أضافت:
-
يضعه داخل سترته.. يخرجه من وقت لأخر ليخيفنا به.
الضابط:
-
احضر الشابين.
جرهما الشرطي بقسوة ودفع بهما أمام الضابط الذي وجه سؤاله على الفور:
-
ما قولكما في هذا الاتهام.؟
وضع الطويل يده داخل سترته وأخرج ثعبانا من المطاط.
- ها هو ذا الثعبان.. أريته لزميلي فقال
انتظر حتى نصل إلى الشغل.. ارجعته إلى جيبي في الحال.
الضابط يدون في أوراقه:
- يحول الشابين إلى النيابة العامة في الصباح
الباكر بتهمة إثارة الشغب في النقل العام:
-
خذهما يا شويش.
تزحف أصابع الفتاة ببطء، ونصف خوف حتى تمسك بالثعبان الملقى فوق الطاولة.. تنفرج
أساريرها عندما تأكدت من سلبيته.. تنظر إلى الشابين وهما يسحبان من خناقهما إلى التخشيبة..
تصيح:
- من فضلك.. من أين اشتريته.
****
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق