الجمعة، 9 نوفمبر 2012

قصة النُّمْرُود مع إبراهيم عليه السلام


قصة النُّمْرُود مع إبراهيم عليه السلام

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(258(

"ألم تر"؛ الهمزة: للإنكار، والإنكار نفي بتقريع
ومادام الإنكار نفيا والفعل بعدها منفي فكأنك نفيت النفي، إذن فقد أثبته،
كأنه سبحانه عندما يقول للرسول (صلى)
"ألم تر" فالمقصود "أنت رأيت". ولماذا لم يقل له: أرأيت".
 لقد جاء بها بأسلوب النفي كي تكون أوقع، فقد يكون مجيء الإثبات تلقيناً للمسئول،
والرؤية تكون بالعين. فهل رأى رسول الله (صلى) هذه الحادثة أيام إبراهيم؟ طبعا لا، فكأن "ألم تر" هنا تأتي بمعنى: ألم تعلم.

ولماذا جاء بـ"ألم تر" هنا؟ لقد جاء بها لنعلم أن الله حين يقول:
 "ألم تعلم" فكأنك ترى ما يخبرك به، وعليك أن تأخذه على أنه مصدق كأنك رأيته بعينك. فالعين هي حاسة من حواسك، والحاسة قد تخدع، ولكن ربك لا يخدع، إذن فـ"ألم تر" تعني: "ألم تعلم علم اليقين"، وكأنك قد رأيت ما يخبرك به الله.
"ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه"
 استعمال حرف "إلى" هنا يشير إلى أمر عجيب قد حدث:
وكأنه ينبه هنا إلى الالتفات إلى نهاية الأمر.
 لأن "إلى" تفيد الوصول إلى غاية، فكأنها مسألة بلغت الغاية في العجب، فلا تأخذها كأنك رأيتها فقط، ولكن انظر إلى نهايتها فيما حدث.

 
والحق سبحانه وتعالى لم يقل لنا من هو ذلك الإنسان الذي حاج إبراهيم في ربه، لأنه لا يعنينا التشخيص سواءً كان النمروذ أو غيره.

فإذا ذهب بعض المفسرون إلى القول: إنه ملك واسمه النمروذ. فإننا نقول لهم شكراً لاجتهادكم، ولكن لو شاء الله تحديد اسم الرجل لحدده لنا، والذي يهمنا هو أنه واحد خرج على اله إبراهيم عليه السلام وجادله في هذه المسألة، والله سبحانه وتعالى حينما يريد شيوع الأمر وإمكان حدوثه في أي زمان أو مكان فإنه لا يشخص الأمر، ولو شخصها في واحد لفسد المراد.
وهو تعجيب للسامع من أمر هذا الكافر، المجادل في قدرة الله.
 أي ألم ينته علمك إِلى ذلك المارد وهو "النمرود بن كنعان" الذي جادل إِبراهيم في وجود الله؟  
لأن آتاه الله الملك حيث حمله بطره بنعم الله على إِنكار وجود الله، فقابل الجود والإِحسان بالكفر والطغيان.
ونلاحظ أن كلمة "إبراهيم" تأتي منصوبة بالفتحة، أي يغلب عليها المفعولية. فمن إذن الذي حاج إبراهيم؟
إنه شخص ما، وهو الفاعل؛ لأنه الذي بدأ بالمحاجة، وهكذا تصف الآية ذلك الرجل "أن آتاه الله الملك" أي أن الرجل هو الذي بدأ الحجاج قائلا لإبراهيم:
من ربك؟

فقال إبراهيم عليه السلام: "ربي الذي يحيي ويميت" وهذه هي براعة القرآن في رد كل شيء إلى أصله، فقوله الحق:
ولنا أن نلحظ أن هذه الآية قد جاءت بعد قوله الحق في الآية السابقة:
 "الله ولي الذين آمنوا"، والولاية هي النصر والمحبة والمعونة، فيريد سبحانه أن يبين لنا كيف أعان الله إبراهيم على من حاجه.
إلا أن الذي حاج إبراهيم دخل في متاهات السفسطة بعد أن سمع قول إبراهيم: "ربي الذي يحيي ويميت"
والسفسطة كما نعلم هي الكلام الذي يطيل الجدل بلا نهاية.
أنا أحيي وأميت.
روي أنه دعا برجلين حكم عليهما بالإِعدام فأمر بقتل أحدهما فقال:
 هذا قتلتُه، وأمر بإِطلاق الآخر وقال: هذا أحييتُه.

ولم يقل سيدنا إبراهيم لنتفق أولا ما الحياة؟ وما الموت؟ ذلك أن إبراهيم خليل الرحمن لم يشأ أن يطيل هذه المجادلة، فجاء له بأمر يلجمه من البداية وينتهي الجدل، فقال له:
"إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فَبُهِتَ الذي كفر:
".
وما معنى كلمة "بهت"؟ إن البهت يأخذ ثلاث صور:
أولها: الدهشة؛ نقله فيما يمكن أن تحدث فيه مماحكة إلى مالا تحدث فيه مماحكة وجدال، أراد أن يجد أمراً يرد به فلم يقدر.
ثانيها : التحير، أراد أن يجد أي مخرج من هذه الورطة فلم يجد.
ثالثها : أنه هزم. فهذه هي نهاية البهت.
وهذا أمر ليس بعجيب؛ لأنه مادام كافراً فليس له ولي،
أما إبراهيم خليل الرحمن فوليه الله. .
 وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إلي الحجة والبيان في مقام المناظرة والبرهان بخلاف أوليائه المتقين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق