درجات الرسل عند الله وأحوال الناس
في اتباعهم
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ(253)
"الرسل" هي جمع لمفرد هو رسول". والرسول هو المكلف بالرسالة. والرسالة هي الجملة من الكلام التي تحمل معنى إلى هدف.
ومادام الرسل جماعة فلماذا لم يقل الحق"
هؤلاء الرسل" وقال "تلك الرسل"؟
ذلك
ليدلك القرآن الكريم على أن الرسل مهما اختلفوا فهم مرسلون من قبل إله واحد وبمنهج واحد.
وكما عرفنا من قبل أن الإشارة
بـ"تلك" هي إشارة لأمر بعيد. فعندما نشير
إلى شيء قريب فإننا نقول: "ذا"، وعندما نستخدم صيغة الإشارة مع الخطاب
نقول: "ذاك". وعندما نشير إلى خطاب مؤنث: "تيك". و"اللام" كما عرفنا هنا للبعد أو للمنزلة العالية.
إذن فقوله: "تلك الرسل" إشارة إلى الرسل الذين يعلمهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
والمناسبة هنا أن الحق قد ختم الآية السابقة بقوله: "وإنك لمن
المرسلين"، وهي تفيد بعضيته صلى الله عليه وسلم لكلية عامة، كأنه يقول: إياكم أن تظنوا أنهم ماداموا قد اتفقوا في أنهم مرسلون أو أنهم رسل الله،
أنهم أيضا متساوون في المنزلة، لا، بل كل
واحد منهم له منزلته العامة في الفضلية والخاصة في التفضيل..
وما هو التفضيل؟
التفضيل عند الله هو إيثار الغير بمزية بدافع الحكمة، أما المحاباة فهي إيثار الغير بمزية
بدافع الهوى والشهوة.
تلك
الرسل :
"منهم من كلم الله"
وساعة تسمع "منهم من كلم الله" يأتي في الذهن مباشرة
موسى عليه السلام، وإلا فالله جل وعلا قد كلم الملائكة.
إنه سبحانه قد حدد أولا موسى عليه السلام بالوصف الغالب فقال: "كلم الله"
وكذلك حدد سيدنا عيسى عليه السلام بأنه قد وهبه الآيات
البينات. وبين موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام قال
"ورفع بعضهم درجات"
وساعة يأتي التشخيص بالاسم أو
بالوصف الغالب، فقد حدد المراد بالقضية،
ولكن ساعة أن يأتي بالوصف ويترك لفطنة السامع فلا ينطبق قوله:"ورفعنا بعضهم
درجات" إلا على محمد صلى الله عليه وسلم
وحده.
وجاء بها سبحانه في الوسط بين
موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام، رغم
أنه آخر الأنبياء، ولكن منهجه صلى الله عليه وسلم هو الوسط..
فاليهودية قد أسرفت
في المادية بلا روحانية، والنصرانية قد أسرفت في الروحانية بلا مادية، والعالم يحتاج إلى وسطية بين المادية والروحية، فجاء محمد صلى الله
عليه وسلم، فكأن محمداً صلى الله عليه وسلم قطب
الميزان في قضية الوجود. وهذا أكثر من التصريح بالاسم.
ولو شاء الله لجعل البشر على طبيعة الملائكة لا
يتنازعون ولا يقتتلون ولكنّ الله حكيم يفعل ما
فيه المصلحة، وكلُّ ذلك عن قضاء الله وقدره فهو الفعال
لما يريد.
LTR>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق