الإنفاق بالطيِّب من الأموال
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ
مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
غَنِيٌّ حَمِيدٌ(267)
نجد التشبيه القرآني الذي يصور المعنوي بالمحسوس فتتخيله شاخصا أمامك حين يضرب لنا المثل الذي يوضح الصنف الثاني من المنفقين في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله كمن دخل جنة كثيفة الزرع بمكانٍ مرتفع من الأرض، وخُصَّت بالربوة لحسن شجرها وزكاة ثمرها ومعنى ذلك أنها محاطة بأمكنة وطيئة ومنخفضة وتقدم العلم الحديث كشف لنا آثار المياه الجوفية على الزراعة.
ذلك، إن
الجنة التي بربوة تستقبل المياه التي تنزل عليها من المطر، وتكون لها مصارف من جميع الجهات الوطيئة التي حولها، وترتوي هذه الجنة بأحدث ما توصل
إليه العلم من وسائل الري.
إنها تأخذ المياه من أعلى، أي من المطر، فتنزل
المياه على الأوراق لتؤدي وظيفة أولى وهي غسل
الأوراق ـ التي هي مثل الرئة بالنسبة للإنسان مهمتها التنفس،
فإذا ما نزل عليها ماء المطر فهو يغسل هذه الأوراق مما
يجعلها تؤدي دورها فيما نسميه نحن في العصر الحديث بالتمثيل الكلوروفيلي.
وبعد ذلك تنزل المياه إلى الجذور لتذيب العناصر اللازمة في التربة لغذاء
النبات، فتأخذ الجذور حاجتها من الغذاء المذاب
في الماء، وينزل الماء الزائد عن ذلك في المصارف المنخفضة.
وهذه أحدث وسائل الزراعة الحديثة، واكتشفوا أن المحصول يتضاعف بها
ضعفي ثمر غيرها من الأرض وهذه
الجنة إِن لم ينزل عليها المطر الغزير فيكفيها المطر الخفيف أو يكفيها الندى لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها فهي تنتج على كل
حال.
ثم يسأل أيحب أحدكم أن تكون له حديقة
غناء فيها من أنواع النخيل والأعناب والثمار الشيء الكثير،
تمر الأنهار من تحت أشجارها، ينبت له فيها جميع الثمار ومن كل زوج بهيج.. وهذا الذي يتمني الجنة شيخ
فضعف عن الكسب وله أولاد صغار لا يقدرون على الكسب وهكذا تكون نفسه معلقة بعطاء
هذه الجنة.
إننا
أمام رجل محاط بثلاثة ظروف.
الظرف الأول: هو الجنة التي
فيها من كل خير.
الظرف
الثاني: هو الكبر والضعف والعجز عن العمل.
والظرف
الثالث: هو الذرية من الضعفاء.
فيطيح بهذه الجنة إعصار فيه نار فاحترقت، فأي حسرة يكون فيها الرجل؟ إنها حسرة شديدة. كذلك تكون حسرة من يفعل الخير رئاء الناس.
والإعصار
كما نعرف هو الريح الشديد المصحوبة برعد وبرق ومطر وقد يكون فيه نار، هذا إذا كانت الشحنات الكهربائية ناتجة من تصادم السحب أو
حاملة لقذائف نارية من بركان ثائر.
هكذا
يكون حال من ينفق ماله رئاء الناس. إنها الفجيعة الشديدة.
المناسبة(267):
هذه
الآية تعطي صورا تحدث في المجتمع البشري.
وكانت تحدث في مجتمع المدينة بعد أن أسس فيها رسول الله (صلى) دولة الإسلام
فبعض من
الناس كانوا يحضرون العذق من النخل ويعلقه في المسجد من أجل أن يأكل منه من يريد.
والعذق هو فرع قوي من النخل يضم الكثير من
الفروع الصغيرة المعلقة عليها ثمار البلح.
وكان
بعضهم يأتي بعذق غير ناضج أو بالحشف وهو أردأ التمر.
فأراد
الله أن يجنبهم هذا الموقف،ويوضح لنا أوجه الإنفاق:
إن
النفقة لا تنقص المال وإنما تزيده سبعمائة
مرة.
إن
النفقة لا يصح أن يبطلها الإنسان بالمن
والأذى.
إن
القول المعروف خير من الصدقة المتبوعة بالمن أو الأذى.
إن
الإنفاق لا يكون رئاء الناس إنما يكون ابتغاءً لمرضاة الله.
فهذه الآيات الكريمة تعالج آفات الإنفاق سواءً آفة الشح أو آفة المن أو
الأذى، أو الإنفاق من أجل التظاهر أمام
الناس، أو الإنفاق من رديء المال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق