الأمر بالإنفاق في سبيل
الخير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ(254)
عندما يبدأ النداء بقوله تعالى: "يا أيها الذين
أمنوا" إنما يدل على علي تكليف لمن آمن بالله، وليس تكليفا للناس على
إطلاقهم؛ لأن الله لا يكلف من كفر به، إنما يكلف
الله من آمن به، ومن اجتاز ذلك وأصبح في اليقين الإيماني فهو أهل لمخاطبة الله له.
إذن الإيمان هو حيثية كل حكم، فأنت تفعل ذلك لماذا؟
لا تقل: لأن حكمته كذا وكذا. لا. ولكن قل: لأن
الله الذي آمنت به أمرني بهذه الأفعال، سواء
فهمت الحكمة منها أو لم تفهمها.
بل ربما كان إقبالك
على أمر أمرك الله به وأنت لا تفهم له حكمة أشد في الإيمان من تنفيذك لأمر تعرف حكمته.
والله يقول: أنا لا أطلب منكم أن تنفقوا علي، ولكن أنفقوا من رزقي عليكم؛ لأن الرزق يأتي من حركة الإنسان، وحركة الإنسان تحتاج طاقة تتحرك في شيء أو مادة، وهذه الحركة تأتي على ترتيب فكر، وهذا الفكر رتبه من خلقه، فالإنسان يعمل بالعقل الذي خلقه الله، ويخطط بالجوارح التي خلقها الله لتأتي له بالطاقة التي يعمل بها في المادة التي خلقها الله لتعطي للإنسان خيرها .. فأي شيء للإنسان إذن؟
ومع ذلك إن حصل للإنسان خير من
هذا كله فهو سبحانه لا يقول: "إنه لي" بل أمنحه لك أيها الإنسان، ولكن
أعطني حقي فيه، وحقي لن آخذه لي ولكن هو لأخيك المسكين.
وإياك أن تقول: ما دخلي أنا
بالمسكين؟ عليك أن تعلم أن المسكنة عرض، والعرض من
الممكن أن يلحق بك أنت.
يقول لك: أعط المسكين وأنت غني؛
لأنه سبحانه سيقول للناس: أن يعطوك وأنت فقير،
فيكون مجتمعا متكافلا متضامنا.
والكلمة مأخوذة من مادة "النون والفاء والقاف"، ويقال: نفقت النوق أي انتهت
بسرعة وتم تبادل البضائع فيها بالأثمان المقررة لها، ونحن
نعرف أن التجارة تعني مقايضة بين سلع وأثمان.
والسلعة هي ما يستفاد بها
مباشرة. والثمن ما لا يستفاد به مباشرة. فعندما تكون جائعا
أيغنيك أن يكون عندك جبل من ذهب؟ إن هذا الجبل من الذهب أنت لا تستفيد منه مباشرة، أما فائدتك من رغيف الخبز فهي استفادة مباشرة، إذن فالذي يستفاد منه مباشرة اسمه سلعة، والذي لا يستفاد منه مباشرة نسميه
ثمناً.
والحق سبحانه ينبهنا أن ننفق من رزقه لنا من قبل أن يأتي اليوم الآخر الذي لا بيع
فيه؛ أي لا مجال فيه لاستبدال أثمان بسلع أو
العكس، وأيضا لا يكون في هذا اليوم "خلة"
ومعنى "خلة هي الود الخالص، وهي العلاقة
التي تقوم بين اثنين فيصير كل منهما موصلا بالآخر بالمحبة؛
لأن كلا منكما منفصل عن الآخر وإن ربطت بينكم العاطفة وفي الآخرة سيكون كل إنسان مشغولا بأمر نفسه.
إن اليوم الآخر ليس فيه بيع ولا شراء ولا فيه خلة ولا شفاعة، وهذه هي المنافذ التي يمكن للإنسان أن يستند عليها. فأنت لا تملك ثمنا تشتري به، ولا يملك غيرك سلعة في الآخرة، إذن فهذا الباب قد سد. وكذلك لا يوجد خلة أو شفاعة، والشفاعة هذه مأذون فيها. إن كانت ممن أذن له الله أن يشفع فهي في يد الله، ومعنى "شفيع" مأخوذة من الشفع والوتر. الوتر واحد والشفع اثنان، فكأن الشفيع يضم صوته لصوتي لنقضي هذه الحاجة عند فلان. فيتشفع الإنسان بإنسان له جاه عند المشفوع عنده حتى ينفذ له ما يطلب. ولكن هذه الوسائل في الآخرة غير موجودة. فلا بيع ولا خلة ولا شفاعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق