الجمعة، 9 نوفمبر 2012


موت الأمم بالجبن والبخل وحياتها بالشجاعة والعطاء

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ(243)وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(244)  مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(245(

أراد الحق سبحانه وتعالى أن يلفتنا إلى أساس المسألة وهو أنه سبحانه واهب ، وهو الذي يأخذها.
ويعالج هذه المسألة بواقع سبق أن عاشه موسى عليه السلام مع قومه لأنها الأمة التي أتعبت الرسل، والأنبياء.
.

ملحوظة: القرآن لا يعطي تاريخا، ولا يحدد أشخاص القضية، والذين يتعبون أنفسهم في البحث عن تفاصيل تلك الأمور في القصص القرآني إنما يحاولون أن يربطوا الأشياء بزمن مخصوص، ومكان مخصوص وأشخاص مخصوصة.
نقول لهم: أنتم تريدون إضعاف مدلول القصة بتلك التفاصيل؛ لأن مدلول القصة إن تحدد زمنها، فربما قيل: الزمن الآن لم يعد يحتملها، وربما قيل: إن هذا المكان الذي وقعت فيه يحتمل حدوثها، إنما الأمكنة الأخرى لا تحتمل. وكذلك لو حددها بشخصيات معينة لقيل: إن القصص لا يمكن أن تحدث إلا على يد هذه الشخصيات؛ لأنها فلتات في الكون لا تتكرر.
إن الله حين يبهم في قصة ما عناصر الزمان والمكان والأشخاص وعمومية الأمكنة إنه ـ سبحانه ـ يعطي لها حياة في كل زمان وفي كل مكان وحياة مع كل شخص.
فالذين يحاولون أن يعرفوا زمن أهل الكهف ومكان أهل الكهف وأسماء أهل الكهف وكلب أهل الكهف. نقول لهؤلاء: أنتم تفقرون القصة.

لكن حينما أراد أن يشخص قال في مريم عليها السلام:
(ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)
لقد ذكرها الحق وذكر اسم والدها، ذلك لأن الحدث لن يتكرر في امرأة أخرى.

ونريد أن نقف موقفا لغويا عند قول الحق: "ألم تر"
ونحن نعلم أن الرؤية تكون بالعين، والسماع يكون بالأذن، ولكن الله وصلتهم بوسيلة السماع وليس بالرؤية.
ألم يصل إِلى سمعك يا محمد أو أيها المخاطب حال أولئك القوم الذين خرجوا من وطنهم وهم ألوف مؤلفة خوفاً من الموت وفراراً منه.
 والغرض من الاستفهام التعجيب والتشويق إِلى سماع قصتهم، وكانوا سبعين ألفاً وهم قوم من بني إِسرائيل دعاهم ملكهم إِلى الجهاد فهربوا خوفاً من الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم بدعوة نبيه  "حزقيل" فعاشوا بعد ذلك دهراً، وقيل: هربوا من الطاعون فأماتهم الله.

وساعة تسمع "يقرض الله" تعلم أن الله سبحانه يريد أن ينبهنا بكلمة القرض على أنه يطلب منا عملية ليست سهلة على النفس البشرية،
والقرض في اللغة معناه قضم الشيء بالناب، وحتى يبين للناس أنه يعلم صعوبتها جاء بكلمة "يقرض"
 إنه المقدر لصعوبتها، ويقدر الجزاء على قدر الصعوبة.
وما هو القرض الحسن؟ وهل إذا أقرضت عبداً من عباد الله لا يكون القرض حسنا؟

أولا إذا أقرضت عبداً من عباد الله فكأنك أقرضت الله، صحيح أنت تعطي الإنسان ما ييسر له الفرج في موقف متأزم، وصحيح أيضا أنك في عملية الجهاد لا تعطي إنسانا بعينه وإنما تعطي الله مباشرة، وهو سبحانه يبلغنا: أن من يقرض عبادي فكأنه أقرضني. كيف؟
لأن الله هو الذي استدعى كل عبد له للوجود، فإذا احتاج العبد فإن حاجته مطلوبة لرزقه في الدنيا، فإذا أعطى العبد لأخيه المحتاج فكأنه يقرض الله المتكفل برزق ذلك المحتاج.

 وقوله تعالى: "يقرض الله" تدلنا على أن القرض لا يضيع؛ وأنه هو الذي سيقترض منك، وأنه سيرد ما اقترضه، ليس في صورة ما قدمت وإنما أضعافا مضاعفة، بمقاييس الله عز وجل لا بمقاييسنا كبشر.

والتعبير بالقرض الحسن لابد أن يكون من حلال، ولذلك قيل للمرأة والقرض ثوابه أعظم من الصدقة، لأن الألم في إخراج الصدقة يكون لمرة واحدة فأنت تخرجها وتفقد الأمل فيها، لكن القرض تتعلق نفسك به، فكلما صبرت مرة أتتك حسنة، كما أن المتصدق عليه قد يكون غير محتاج، ولكن المقترض لا يكون إلا محتاجا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق