ضرب الأمثال للمنافقين
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ(17)صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ(18)أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ(19)يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20).
ومن عجائب القرآن أيضا ضرب الأمثال وهنا يضرب الله تعالى مثلين وضَّح فيهما خسارتهم الفادحة فقال :
الغاية من ضرب الأمثال تقريب
البعيد ، وتوضيح الغامض حتي يصبح كالأمر المشاهد المحسوس، وللأمثال تأثير عجيب في
النفس
يقول الشيخ الشعراوي:
يريد الحق سبحانه وتعالى
أن يقرب صفات التمزق في المنافقين إلي فهمنا، ولذلك فهو يضرب لنا الأمثال.
ولكي يسهل هذا المعنى عليك فإنك لا تستطيع أن تشاهد معركة
بين قلبين .. لأنها مسألة غيبية.. فتأتي بشيء مشاهد وتضرب به المثل .
وبذلك يكون المعنى قد قرب .
وضرب لنا الأمثال فيما يمكن أن
يفعله الكفر بالنعمة فيقول تعالي:
مثالهم في نفاقهم كحال
شخص أوقد ناراً ليستدفئ بها ويستضيء، فما أن اتقدت حتى انطفأت، وتركته في ظلام دامس وخوفٍ شديد.
فبعد أن أبصر، واستأنس بتلك
النار المشعة المضيئة أطفأها الله بالكلية، فهم يتخبطون ولا يهتدون.
# هل استطعت أن تتخيل الصورة بل تراها أمامك مجسدة، فتري قوما يضعون
أطراف أصابعهم في آذانهم ويغمضون عيونهم وينكفئون علي وجوههم والبرق والرعد يحيط
بهم من كل جانب وهم بتلك التصرفات يعتقدون أنهم يحمون أنفسهم.
وزيادة في تخبطهم أن هذا البرق
أحيانا ينير لهم الطريق فيمشون في ضوئه خطوات قليلة، وأحيانا يظلم ويفتر لمعانه فيثبتون في مكانهم .
قال الشهيد سيد قطب:
هنا حشد من الصور المتتابعة في
شريط متحرك : ها هم قد أوقدوا النار فأضاءت وفجأة يذهب الله بنورهم، ويخيم حولهم
الظلام، وها هي ذي العاصفة صيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق، وهؤلاء مذعورون
يتوقعون الصاعقة، ويخافون الموت، فيجعلون أصابعهم في آذانهم، وما تغني الأصابع في
الآذان، ولكنها حركة الغريزة في هذا الأوان، وها هو ذا البرق يخطف البصر، ولكنه
ينير الطريق لحظة، فهم يخطون علي ضوئه خطوة وها هو ذا ينقطع فيظلون واقفين، لا
يدرون كيف يخطون.
ويقول:
لو سجلت عدسة الصور المتحركة
مشهدا كهذا بما فيه من الحركة والتتابع لكانت موفقة كل التوفيق. فكيف والمنظر هنا
تسجله الألفاظ، فلا تنقص منه حركة واحدة تستطيع عدسة المصور المتحركة إثباتها؟ لا
بل تتيح للنفس متعة أشهي بأن تدع للخيال عملا، وهو يرسم الصور ويمحو، ويصنع
الحركات ويتبعها ،ويرسم الظلال ويشهدها. والنفس تجيش والوجدان ينفعل، والقلب يسرع
في النبضات
فائدة: (مثلهم
كمثل الذي استوقد نارا )
شبه سبحانه الايمان بالنار ..
لماذا ؟
أولا : كما أن النار إذا عرضت عليها الذهب المغشوش
أحرقت كل ما فيه من الغش، وبقي جوهر الذهب سليما عن الاحتراق، فكذلك يوم القيامة،
إذا عرض المذنب على النار أحرقت ذنوبه ومعاصية، وبقي إيمانه سليما من الاحراق .
ثانيا : إن النار تحرق كل شيء، وكذا الايمان إذا
قوي نوره أحرق ما سوى محبة الله تعالى عن القلب.
لطيفة: قال
العلامة ابن القيم: تأمل قوله تعالي :
(ذهب الله بنورهم) ولم يقل ذهب الله بنارهم ليطابق
أول الآية (استوقد نارا) فإن النار فيها إشراق وإحراق، فذهب الله بما فيها من
الإشراق وهو النور وأبقي ما فيها من الإحراق وهو النارية !!
وتأمل كيف قال بنورهم ولم يقل بضوئهم، لأن
الضوء زيادة في النور فلو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون
الأصل!!
وتأمل كيف قال ( ذهب الله بنورهم ) فوحد
النور ثم قال:
(وتركهم في ظلمات) وجمع ظلمات لأن طرق الباطل
متعددة ومتشعبة، بينما الحق واحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق