إحــــراج
وصل متأخرا.. رشقه رئيس السعاة بنظرة نارية، وأفسح لفمه
أن يخرج مخزون الشتائم.
نكس عامل الأسانسير رأسه وأخذ يعتذر ويشرح سبب تأخره:
- كنت أشتري الخبز
لأولادي.. المخبز مزدحم وعطلني، بعدها المواصلات مزدحمة وكسرت عظامي.
- خصم يومين.. مبسوط؟
مسح دمعتين سالتا ملتهبتين مرددا في نفسه:
- أحرجني وضيع رزق عيالي
" حسبي الله ونعم الوكيل"
** * *
- هرول رئيس السعاة إلي مكتب مدير الأمن
فور استدعائه.. والذي بادره:
- أنت رجل مهمل.
- لماذا ياأفندم..؟
- تأتيني عنك أخبار لا تسر.
- كلها شائعات والله.
- كيف ذلك.. عندك لفت نظر.. أتفهم..؟
ازدرد رئيس السعاة ريقه:
- حاضر يا أفندم .. إن شاء الله
أكون عند حسن ظنك.
انصرف تكاد الدمعة تفر من عينيه.. مرددا في نفسه:
- آخر خدمة الغز.. "حسبي الله ونعم
الوكيل"
* * *
- مر رئيس مجلس الإدارة علي الأدوار
والغرف وصاح:
- حتي الآن لم يحضر الموظفون.. فوضي.. أين
المسئول..؟
مثُل مدير الأمن بين يديه في الحال.. واصل رئيس مجلس
الإدارة صراخه:
- أين الضبط والربط في المؤسسة يا حضرة ..؟
- سوف أفعل ما يرضيك يا سعادة البيك.
- وأين كنت من قبل..؟
- موجود.
- احذر غضبي، وإلا سيكون لي معك شأن آخر.
- تحت أمرك يا افندم.. ستري ما يرضي
سعادتك.
انسحب يجفف عرقا ودموعا تراود نفسها.. ويردد:
- كنا لواءات وقادة.. "عجبي لهذا
الزمن المقلوب"
* * *
عاد رئيس مجلس الإدارة إلي مكتبه يقلب صفحات المجلة
الأسبوعية ويصيح:
- موضوعات تافهة .. صحافة مباعة.
- نادوا لي علي رئيس التحرير.. حالا ..حالا.
كابد رئيس التحرير لكي يمتص انفعالاته وهو لا يكف:
- كلام فارغ،
موضوعات معادة ومملة، صورعارية ولا مضمون، البلد مليئة بالمشكلات الجديرة بالبحث
يا أستاذ.
هز ريئس التحرير رأسه موافقا ثم جمع صوته.. وقال:
- أمرك يا أفندم..
سوف أحاسب المحرر الذي كتب الموضوع بشدة.. ثم تصنع بسمة يداري بها ندي جبينه..
وقال:
- لا تغضب يا
افندم.. أنت مسافرغدا مع الرئيس في رحلة مصيرية.. نرجو لها التوفيق .. واستدار
مرددا في نفسه:
-
"ما له اليوم يشاكس ذباب وجهه"
* * *
في الطائرة ركن الرئيس ظهره إلي مسند المقعد وقال:
- ما رأيك يا .......... أريدك أن تقدم
استقالتك من منصب نقيب الصحفيين.
- ماذا تقصد يا افندم..؟
- لا داعي لأن تدخل
انتخابات النقيب القادمة.
كتم رئيس مجلس الإدارة شهقته.. وقال:
- لماذا يا افندم..؟ والقانون يسمح بدورتين..!!
- هذا يكفي.. أنت
الآن كارت محروق.. والتجاوزات التي حدثت في عهدك تطالبك بضرورة الاستقالة.
- ولكن يا افندم.
رد الرئيس بحزم:
- نفذ الأوامر.
خنقت الدموع صوته.. ولكنه تجلد وقال:
- رهن إشارتك يا افندم..
ما دامت المصلحة العامة تقتضي..
- ثم نكس النقيب السابق رأسه.. خلع نظارته يمسح
زجاجها.. فرك عينيه وابتلع ماء ملحيا متجمعا في حلقه.. وقال في نفسه:
- "يا شماتة الأعادي
فيك".
* * *
جلس الرئيس مع رئيس الدولة العظمي، احتدت بينهما
المناقشة، راوغ رئيس القوي العظمي كثيرا حتي قذف بها في غطرسة:
- لا سلام في المنطقة إلا بشروطنا.
صدم الرئيس بالمنطق المنحاز وقال:
- كنت أظنكم تحمون الحق،
وتناصرون القضية..
- نحميه بمنطقنا.
- علي كل حال..........
وخنقته دموعه علي الوطن الذبيح.. وضاع صوته فلم يكمل
عبارته، رغم حرصه علي عدم اظهار ضعفه.
كان عامل الأسانسير
يجلس أمام التليفزيون، يتسلي باللب والترمس مع أولاده الملتفين حوله في سعادة
بالغة، حينما شاهد رئيس الدولة العظمي علي الشاشة منكس الرأس، والدموع تبرق في
عينيه، وهو يستمع إلي اعترافات البنت الشقية.. ذات الفستان الأزرق.
..................................
أصوات معاصرة/ابريل
2001
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق