تتمة النِّعَم العشر على بني إسرائيل
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ(55)ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(56)وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(57)وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58)فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(59)وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(60)
قال الطبري : لما تاب بنو إِسرائيل من عبادة العجل أمر الله تعالى موسى أن يختار من قومه رجالاً يعتذرون إِلي الله من عبادتهم العجل، فاختار موسى سبعين رجلاً من خيارهم وقال لهم:
صوموا وتطهروا وطهّروا ثيابكم
ففعلوا، وخرج بهم إِلى "طور سيناء"
فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه
الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا القوم حتى إِذا دخلوا في
الغمام وقعدوا سجوداً، وعلموا من حال موسى أن الله يكلمه
يأمره وينهاه، فلما انكشف عن موسى الغمام وأقبل إِليهم قالوا له:) لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً)
فأرسل الله عليهم ناراً من السماء
َأحرقتهم ثم قام موسى يبكي ويدعو الله ويقول:
ربّ ماذا أقول لبني إِسرائيل وقد
أهلكت خيارهم، ومازال يدعو ربه حتى أحياهم مرة أخري بعد أن مكثوا
ميتين يوماً وليلة، فقُاموا وأخذ ينظر بعضهم
إِلى بعض كيف يحيون.
ثم ذكّرهم تعالى بنعمته عليهم وهم في التيه لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين
وقتالهم وقالوا لموسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ
فَقَاتِلا) فَعُوقِبُوا على ذلك بالضياع أربعين سنة يتيهون في الأرض.
ثم ذكّرهم حين سترهم بالسحاب من
حر الشمس.
وحين أنعم عليهم بأنواعٍ من الطعام والشراب من غير كدٍّ ولا تعب.
والمنُّ كان ينزل عليهم مثل
العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه.
والسلوى: طير يشبه السماني لذيذ
الطعم.
من عجيب هذه الآية
وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا
وَقُولُوا حِطَّةٌ
# ألسنا هنا أمام صورة واضحة الملامح
فعند قراءة هذه الآية نتخيلهم بل نكاد نراهم وهم يمشون علي أدبارهم وراء بعضهم
البعض يرتفعون وينخفضون أشبه بالقرود وهم يقولون بتهكم ومبالغة وبضب معوج حنطة..
حنطة.
فأنزل الله عليهم طاعوناً وبلاءً بسبب عصيانهم وقد مات بالطاعون في ساعة
واحدة منهم سبعون ألفاً.
قال الشيخ الشعراوي:
وصلت ندرة الماء عند بني إسرائيل لدرجة أنهم لم يجدوا ما يشربونه.
والإنسان يبدأ الجفاف عنده من عدم
وجود ماء يسقي به زرعه.
ثم يقل
الماء فلا يجد ما يسقي به أنعامه.
ثم يقل الماء فلا يجد ما يشربه.
ولا تطلب السقيا إلا إذا كانت
الأسباب قد نفدت.. وانتهت آخر نقطة من الماء عندهم.
فالماء مصدر الحياة ينزله الله من السماء نقيا
طاهرا صالحا للشرب والري والزرع وسقيا الأنعام.
والحق سبحانه وتعالى جعل ثلاثة أرباع الأرض ماء والربع يابسا.. حتى تكون مساحة سطح الماء المعرضة للتبخر بواسطة أشعة
الشمس كبيرة جدا فتسهل عملية البخر.. فيتكون
السحاب وينزل المطر نأخذ منه ما نحتاج ، والباقي يكون ينابيع
في الأرض.
هذه الينابيع تذهب إلي أماكن لا
يصلها المطر ليشرب منها الناس والدواب مما نسميه الآبار
أو المياه الجوفية ..
فإذا حدث جفاف يخرج الناس رجالا ونساء وصبيانا وشيوخا. يتضرعون إلي الله ليمطرهم بالماء .
ونحن إذا توسلنا بأطفالنا الرضع وبالضعفاء يمطرنا الل
وبعض الناس يقولون:
إن المطر ينزل بقوانين علمية ثابتة.. يصعد البخار من البحار ويصبح سحابا في طبقات الجو
العليا ثم ينزل مطرا.. تلك هي القوانين الثابتة
لنزوله.
وأن السحاب لابد أن يكون ارتفاعه عدد كذا من الأمتار .. ليصل إلي برودة الجو التي تجعله ينزل مطرا. ولابد أن يكون السحاب ملقحا.
نقول إن هذا كله مرتبط بمتغيرات.
فالريح قد تهب أو لا تهب. وتحمل السحاب إلي منطقة
عالية باردة أو لا تحمله.
إذن فكل ثابت محمول على متغير.. وعوامل
سقوط المطر لا تخضع لقوانين ثابتة. ولكن المتغير هو العامل الحاسم.
وقوله تعالى:
"وإذ استسقى موسى
لقومه" .. تدل على أن هناك مستسقي بفتح القاف
وأن هناك مستسقي بكسر القاف .
مستسقي بكسر القاف أي ضارع إلي
الله لينزل المطر.
أما المستسقي بفتح القاف فهو
الله سبحانه وتعالى الذي ينزل المطر.
هذا الموقف خاص بالله تبارك
وتعالى فلا توجد مخازن للمياه وليس هناك ماء في الأرض.. من
أنهار أو آبار أو عيون ولا ملجأ إلا الله بالتوسل..
عن أنس رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن المطلب رضي الله عنه فقال:
اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا (( فتسقينا، وإنا نتوسل
إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون.
وهنا يأتي سؤال لماذا نقل الأمر من رسول الله إلي عم الرسول؟
بعض الناس يقولون هذا دليل على أن الميت لا يستعان به.
نقول لهم بل لأن رسول الله قد انتقل ولا ينتفع الآن بالماء..
ولكن عمه العباس هو الحي الذي
ينتفع بالماء..
والذين أرادوا أن يأخذوا التوسل بذوي الجاه.. نقول لهم:
إن ثبت أن التوسل جائز بمن ينتسب إلي رسول الله.
من عجيب هذه الآية:
"فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ"
.وهنا ينبغي أن نقف وقفة،
فالإنسان حين يستسقي الله يطلب منه أن ينزل
عليه ماء من السماء، والحق جل جلاله كان قادراً على إنزاله من السماء، ولكنه تعالى أرادها معجزة لبني إسرائيل فسقاهم من الحجر الذي تحت أرجلهم،
ليعلموا أن نبع الماء من متعلقات "كُنْ فيكون".
ولكن تعنتهم جعلهم يقولون لموسى عليه السلام:
هب أننا في مكان لا حجر فيه، من أين ينبع الماء؟ فلا بد أن نأخذ معنا الحجر
حتى إذا عطشنا ضربت الحجر وشربنا.
الخلاصة:
-1- تذكير بني إسرائيل المعاصرين بما أنعمه الله على أصولهم والفرع يتأثر بسلوك .
-2 إن الله تعالى لا تضره معصية العاصي
ولا تنفعه طاعة الطائع.
-3- تفجير الماء من الحجر، من المعجزات التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام ليعلم عباده ربط المسببات بأسبابها، لكي يسعوا إلى الأخذ بها.
-4- تحريف الكلام وتبديله صفة عريقة في بني
إسرائيل وحتي اليوم، يتفقون على شيء وغداً يحرفونه ويبدلونه.
-5- تقرير سنة الاستسقاء سواء بالصلاة أو بالدعاء لا غير.
6- - إباحة النعم والتمتع بها، والنهي عن المعاصي والإنذار بعقوبتها وأضرارها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق