الفصل
الأول
الحجاب في القرآن الكريم
تقول السيدة إقبال في بداية الفصل الثالث "الحجاب
في القرآن الكريم":
(بدأ نزول القرآن الكريم على رسول الله صلى
الله عليه وسلم في ليلة القدر من شهر رمضان سنة 610 ميلادية، وكان ينزل على النبي
(صلى الله عليه وسلم) طوال بعثته منجما؛ أي آيات آيات، على حسب الحوادث والمناسبات
التي أحاطت بتاريخ الدعوة الإسلامية، وبعض السور نزلت كاملة).
** **
(وقد اتفق العلماء في تفسيره على أن تكون
"العبرة بخصوص السبب" أي ألا يقتصر فهم الآيات القرآنية على تفسير عموم
اللفظ، بل لابد من الرجوع إلى أسباب تنزيلها والظروف التاريخية التي أوحيت فيها
لأن الجهل بهذه الأسباب كثيرا ما يوقع في الخطأ في فهم الآية، فقد تدل ألفاظ الآية
على أن الحكم الذي تتضمنه حكم عام في حين أننا لو علمنا سبب نزولها لأدركنا أنه
حكم خاص متصل بقصة معينة أو بشخص معين، وعلى سبيل المثال لما نزلت الآية:
{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ
وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ
اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
(المائدة: 93)
ظن بعض الصحابة أن الخمر أبيحت لهم، ولكن
الرسول (عليه الصلاة والسلام) بين لهم أن الآية نزلت مرتبطة بسبب معين.
وذلك أنه لما حرمت الخمر قال بعض الصحابة كيف
بمن ماتوا في سبيل الله وكانوا يشربون الخمر؟ فنزلت هذه الآية متضمنة حكما خاصا
بهؤلاء الصحابة، الذين كانوا يشربون الخمر وماتوا قبل تحريمها، لهذا حرم العلماء
تفسير القرآن الكريم على من يجهل أسباب نزول آياته).
** **
** انتهى كلام الأستاذة واتفق مع ما جاءت به
من ضرورة معرفة أسباب نزول الآيات، مع تحفظ بسيط هو أن هذه الأسباب ما هي إلا
مواقف رتبها الله سبحانه وتعالى حتى يشرع من خلالها الأحكام التي تنفع الأمة على
مدى السنين، وليس من حقنا أن نلغي بعض الآيات التي لا تتناسب مع أهوائنا في هذه
الأيام بحجة أن أسباب النزول قد انتفت في عصرنا.
فقد رتب سبحانه وتعالى زواج النبي (صلى الله
عليه وسلم) من أم المؤمنين "زينب بنت جحش" ترتيبا لا يخطر على قلب بشر
بأن زوجها أولا من ابن النبي بالتبني ثم طلقها منه ثم تزوجها النبي (صلى الله عليه
وسلم) لكي يلغي بذلك حكما خاصا بالتبني، وبدلا من أن كان اسمه زيد بن محمد صار
اسمه زيد بن حارثة، ولا نستطيع إطلاقا أن نلغي هذا الحكم الآن بحجة أنه خاص بشخص
زيد.
وقد رتب سبحانه وتعالى نزول آيات الخمر تبعا
لسؤال الصحابة، وفسرها لهم النبي (صلى الله عليه وسلم) ونزلت الآيات وانتهى أمر
نزول القرآن بعد أن أتم شرعه سبحانه وتعالى وأصبح هذا هو الشكل النهائي، فخذوه كما
هو أو فلتأثموا.
ولو اعتبرنا كلام الأستاذة هذا ملزما؛ للزم
استمرار وجود الرسول حتى الآن ولاستمر نزول القرآن حتى الآن تبعا للمواقف.
وقبل أن ندخل في صلب الموضوع أنوه على المثال
الذي ساقته الكاتبة والخاص بالذين ماتوا وكانوا يشربون الخمر.
فقد ظن بعض الصحابة أن الخمر أبيحت لهم، ولكن
الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين لهم أن الآية نزلت مرتبطة بالصحابة الذين كانوا
يشربون الخمر وماتوا قبل تحريمها، فالأمر هنا خاص بفهم الآية، وبين لهم النبي (صلى
الله عليه وسلم) تفسيرها الصحيح، ولم تلغ الآية من القرآن لا في حينها ولا بعدها
بـ 1427 سنة.
** **
وما هو القرآن:
{فَوَرَبِّ
السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}
( الذريات: 23)
هو كلام الله عز وجل
المنزل على سيدنا محمد (صلى الله علي وسلم) بواسطة جبريل (عليه السلام) المتعبد
بتلاوته، والمتحدى بأقصر سورة منه، المنقول إلينا نقلا متواترا.
وتقول الروايات إن
القرآن نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا لأنه كلام الله ، وكلام الله قديم غير
مخلوق على رأى، ثم نزل على النبى (صلى الله علي وسلم) منجما، ونقول منجما حتى لا
نقول مقطعا أو مفرقا، أرأيت الحساسية التى يتعاملون بها مع كتاب الله فما بالك
بكلامه سبحانه وتعالى، ومنجما جاءت من النجوم لعلو منزلته، ولكن هناك من يجادل.
{وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } (الفرقان:32)
إذاً نزل القرآن
منجما لعدة أسباب:
-
تثبيت فؤاد النبى
(صلى الله عليه وسلم)
- الرد
على أسئلة الصحابة (رضوان الله عليهم)
-
موافاة الأحداث.
-
تيسيرا لحفظه.
-
التدرج فى التربية
والتكاليف.
تجدد
نزول الوحى على النبى (صلى الله عليه وسلم)
فالذين
يرفضون آيات الحجاب معلقين ذلك على فهم أسباب النزول، نقول لهم فوائد أسباب النزول
هى:
- معرفة
حكمة الله تعالى على التعيين فيما شرعه بالتنزيل، وفى ذلك نفع للمؤمن وغير المؤمن؛
أما المؤمن فيحرص على تنفيذ أحكام الله والعمل بكتابه، وأما الكافر فتسوقه الحكم
الباهرة إلى الإيمان إن كان منصفا..!
-
الاستعانة على فهم
الآية ودفع الإشكال عنها.. قال الواحدى:
( لا
يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها)
-
وقال ابن تيمية:
( سبب
النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب)
-
تخصيص الحكم بالسبب
عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، مثل آيات الظهار، فبديهى أنه لا
يمكن معرفة المقصود ولا القياس عليه إلا إذا علم السبب.
-
معرفة أن سبب النزول
غير خارج عن حكم الآية إذا ورد مخصص لها، وذلك لقيام الإجماع على أن حكم السبب باق
قطعا.
-
معرفة من نزلت فيه
الآية على التعيين، حتى لا يشتبه بغيره فيتهم البريء.
-
تيسير الحفظ والفهم
وتثبيت الوحى فى ذهن كل من يسمع الآية إذا عرف سببها.
هذه هى
الحكمة من معرفة أسباب النزول وليس لأن نلغى آية ثابتة بالقرآن ونقول انتهى زمنها.
****
وتقول الكاتبة:
(وفي القرآن الكريم يعتبر اللباس من النعم
التي أسبغها الله تعالى على البشر، ومن الزينة ومن الطيبات المحللات لهم.. كذلك
حدد الغرض من اللباس وهو إلى جانب الوقاية من تقلبات الطبيعة إخفاء السوأة
"العورة"
قال تعالى:
{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا
عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ
ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } (الأعراف: 26).
و قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ
ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
} (الأحزاب: 59)
و قال تعالى:
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي
الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى
عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( النور:31)
و قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ
نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ
فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي
النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ
وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ
أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ
اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ
كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا }
(الأحزاب: 53)
وتقول الكاتبة:
(وجاء في كتب التفسير أن سبب نزول آيتي
الجلباب والخمار أن بعض شبان الأنصار المستهترين والمنافقين كانوا يتعرضون للنساء،
ويهتكون أعراضهن ويحرضونهن على ارتكاب المعاصي، فشكت النساء إلى الرسول (صلى الله
عليه وسلم) فنزلت الآيات وفيها أمر للرسول بأن يبلغ زوجاته ونساء وبنات المسلمين
بأن يسحبن الخُمُر التي اعتدن أن يرتدينها على جيوبهن "أي على فتحات صدورهن"
وهذا تفسيرهم لعبارة:
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ }
وأن يوسعن جلابيبهن ويجعلنها سابغة فضفاضة،
وهذا تفسير عبارة: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}
** **
** استشهدت الكاتبة بآيات صحيحات صريحات على
تحديد زي المرأة المسلمة، وأتت بسبب النزول ولكن السؤال الذي يطرح نفسه..
هل
حين شكت النساء للنبي (صلى الله عليه وسلم) قال لهن ما قال من تلقاء نفسه مع علمه
بأحوال الشباب المستهتر، أم انتظر حتى نزلت الآيات..؟!!
نص الكلام أنه نزلت الآيات وفيها أمر للرسول
بأن يبلغ زوجاته وبنات المؤمنين.. بماذا يبلغهن بل بماذا يأمرهن بلفظ "قل" أمرهن بأن يسحبن الخُمُر التي
اعتدن أن يرتدينها على جيوبهن (أي فتحات صدورهن) وأن يوسعن جلابيبهن ويجعلنها
سابغة فضفاضة.
** فأي غموض في هذا الكلام، هل يحتاج الأمر
إلى لف ودوران ولي عنق الآيات حتى نصل إلى معنى مختلف عما جاء به رب العزة في كلام
صريح واضح مباشر، وبلغة عربية صحيحة هي لغتنا الجميلة، وهو أمر للنبي (صلى الله
عليه وسلم)، والأمر موجه لزوجاته أمهات المؤمنين وبناته بنات المؤمنين، وكذلك نساء
المؤمنين، إذاً هو تشريع للأمة الإسلامية وهو تشريع للمؤمنين رجالا ونساء، ومن يجادل
في هذا ليس من المؤمنين، بل من المعاندين.
** **
وتقول الكاتبة:
جاء في تفسير القرطبي لآية الجلباب:
وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه
الآية تبرز أي "تخرج من خيمتها" للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها
أمة "جارية" فتصيح به فيذهب،
فشكون ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ونزلت الآية بسبب ذلك، "لذلك"
والكلام للكاتبة أمر الله رسوله أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج
لقضاء حوائجهن، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف "دورات المياه"
فيقع الفرق بينهن وبين الإماء، فتُعرف الحرائر بسترهن).
** **
** تقول الكاتبة: "لذلك" أمر الله
رسوله أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج لقضاء حوائجهن.
نطرح سؤالا آخر.. وهل كن يغيّرن زيهن إذا
خرجن لأمر أخر غير أمر التبرز في الصحراء؟!! مثلا عند الذهاب للمسجد أو إلى السوق
أو لزيارة بعضهن البعض، أو إذا خرجن مع أزواجهن أو أحد محارمهن لأمر ما .. أم كان
هو زي النساء في جميع أحوالهن..؟!!
** وهل يعقل أن تنسخ الآية بعد ألف وأربعمائة
سنة لمجرد أن اتخذت دورات المياه في البيوت دون أن يشير رب العزة إلى أن هذه الآية
مدتها ألف وأربعمائة سنة فقط لا غير..؟!!
** **
وتقول:
(أما آية الحجاب فقد أجمع المفسرون على
خصوصيتها بنساء النبي (صلى الله عليه وسلم) دون إمائه وبناته والصحابيات، والآية
لا علاقة لها باللباس أو الثياب، بل هي خاصة بآداب زيارة المسلمين لبيت الرسول
(صلى الله عليه وسلم) ومراسم مخاطبتهم لزوجاته داخل البيت إذا اقتضت الضرورة، فيتم
ذلك من وراء حجاب، أي ساتر، أو ستار يخفي شخوصهن رضي الله عنهن، وشخوص من يتحدث
إليهن، فلفظ الحجاب في القرآن الكريم معناه حاجز أو ستارة تحتجب من خلفها، وليس
معناه زي أو لبس المرأة).
** **
** ثم أحالتنا الكاتبة للنظر في السور الآتية:
(الأعراف: 46)، و(ص: 32)، و(فصلت: 5)
و(الشورى: 51)، و(الإسراء: 45)، و(مريم: 17)
وهذه الآيات وجدتها بالترتيب هكذا:
{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ
رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن
سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} (الأعراف: 46)
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ
عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (ص: 32)
{وقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا
تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ
فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }
(فصلت: 5)
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ
اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ
بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الشورى: 51)
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا }
(الإسراء: 45)
{فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (مريم: 17)
** وكلها آيات تدل على أن لفظ الحجاب معناه
حاجز، أو ستارة، ونحن لا نختلف في هذا المعنى ولكننا هنا بصدد الخمار الذي هو غطاء
الشعر، وقد أطلق لفظ الحجاب على الاشارب أو الخمار الذي تغطي به المرأة شعرها
جوازاً.
ثم تحكي قصة سبب نزول آية الحجاب فتقول:
(عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أعلم
الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في مبتنى "زواج" رسول
الله بزينب بنت جحش (رضى الله عنها) وأصبح النبي بها عروسا، فدعا القوم فأصابوا من
الطعام ثم خرجوا وبقى رهط منهم عند النبي فأطالوا المكث فقام النبي فخرج وخرجتُ
معه، ومشى النبي ومشيت، حتى جاء عتبة حجرة عائشة، ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه
حتى إذا دخل على زينب، فإذا هم جلوس لم يقوموا، فرجع النبي ورجعت معه، فإذا هم قد
خرجوا فضرب النبي بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب)..
( رواه البخاري ومسلم)
** **
ومفاد الحديث والكلام للكاتبة:
(أن النبي دعا جماعة المسلمين إلى حفل زفافه
إلى زينب بنت جحش رضي الله عنها، وحضروا جميعا وأكلوا وذهبوا إلا بعض الثقلاء
تجاوزوا حدود الضيافة، وظلوا جالسين في غرفة العروس يثرثرون مما ضايق الرسول (صلى
الله عليه وسلم)، على الرغم مما هو معروف عنه بضبط النفس والسماحة والصبر، وخرج من
غرفة السيدة زينب ومر على زوجاته، ثم عاد ليجد تلك المجموعة ما زالت في مكانها
تثرثر في أحاديث فارغة، ويقول أنس بن مالك: إنه لما عاد ووجدهم قدم رجلا داخل
الغرفة وأبقى الأخرى خارجها، وفي تلك اللحظة نزلت آية الحجاب التي منعت العرب من
زيارة بيوت أمهات المؤمنين بدون إذن، ونظمت أسلوب التحدث إليهن ليكون من وراء حجاب
أي ساتر "ستارة").
وتقول الكاتبة:
(وحديث أنس بن مالك يدلنا على أن الحجاب
"الستار" ضرب بين رجلين هما الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأنس، وليس بين
رجل وامرأة).
** **
** عسى أن تكون الكاتبة قد اقتنعت بأن سبب
النزول ما هو إلا ترتيب لتشريع لآخر العمر، فرغم أن حديث أنس بن مالك يدلنا على أن
الحجاب "الستار" ضرب بين رجلين هما الرسول وأنس، وليس بين رجل وامرأة..
إلا أن الآية الكريمة تقول:
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا
فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ }
فالآية تفرض الحجاب بين الرجال والنساء
بدليل: "قلوبكم وقلوبهن"
إذاً فأسباب النزول ما هي إلا تمهيد لتشريع
لحكم عام باق إلى يوم الدين، فرغم أن ضرب الحجاب بسبب النزول كان بين رجل ورجل إلا
أن الحكم العام هو بين الرجال والنساء.
** **
تقول الكاتبة:
( وقد نزلت الآية الكريمة في السنة الخامسة
من الهجرة وبعد نزولها ضرب الحجاب على نساء النبي وأن لفظ الحجاب في القرآن الكريم
وفي السنة المطهرة معناه حاجز أو ساتر ويعني ستر الأشخاص لا الأبدان)
** **
** والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا تقصد من عبارة لا ستر الأبدان..؟!
هل
يفهم من ذلك أن الحجاب وهو ستر الأشخاص، يعني أن تتكلم المرأة من وراء الباب مثلا،
أما إذا فتحت الباب وخرجت فلا حجاب ولا خمار ولا جلباب..!!
** ثم أن اللعب باللغة قد ينجح مع المخلوق لا
الخالق، وقد يشغل الغر إلى حين، ولكنه مع الله سبحانه وتعالى له شأن أخر حيث إنه
سبحانه وتعالى يعاقب على النية:
"إنما الأعمال بالنيات"
** فإذا اصطلح وأشيع بين الناس في عصرنا
الحالي تسمية غطاء الرأس وهو الخمار بالحجاب فلا ضير في ذلك، وليس هو بالخطر
الفادح الذي يجعلنا نقيم الحجة، والبراهين ونحكي قصة أنس بن مالك في محاولة لإثبات
أن الحجاب ستر الأشخاص لا الأبدان، وأنه خاص بنساء النبي إلى أخر الكلام، فقد
اصطلح على القول "الكرة الأرضية" وهي بيضاوية، كما اصطلح على تعبير
"طلوع الشمس ومغيب الشمس" وهي لا تطلع ولا تغيب وإنما الأرض هي التي
تدور حولها.
** ثم أن الكاتبة نفسها تعتمد لفظ الحجاب
وتعطي له الصلاحية حين تستخدمه على أنه الخمار أو النقاب، وذلك في عنوان الكتاب
(الحجاب رؤية عصرية) حيث تضع صور عدد من المنتقبات على غلاف إحدى الطبعات، وكذلك
في عناوين الأبواب، الحجاب في القرآن، الحجاب في الحديث، آراء مع الحجاب، آراء ضد
الحجاب.. إلخ، وهي تقصد بذلك كله الخمار أي غطاء الرأس فلماذا لم تكن أكثر تحديدا
وتقول الخمار والنقاب، حتى تترك كلمة حجاب لمعناها الأصلي: وهو ستر الأشخاص لا
الأبدان..؟!!
وتقول:
(إذن فالنساء المسلمات لسن مطالبات بالإقتداء
بنساء النبي وهو من الخصائص النبوية التي شاء الله سبحانه وتعالى أن يميز بها
رسوله وأهل بيته عن سائر الناس، كرامة له وتعظيما لمقامه، وارتفاعا بآل البيت عن
كل شبهة، ومن ثم فالاقتداء بهن غير مطلوب ويعني تطاولا محظورا إلى مقام النبوة).
** **
** لا والله الاقتداء بالنبي وزوجاته في
التزام العفة والتستر لا يعد تطاولا بل اتباعا، حيث أنه (صلى الله عليه وسلم)
وزوجاته قدوتنا ودليلنا، صحيح لسنا مطالبات ولكن التقليد محبة وعفة.
قال تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21)
** صحيح أنهن لسن كأحد من النساء، ولكن هذا
في مضاعفة الحسنات، ومضاعفة السيئات، وفي عدم زواجهن بعد النبي، فهن أمهات
المؤمنين، وإلا لصار كل ما جاء في هذه الآية خاص بنساء النبي وليس علينا فعله، مثل
قول المعروف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله؛ فهل هذا يعد
تطاولا أيضا..؟!!
وبالطبع لا نستطيع أن نقول للنساء لا تخضعن
بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض لأن هذا يعد تطاولا على مقام النبوة!!
بل يجب علينا أن نتبرج تبرج الجاهلية الأولى
لأن النهي خاص بنساء النبي!!
ونستعرض الآية:
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ
مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ
الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا}
(الأحزاب: 32)
** ماذا في هذه الآية لنا وماذا لنساء النبي..؟
ثم أن آيات الحجاب التي نظمت أسلوب التحدث إلى أمهات المؤمنين ليكون من وراء حجاب
أي ساتر "ستارة" هي فقط الخاصة بهن رضي الله عنهن، أما آيات الخمار
والجلباب فهي أمر موجه لزوجاته (صلى الله عليه وسلم) وبناته ونساء المؤمنين.
وتقول:
(وقال بعض المفسرين فلما نزلت في نساء النبي
(صلى الله عليه وسلم) هذه الآية قالت نساء المسلمين الحريصات على دينهن فما نزل
فينا شيء..!!
** صحيح هم رجال ونحن رجال، وأيضا هن نساء
ونحن نساء، هن الحريصات على دينهن يتساءلن فما نزل فينا شيء، ونحن نقول ليس لنا من
الأمر شيء.
فنزلت الآية:
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ
وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ
وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا
وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 35)
** ونتفق مع الكاتبة بأن هذه هي شروط الإيمان
الصحيح التي تساوي بين النساء والرجال في كل شيء، ولكن من هم المسلمون
والمسلمات..؟
يقول العلماء:
هم من سلموا أنفسهم لله، واتبعوا ما أمر
وابتعدوا عما نهى، وهناك ما يسمى بالشرائع الظاهرة، ولقد أمر سبحانه وتعالى
بالنسبة للنساء أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، وهذه هي "الشرائع الظاهرة".
** ومن هم المؤمنون والمؤمنات؟ يقول العلماء:
هم من آمنوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر،
والقدر خيره وشره، وهي أمور باطنة أي من عقائد القلب وأعماله، وهذه هي
"الشرائع الباطنة".
ولا يمكن معرفة أحوال الباطن إلا بتطبيقه في
الظاهر:
وهو "ما وقر في القلب وصدقه
العمل".
** **
** أما من كان مبلغ همها هو صباغة شعرها
وفرده أمام الرجال الغرباء، وقد كشفت عن مناطق من جسمها أمر الله بسترها، كيف
نطمئن بأن هذه تؤمن بالله وكتبه، وما جاء فيها من أوامر ونواه.
وكيف نطمئن للرجل الذي يتباهى بعري نسائه بل
ويشجعهن ليقال عنه متحضر، بأنه يؤمن بالله وكتبه وما جاء فيها من أوامر ونواه،
ومثل هذا الرجل في الدين يقال عنه "ديوث"، أي لا يغار على أهله وهو ليس
من المؤمنين.
** **
وتقول:
(ورغم أن المسلمات وغير المسلمات كن يرتدين
الخمار والجلباب وأحيانا النقاب منذ زمن طويل، فقد اختلف المفسرون حول معاني وشروط
وأشكال اللباس الذي يحمي جسد المرأة.
ففي معنى الجلباب قال البعض:
"الجلباب "كسرداب القميص"
وقال آخرون: "رداء تغطي به المرأة ثيابها، أو ثوب واسع لستر أجسادهن"
وانشغلوا قرونا طويلة بماذا يظهر وماذا يختفي من بدن الأمة، وانقسموا حول المقصود
بعبارة {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} فذهب البعض (عن ابن عباس) أن
نساء المسلمين أمرن بأن يغطين رؤوسهن ووجههن بالجلباب إلا عينا واحدة، ليعلم أنهن
حرائر!!
ورأى البعض الأخر أنه يجب تغطية جيوبهن، وقال
النسفي: "كانت جيوبهن (فتحة الصدر) واسعة تبدو منها صدورهن، وكن يسدلن الخمر
من ورائهن، فتبقى مكشوفة فأمرن أن يسدلنها من قدامهن".
كذلك اختلف الفقهاء في تفسير كلمة الجيوب:
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ}
فقال البعض إن موضعها النحر أي أعلى الصدر،
وقال آخرون: بل الصدر لا النحر وقد كنى عن الصدور بالجيوب لأنها تلبس عليها،
واختلفوا وتناقضوا حول ماهية الزينة الظاهرة التي يمكن أن تبديها المرأة للغرباء.
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا
ظَهَرَ مِنْهَا}
فقال
بعضهم إنها الوجه والكفان، وأضاف ابن مسعود: والثياب، وقال آخرون (عن ابن عباس)
إنها الكحل والسوار والخضاب (الحناء) إلى نصف الذراعين والقرط والخاتم.
وفي رواية أخرى تغطي شعرها وصدرها وترائبها
وسوالفها! وهو قول يناقض القول الأول فهو لا يرغم المرأة على تغطية الوجه والكفين،
وقيل عن (ابن عباس) أيضا إن الزينة الظاهرة هي الكحل والخاتم والخدان والخضاب في
الكف، وقال النسفي إن موضع الزينة الرأس والأذن والعنق والصدر والعضدان والذراع
والساق والقرط والقلادة والوشاح والدملج (السوار والخلخال)، وأفتى بعض الفقهاء بأن
الإماء المؤمنات لهن (وعليهن) أيضا أن يكشفن عن رؤوسهن وبعض أطرافهن (مثل قدر من
الذراع وقدر من الساق) أثناء العمل إعمالا لقاعدة: "المشقة تجلب
التيسير"
أو
قاعدة: "الحاجات تنزل منزلة الضرورات في إباحة المحظورات".
بل إن البعض الأخر أفتى بجواز كشف الذراع
أثناء الصلاة لأنها من الزينة الظاهرة (كالسوار) ورغم أن الأيات لا تذكر شيئا عن
الشعر فقد قالوا بأن المرأة عليها أن تغطي شعرها لأنه مصدر الفتنة فيها، بينما من
المسموح لها أن تضع الكحل لتظهر سحر عينيها، والخضاب (أي الماكياج والمانيكير بلغة
العصر) وأن تتزين بكل أنواع الإكسسوارات من الأقراط وأساور وخواتم.. إلخ.
وقد زعموا أنه تعالى لعن (السلتاء) التي لا
تخضب بالحناء (والمرهاء) التي لا تكتحل، وتلك هي الزينة الظاهرة في رأي المفسرين
القدامى ولا دليل عليها في كتاب الله.
تلك خلاصة ما اجتهد إليه المفسرون القدامى في
تفسير الآيات الكريمة وأغلبها يعود إلى رأي المفسر شخصيا وليس إلى نص آية قرآنية
أو حديث صحيح.
** **
** هكذا جالت الكاتبة في آراء المفسرين القوي
منها والضعيف، وعبارة (تفسير الآيات الكريمة يعود إلى رأي المفسر شخصيا وليس إلى
نص آية قرآنية أو حديث صحيح) ليست صحيحة لأن تلك الآراء التي خلص إليها المفسرون
بالطبع لا تتأتى من الرؤية الشخصية للمفسر لأن التفسير إنما يقوم على فهم المبني
اللغوي وهو واسع الأرجاء، فالمبنى في العربية ليس مبنى ضيقا محدودا، فهو اختلاف في
فهم المبنى لا رأي المفسر الشخصي إلا أن يكون له غرض، وأن في اختلاف المفسرين
والفقهاء رحمة بالأمة.
** وكيف سنفهم النص إلا بالاجتهاد في المعنى
والكاتبة تدعو للاجتهاد، إلا ما جاء به حديث صريح يفسره ويزيل عنه غبار الالتباس؟
** وما رأيك لو اتبعنا منهجا خاصا بنا فبدلا
من أن تقولي قال بعضهم، وبدلا من أن تتحيري وتقولي وأغلبها يعود إلى رأي المفسر
شخصيا وليس إلى نص آية قرآنية أو حديث صحيح.. وهم رجال ونحن رجال كما تقولين في
غير موضع هيا بنا نعود للأصل الثابت والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه، ولنجتهد معا في تفسير الآيات، فالنص ثابت ولله الحمد لأن الله تعالى تعهد
بحفظه.. ولغته لغتنا ولله الحمد أيضا فلا يستشكل علينا لفظه، قال تعالى:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي
الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى
عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31)
** في هذه الآية سبعة أوامرهى:
أولا: غض البصر،
ثانيا: حفظ الفرج،
ثالثا: الاقتصار على الزينة الظاهرة،
رابعا: إسدال الخمار على الجيوب،
خامسا: تحديد المحارم المطلعون على زينة
النساء،
سادسا: عدم الضرب بالأرجل للفت الأنظار،
سابعا: التوبة إلى الله عما سلف.
فكيف بالله نأتى لآية واحدة وقد جعلها ربنا
واحدة لهذه الحكمة ونحذف من وسط هذه الأوامر أمرا واحدا فقط خاصا بلزوم تغطية شعر
المرأة..!
فكلمة بخمرهن لمن تتكلم العربية دليل على
لزوم الغطاء للرأس!! أي أن الأصل هو تغطية الشعر، والآية تفرض أن الشعر عليه خمار
بالضرورة وفقط تطلب أن تغطي المرأة بهذا الخمار الجيب يعنى
فتحة الصدر، وهذا هو الدليل على وجوب تغطية الرأس!!
****
والسؤال الذي يجب أن يثير البلبلة هو كيف
تغطى فتحة الصدر بغطاء الرأس (الخمار)؟
هل أن تأتي المرأة بطرف خمارها وهو غطاء
رأسها وتلفه حول رقبتها ويسدل على فتحة جلبابها التي تدخل منها رأسها، أم تأتي به
من فوق الرأس وينزل من على الوجه ليغطي فتحة الصدر؟!!
هكذا كان المفروض أن يكون الخلاف في كيفية
تغطية فتحة الصدر بغطاء الرأس.. بمعنى من أين يؤتى بطرف الخمار؟
هناك من اجتهد وارتاح لأحد الرأيين وأخذ به
فله أجر، إن كان مخطئا، وله أجران إن كان مصيبا، أما أن نقول بعدم تغطية الرأس على
الإطلاق والآيات لا تذكر شيئا عن الشعر فهذا ليس اجتهادا ولكن هوى.
** هذا هو الدليل الأول على وجود أمر بتغطية
الرأس أما وأن الخمار كان عادة قبل الإسلام، فهذا لأنه الفطرة السليمة التي فطر
الله الناس عليها، ثم أقره الإسلام ولم يلغه، وننتبه لكلمة لم يلغه، بل نظمه ورتبه
وأضاف إليه تغطية فتحة الصدر وهو الجيب.
** **
وتقول الكاتبة:
(وقد اجمعوا على أن الغرض من الآيات لم يكن
تعبديا أو دينيا، وإنما اجتماعي صرف؛ وهو حماية النساء الحرائر من المستهترين من
شباب المدينة المنافقين والصعاليك، الذين يلحقون بهن الأذى في الوقت الذي يحتاج
فيه النبي إلى تنظيم صفوف المسلمين ومواجهة الأعداء إلى جانب تنظيم شئون الدولة
والتمهيد لاستقرارها بالقوانين والمؤسسات الشرعية التي تحمي الأفراد، وتحرس الأمن
وتعاقب الخارجين على القوانين).
** **
** الكاتبة ترى أن الأمر اجتماعي صرف وقد شرع
الخمار والجلباب فقط لحماية النساء المسلمات الحرائر من مستهتري المدينة في ذلك
الوقت، وكأن الآن لا يوجد مستهترون أو أن اليوم توجد قوانين تحمي الأفراد فعلى
المرأة أن تمشي على حل شعرها والقانون سيعاقب من يحاول أن يضايقها!!
وتراه أيضا لأن النبي يحتاج إلى تنظيم صفوف
المسلمين ومواجهة الأعداء، وكأننا اليوم لسنا في حاجة إلى تنظيم صفوف المسلمين
وليس لنا أعداء!!
** ثم إن هذا الرأي لا يليق بمقام النبوة،
فالنبوة هي المساواة في الاهتمامات بكل أمور الحياة دون أن يطغي حكم على آخر وهي
الحنكة المدعومة بتكليف من قبل الله سبحانه وتعالى واصطفائه بها عز وجل.. وهذا هو
العدل الذي هو أبسط سمات الخلق من البشر فما بالنا بالنبي المصطفى الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه!!
فالتصور بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) يريد
أن يتفرغ لشيء على حساب شيء أخر، يتنافى مع صفات النبوة.. في حين أن الأمر بالخمار
نص قرآني وليس تنظيما نبويا.
** ولو استعرضنا سورة الأحزاب نجدها تبدأ
بقوله تعالى:
{يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا، وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن
رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} ( )
يقول المفسرون:
إن الله يبلغنا أن هذه السورة سيتكالب عليها
الكافرون والمنافقون، ليحرفوا آياتها وهو سبحانه عليم حكيم، فيأمر نبيه بعدم
طاعتهم، وأن يتبع ما يوحى إليه، إذن فهذا أمر بالاتباع.
ولشدة التأكيد على ضرورة الالتزام بما جاء في
السورتين (النور، والأحزاب) نجد قوله سبحانه وتعالى:
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا
وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور: 1)
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}
(الأحزاب: 36)
ولا يخفى على أحد عاقبة الضلال فضلا عن أنه
مبين.
** أي أنه لا ينبغي ولا يليق بمن اتصف
بالإيمان إلا الإسراع إلى مرضاة الله ورسوله، والامتثال للأمر واجتناب النهي، وإذا
قضى الله ورسوله أمرا فليس له خيار من أمره أي ليس له أن يفكر هل أفعل أو لا أفعل،
بل يعلم المؤمن والمؤمنة أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه
حجابا أي حاجزا بينه وبين أمر الله ورسوله ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا
مبينا، والضلال خسران والعياذ بالله.
** ثم نأتي للآية (59) من سورة الأحزاب،
وفيها أمر الله نبيه أن يأمر النساء عموما ويبدأ بزوجاته وبناته لأنهن أولى من
غيرهن "يدنين عليهن من جلابيبهن" ولأن الآمر لغيره ينبغي أن يبدأ بأهله
كما قال تعالى:
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)
والعلة من هذا الأمر قوله تعالى:
{ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا
يُؤْذَيْنَ}
دل على وجود أذية إن لم يحتجبن فربما ظن أنهن
غير عفيفات فيتعرض لهن من في قلبه مرض، وربما استهين بهن وظن أنهن إماء، فتهاون
بهن من يريد الشر.
** **
وماذا يقول الفسرون فى هذه الآية:
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا
وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور: 1)
هذه سورة عظيمة القدر أنزلناها رحمة منا
بالعباد، وحفظناها من كل شيطان وفرضناها أي قدرنا فيها ما قدرنا، من الحدود
والشهادات وغيرها، وأنزلنا فيها أحكاما جليلة، وأوامر وزواجر وحكما عظيمة لعلكم
تذكرون آية تقول:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ }
وآية تقول:
{سُورَةٌ
أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}
والآيتان في سورتي الخمار والجلباب ثم
نجادل.. لمصلحة من؟!!
** ثم بين الله سبحانه في السورة حكم الزاني
والزانية وهو الجلد أمام طائفة من المؤمنين، وبين حكم الذين يرمون المحصنات أيضا
الجلد وعدم قبول شهاداتهم، وبين حكم الذين يرمون أزواجهم وهو اللعن على أنفسهم إن
كانوا من الكاذبين وكذلك بين سبحانه آداب الاستئذان في الدخول إلى البيوت.
كل هذا ونقول لم تكن هناك أحكام ومحاكم ونحن
الآن لدينا الشرطة!!
** **
تقول الكاتبة:
(بينما في القرآن الكريم آية تأمر المسلمين
رجالا ونساء بأن يغضوا من أبصارهم وأن يحفظوا فروجهم، فالرجال مأمورون بغض البصر
أي بعدم الحملقة في النساء، وألا يقربوا الفاحشة فالله يرقبهم ما ظهر منهم وما
بطن؛ وخير لهم أن يلتزموا بأمره الواضح الصريح، وأن يتقوا الله في النساء
المسلمات.
كذلك أمرت النساء بغض البصر عن الرجال، وأن
يحفظن فروجهن كما نصحهن بالتحشم في الملبس وفي السلوك وألا يبالغن في إبداء زينتهن
الظاهرة حتى يتقين شر ضعاف النفوس، من غير الأقارب الذين لم يتغلغل الإيمان إلى
أعماقهم بحيث يحميهم من شر قلوبهم المريضة (المحرضة على الرذائل).
** سبحان الله فآية غض البصر هي جزء من الآية
ويأتي بعدها في نفس الآية وليضربن بخمرهن على جيوبهن، وقد أراد الله بحكمته وعلمه
الربط بين غض البصر وضرب الخمار على الجيب (فتحة الصدر).
** **
** ووالله لم نجد رجلا يغض بصره عن امرأة
سافرة أبدا، وإنما يغض بصره بالفعل- وهذه آية من آيات الله سبحانه - عن الملتزمة
بأمر دينها، فكيف نطلب من رجل أو شاب يقف أمام امرأة كاشفة شعرها وصدرها وذراعيها
وساقيها ونطلب منه أن يغض بصره؟!
يقول الشاعر:
وكيف أغض طرفي أهو أعمى
وكيف أرد قلبي أهو صلــــــب
** أما عن النصح بالتحشم في الملبس وفي
السلوك وألا تبالغ المرأة في إبداء الزينة الظاهرة فهل هناك زينة أهم من الشعر
الذي اصطلح على أنه تاج المرأة!!
وكم تفنن الكوافير في عمل قصات للشعر
وتسريحات يخصص لها رجال عالميون يبدعون لإبداء المرأة في أجمل زينة، بالإضافة لما
يتبع إظهار الشعر من الجلوس بين يدي الرجال (مصففي الشعر).
** وهل نجد زمنا من الأزمنة خاليا من ضعاف
النفوس الذين يجب اتقاء شرهم، وهل تغلغل الإيمان في أعماق كل البشر بحيث يحميهم من
شر قلوبهم المريضة (المحرضة على الرذائل) والحمد لله الأمن مستتب ولا توجد جرائم
اغتصاب ولا هتك عرض هذه الأيام!!
وإن كان الخمار وإدناء الثياب لا يدفع الفساد
حتما، إنما هو أقرب إلى دفعه، ألسنا مأمورين بسد الذرائع؟!!.
** **
** ثم كيف أن الأمر بشيء لا يدل على وجوب هذا
الشيء وهو أمر من رب العزة وخالق البشر، وعارف بما يصلحهم، وجاء الأمر في سورة
تبدأ بأنزلناها وفرضناها.
** وإذا اتخذ بعض الفقهاء تلك الآيات ذريعة
للإفتاء بالحجر على النساء وغالوا كما تقول الكاتبة، ومنهم من أفتى بتغطية بدن
المرأة كله إلا عينا واحدة.
ومنهم من أفتى بستر جميع بدن المرأة بما في
ذلك الوجه والكفان والقدمان (الحنابلة)
ومنهم من رأى أن قدمي المرأة ليستا عورة عملا
بمبدأ "الابتلاء بالإبداء" (أبو حنيفة)،
ومنهم من أفتى بإبداء الوجه والكفين ومنهم من
قال والقدمين.
** **
** فليس غريبا أن يختلفوا، فالنفوس المؤمنة
منها ما تأخذ نفسها بالشدة ومنها ما تميل إلى الاعتدال وكلها مثابة بإذن الله،
ولكن من منهم أفتى بإظهار الشعر موضوع بحثنا؟!!
ومن منهم أفتى بأن الآية الكريمة كانت لتيسير
خروج المرأة (وسط الصحراء وفي الظلام لقضاء حاجتها فقط)
ومن
جرؤ وقال:
وقد نسخ هذا الحكم بوجود دورات مياه في
البيوت، والمعروف أن الآية تنسخ بآية، وفي زمن نزول الآيات، لا برأي يقول:
لم يكن هناك دورات مياه في البيوت، فهذه
سخرية من كلام رب العزة، وهذا اجتهاد غير ملزم لنا إذا منا نتقى الله ورسوله.
{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ
بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}
(الأحزاب: 24)
** فإذا قال البعض بتغطية بدن المرأة كله إلا
عينا واحدة، وأرادت بعض النساء الأخذ به سدا للذرائع فلها حريتها، وإذا قال البعض
بإبداء الوجه والكفين والقدمين وأرادت بعض النساء الأخذ به تيسيرا فلا بأس، أما أن
نرفض هذا وذاك ونبتر الآية ونقول صريح الآيات تأمر بغض البصر وعدم المبالغة في
الزينة، ولا نقول وليضربن بخمرهن على جيوبهن وهي وسط غض البصر والزينة، فهذا يقع
تحت قوله تعالى:
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ
وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ
الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: 85)
** **
وتقول الكاتبة:
(وواقع الأمر أن الآيات لم تذكر أعضاء المرأة
التي يجب أن تظهر أو تختفي ولم تصرح بزي محدد يفرض على المؤمنات في كل زمان ومكان،
بل تركت ذلك لكل عصر، تختار فيه المؤمنات وفق إرادتهن الحرة ما يحقق لهن الاحتشام
وعدم التبذل واتقاء الفتنة.
وقد اختارت النساء العاملات في وقتنا الراهن
كلباس محتشم ارتداء البدل أي البنطلون تحت الجاكيتات الطويلة نوعا التي تنسدل على
البدن مقتربة من الساق، فهل خالفن في ذلك الشرع لأن البدلة والجاكيت والبنطلونات
لم تذكر في آية أو حديث شريف!!)
** **
** أصبت والله.. الزي كما وصفته الآن لا
يخالف الشرع لأنه في غاية الاحتشام والعصرية، وهو بديل عن الجلباب، وقد دعا النبي
(صلى الله عليه وسلم) لنساء الأنصار المتسرولات أي اللاتي يلبسن السروال (البنطلون)
تحت ملابسهن، جاكيت طويلة مقتربة من الساق هذا جميل، وبنطلون واسع نوعا هذا رائع،
والقرآن لم يأمر إلا بستر البدن بما لا يصف أو يشف.
ولكن هناك شيئا حاك في الصدر.. هل هذا الزي
هو نفسه يكون زيها في المساء والسهرة؟!! وفي جميع الزيارات والمعاملات؟ إن كان هذا
فبها ونعمت.
** ومشكلة أخرى.. هذا الاختيار الجميل حل
لمشكلة الجلباب فماذا عن الخمار، أو نقول هذا خاص بالبدن، أما عن فتحة صدر الجاكيت
الطويلة، فقد أمر المولى سبحانه وتعالى أن تأتي المرأة بطرف خمارها وتلفه على
صدرها، لأنه في كل الحالات لابد للشعر من خمار.
وتقول الكاتبة:
(إن الإسلام لم يبتدع الخمار، ولم يبتكر
الجلباب وإنما نظم عملية ارتداء المسلمة لهما لكي يحميها من الإيذاء في وقت كان
الناس قريبي عهد بالوثنية، لم تتعمق في نفوسهم التقوى والخوف من الله ومن حسابه
يوم الدين، وقد غلبت فيهم قبل الإسلام أخلاق الجاهلية وانعدم في زمانهم العلم،
وغابت السلطات التي تحمي المواطنين من بعضهم البعض كالقوانين والشرطة
والمحاكم..إلخ)
** **
** أما وإن الإسلام لم يبتدع الخمار ولم
يبتكر الجلباب، وكان من العادات السائدة قبل الإسلام فهذا صحيح.
** وشرب الخمر أيضا كان من العادات السائدة
قبل الإسلام وحرمها الله سبحانه وتعالى، وأهرقت الخمر في الطرقات أنهارا.
** والتعامل بالربا أيضا كان سائدا وهو من
معاملات الناس اليومية، وحرمه الله وامتنع الناس في الحال عن التعامل بالربا.
** وكان طلاق الرجل للمرأة وإرجاعها دون
رضاها إلى ما لا نهاية، وقننه الإسلام بمرتين فقط قال تعالى: "الطلاق
مرتان" وامتثل الناس في الحال.
** وكان للرجل أن يتزوج من يشاء من النساء
بلا عدد، وحدده الإسلام بأربع فقط، وفارق من كان متزوجا بأكثر من أربع.
** وكانت عادة التبني سائدة ومعترفا بها،
وقال الإسلام أدعوهم لآبائهم، وفي الحال غير الناس أسماء أدعيائهم.
** وكانت هناك عادة وأد البنات وحرمها الله،
كل هذا تم تنفيذه في الحال فور نزول الأمر.
** وكذلك الخمار (غطاء الشعر) كان سائدا قبل
الإسلام ولكن الله سبحانه لم يلغه مثل بعض ما كان سائدا وتم إلغاؤه، بل أقره ونظمه
بما يضمن له أن يكون أكثر سترا، وذلك بلفه على الصدر حتى أن النساء عندما نزلت
الآيات كن يقطعن من ثيابهن ويضعن على رؤوسهن، فأي غموض في هذا الكلام المبين.
** **
وتقول الكاتبة:
(وقد فسر القدامى آيات الحجاب وفق مفاهيم
عصورهم فأضفوا إليها ما لم يذكر فيها مثل التفرقة بين النساء، ولا يوجد في الآيتين
ما يدل على التفرقة بين الإماء والحرائر، بل الخطاب موجه لكل النساء: "قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين")
** **
** صدقت والله، أما القول بأن القدامى فهموا
آيات القرآن الكريم وفق مفاهيم عصورهم فهذا صحيح، وهذا هو الفهم الأصح الذي نأخذ
به حيث كان القرآن ينزل ويفسر في حينه ويعمل به في التو.. قال صلى الله عليه وسلم:
"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم
الذين يلونهم"
(رواه البخاري ومسلم)
وكما قلنا من قبل سالت الخمر في الطرقات
انهارا وامتنع الناس عن التعامل بالربا، وطلق من كان متزوجا بأكثر من أربع، كله في
الحال لأنهم كانوا يفهمون الأمر، ولا يدخلهم الهوى.
** ثم أن السنة هى مفسرة للقرآن فكما أمر
القرآن بالصلاة وأبانت السنة كيفيته، أيضا أبانت السنة التفرقة بين الإماء
والحرائر.
فقد كان القران ينزل والنبي فيهم، ونحن إذا
حزبنا أمر أتينا بأمهات الكتب لنعرف ما هو حكم الدين من خلال ما قاله المفسرون
الأوائل، فما بالنا بآية نزلت بصيغة الأمر للنبي بلفظ "قل" وهو (صلى
الله عليه وسلم) مفسرا لها.
وهل تقصد الكاتبة بالقول في ذلك الوقت أن
الإسلام جاء ليتغير في كل وقت؟! أم أن عظمة الإسلام أنه صالح لكل وقت؟!!
** أما عبارة أنهم أضافوا إليها ما لم يذكر
فيها مثل التفرقة بين النساء: من إماء وحرائر، ترى هل هم أضافوا في التفسير أم
أضافوا في نص الآية..
بمعنى: هل هناك آية يضربن بخمرهن، وآية أن
يدنين عليهن من جلابيبهن لكل النساء: من إماء وحرائر، أم لا..؟!!
واضحة الألفاظ أم لا..؟!!
بها أمر وتوكيد وإلزام أم لا..؟!
وهذا
ما يهم، فإذا أفتى البعض بأن الحرة تحتجب والأمة تكشف يمكننا القول بأن الآية لم
تفرق بين حرائر وإماء بل الآية تأمر بالخمار وبالجلباب لهن جميعا، وعليك أيها
المفتى الالتزام بنص الآية أو هات الدليل.
وإذا كان لا يجوز القول بأن الحرة تحتجب
والأمة تبرز فهل يجوز القول بكشفهن جميعا؟!! فهذا هو المخالف لنص صحيح.
** وكون الخمار مختصا بالحرائر دون الإماء في
تفسيرهم، والاستشهاد هنا برأي ابن تيمية في تفسيره لآية الحجاب حيث قال:
الحجاب مختص بالحرائر دون الإماء.. والحرة
تحتجب والأمة تبرز، ويقول وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة تختمر ضربها".
وأيضا كما جاء في تفسير الطبري ذكره لنبيه
(صلى الله عليه وسلم):
يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء
المؤمنين لا تتشبهن بالإماء في لبسهن.
فهذا ليس إضافة ولكنه تفسير لأن المجتمع به إماء
وحرائر، وسبب هذا التفسير لأن التطور الطبيعي والتحضر الطبيعي الذي ينشده الله
ورسوله هو أن تتحرر الإماء، وإذا صارت الأمة حرة تحجبت، أتدري الكاتبة لماذا؟
** لأنها لم تعد سلعة حيث أنها وهي أمة كانت
تخدم أسيادها وترفه عنهم، وترقص في المحافل وتباع في الأسواق، وجسدها هو سلعتها،
وكل هذا يستدعي السفور والعري حتى يجد الشاري ما يشجعه على دفع الثمن، فلماذا
بالله عليك نعرض الآن بضاعتنا (أجسادنا)؟!!
أم
أنك ترين أن الأمة أسعد حظا وأوفر صحة، إذ يتعرض جسدها للشمس والهواء.
وإذا كنت لا تجدين الآن إماء وحرائر فهل
تختيرت لنا زي الإماء..؟! فهل صرنا جميعا
إماء أم نحن الحرائر؟!!
** وإذا لم يعد هناك إماء وحرائر فهناك مسلمة
وغير مسلمة ولكل منهما زي يميزها وهذا هو زي المسلمة، فكوني متميزة أيتها المسلمة،
وافتخري بهذا التميز الذي فيه كل العزة، فالذي اختار لك زيك هو رب العزة مالك يوم
الدين، وليس ملوك الموضة وبيوت الأزياء اليهودية.
ثم أننا نقبل بزى هندى وزى سودانى ولا نقبل
بزى إسلامى..!!
** **
** في سورة النور التي تبدأ بسورة أنزلناها
وفرضناها يقول الله تعالى:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي
لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ
غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (النور: 60)
** فهل يعقل أن يضعن ثيابهن حتى يمشين عرايا
تماما بلا ثياب أم هو فقط ترك الخمار من على شعرهن الأبيض أو من على وجوههن لضيق
النفس في هذه السن المتقدمة التي لا يرجون فيها نكاحا، خاصة وقد قال سبحانه
وتعالى:
"غير متبرجات بزينة" حتى القواعد
يطلب منهن أن يكن غير متبرجات بزينة، وقال تعالى: "وأن يستعففن" أي
يطلبهن بالعفة وأن يتمسكن بها، فالإسلام يرفض التبرج والزينة حتى لكبيرة السن التي
لا يطلبها أحد، ويدعو للحشمة والخمار هو الحشمة فكيف نرفضه؟!
** وإذا ربطنا الخمار باستهتار الشباب كما
ذكرت الكاتبة في أسباب النزول، بأن الآية نزلت لحماية النساء من الشباب المستهتر
فهل يسلم أي عصر من العصور من استهتار الشباب، وتحرش الرجل بالمرأة، هل تغير الحال
بعد مرور أربعة عشر قرنا هجريا، ورغم وجود القوانين والشرطة والمحاكم؟
** هل تغيرت طبيعة بعض الرجال والشباب من
المستهترين الذين يتعرضون للنساء، ويشيعون الفوضى، كيف الحال والأمثلة في صفحات
الحوادث يندى لها الجبين.
** وأما الآيتان التاليتان فهما تحذير للشباب
المستهتر إن لم يقلعوا عما هم فيه من المشاغبات لنسلطنك عليهم يا محمد فتجليهم عن
المدينة ولا يجاورونك فيها.. هذا بسبب مشاغباتهم، وليس الأمر للنساء بأن يدنين
الجلباب لحين إقلاع هؤلاء عن الفوضى ثم العودة لتشميره.. ومتى أقلع الشباب عن
الفوضى؟
ولكن يدنين الجلباب ليميزن عن الفجرة، فلا
يتعرض لهن بسوء.
** **
وتقول الكاتبة:
(إن المسلمين بعد أن فرضوا الحجاب على نسائهم
لم يعودوا يفرقون بين النساء الشريفات وبين الجواري اللائي أرغمن على العمل في
بيوت المتعة، أو في حريم الأمراء والأثرياء وأصبحوا ينظرون بشك وريبة إلى كل
النساء ويتعاملون معهن كما لو كن جميعا عرضة للسقوط والانحراف، وغير مهيآت للتعفف وحماية أنفسهن من
الزلل، وبدلا من أن يسنوا القوانين لتنظيم المجتمع الإسلامي وحمايته من المستهترين
والمنافقين، وضعوا الأقفال على نسائهم وحرموهن من كل الحقوق التي منحها لهن
الإسلام، وحبسوهن طوال أربعة عشر قرنا كاملة داخل الحريم الجاهلي).
** **
** إذاً نحن نبحث عن الحقوق التي منحها
الإسلام للمرأة ولهذا فرقوا بين الشريفات والجواري في الحجاب والسفور، وأما وضعهم
الأقفال على نسائهم وحرمانهن من كل الحقوق التي منحها لهن الإسلام، وحبسهن طوال
أربعة عشر قرنا كاملة داخل الحريم الجاهلي.. فهذا ما يجب أن نطالب به كحق للمرأة
في الإسلام، في حدود الشرع حتى تكون لنا مصداقية فيما نطلب، وحتى لا تضيع المرأة
وتضيع قضيتها، في مطالبة زائفة، وحتى لا يبح صوتنا في جدل لا طائل من ورائه ولنا
على طول السنين دليل؟
** فقد قامت الدعوات الكثيرة تطالب بحقوق
المرأة، فما كان منها يوافق الشرع تحقق وما كان منها لا يوافق الشرع ضرب به عرض
الحائط لأن هناك من الرجال والنساء من لا يبيع دينه بدنياه مهما علت الأصوات التي
تزين لهم العري، فلن تغربهم عن دينهم، وقد كفل الإسلام للمرأة حقها في التعليم،
وفي العمل وقد حصلت عليهما بعد جهد المطالبة، وكفل حقها في الخروج للمجتمع
والمشاركة في وضع أنظمته وقوانينه، وقد حصلت عليه.
أما عن حق بعضهن في العري فقد حصلت عليه
الراقصات وفتيات الفيديو كليب، فمن يضيره أن يكون في المجتمع حرائر لا يقبلن الكشف
ولا التعري بكامل إرادتهن، ويمارسن حياتهن الاجتماعية وهن سعيدات في إطار من
الحشمة كما فرضها الله سبحانه وتعالى وأوضحها بقوله: "أن يضربن، وأن يدنين".
** **
** والحقيقة يا سيدتي نحن في حاجة إلى شكل
إسلامي نواجه به السفور والعري وأفلام الجنس التي تفرض علينا من السماوات المفتوحة
والانترنت، ومد العولمة الذي سيخلق بالفعل إماء وجواري وقيانا ويسلب من كل الشعوب
غير المحصنة بدين هويتها وشخصيتها.
** والأولى أن نوجه صراخنا لفتيات يظهرن
"بالكوم" في الأغنيات الهابطة يرقصن ليس فقط بأذرع عارية وشعور منفوشة،
بل ببطون عارية وثدي وأفخاذ أم ترون أن هذا هو التحضر والعصرية؟! وهذه هي الحرية؟!
** والحقيقة هذه هي العبودية لأن هؤلاء
الفتيات يفعلن ذلك من أجل المال، ودائما العري مرتبط بالحاجة إلى المال، فكلما
احتاجت أكثر تعرت أكثر، وكلما تعرت أكثر كسبت أكثر، ودائما الرجل هو الذي يفرض
مساحة العري بقوة شرائه ما دام هو الذي يدفع.
** **
مراجع الكاتبة هي:
(قضية السفور والنقاب واختلاط الجنسين عند
العرب) د. محمود سلام زناتي
(في تاريخ القرآن الكريم) محاضرات الدكتور
يوسف خليف 1975 / 1976.
(تحرير المرأة في عصر الرسالة) عبد الحليم
أبو شقة.
(في ميدان الاجتهاد) الشيخ عبد المتعال
الصعيدي نقلا عن جمال البنا.؟؟؟؟؟؟
ولو اعتمدت على عقلها وضميرها وأنوثتها لكان
أجدى، فالحق له وجه واحد، والباطل له ألف وجه، وللباطل قدرات احتيالية تجعل ملامحه
تماثل الحق لذلك قالوا عبارة:
(حق يراد به باطل)
وقبل أن ننسى فالذي تحاربونه هو رب العالمين
والإثم ما حاك في الصدر!!
يا ليتنا إذا متنا تركنا لكان
الموت غاية كــل حي
ولكنا إذا متنا بعثنـــا ونُسأل
بعده عن كل شيء
****** **
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق