إنى أعترف
قبل أن أبدأ فى سرد
قصتى أعلم أنكم لن تصدقونى، ستقولون هل من المعقول ونحن على مشارف القرن
الحادى والعشرين ، والبنت اليوم تعرف
طريقها ، وتفعل ما تريد ، هل توجد أسرة فى هذا الزمان على هذه الدرجة من
التزمت ؟
ولكنها الحقيقة
المرة التى عشتها حصلت على دبلوم
التجارة بعد المعاناة والتعب فعلى الرغم من أن أسرتى تقيم بالقاهرة إلا أنهم ما
زالوا لا يؤيدون تعليم البنات ولأننى كبرى
أخواتى البنات فأنا حقل التجارب، وقد نالنى من العذاب الضرب والمنع من الخروج والنظر من النافذة،
ولأننى أحمل من الإصرار والتصميم ما أتاح لى الحصول على الدبلوم، وله قصة فقد ذاكرت الإبتدائية والإعدادية فى المنزل
ولا أخرج إلا إلى الإمتحان بصحبة والدى، يسحبنى فى يده مثل كلب لولو، ويجلس على
الرصيف ينتظرنى مثل كلب بوليسى
وعدت أهلى أن أكون
مثال البنت المطيعة المستقيمة لا ألتفت يمينا ولا شمالا حتى ولا لتفادى صدام مركبة
فى طريق ذهابى أو عودتى من المدرسة، ولأنه ليس عندنا بنات تذهب إلى الجامعة لا
مانع من أن أختصر الطريق وأقدم أوراقى فى الثانوى التجارى كل هذه المبررات لم تجد مع الأهل الغلاظ وكان
نصيبى على الإلحاح علقة ساخنة كسرت عظامى وورمت لحمى وأرقدتنى فى السرير
لأسبوعين متتاليينلم أكف خلالهما عن
البكاء والتوسل حتى رق قلب أمى على استحياء ولانت ملامح أبى ووافق على ذهابى إلى
المدرسة بشروط أكثر قسوة
رغم الموافقة فقد
قدم أبى أوراقى فى المدرسة الثانوية التجارية وهو ضجر متأفف،وكانت والدتى أكثر
ضيقا منه، وأنا فى سبيل الخروج من هذا السجن قليلا من الوقت لا أملك إلا الموافقة،
ومن أجل الاستمرار وحتى لا أتعرض للحبس فى أية لحظة لا أملك إلا الإلتزام واستطعت كسب ثقتهما باستقامتى فى المدرسة
وبطاعتى فى البيت، وكان على أن أقوم بكل أعمال المنزل قبل الذهاب إلى المدرسة وقبل
الجلوس للمذاكرة
ولأننا أسرة أكثر من
محافظة كما علمتم فهل من المعقول أن يدخل أبى ما يسمى بالتليفزيون بيتنا لكنه لا
يرى ضررا من المذياع لأن الاستماع غير المشاهدة، ولكن لو سمعتنى أمى أردد أغنية
لعبد الحليم أو شادية تصرخ
اخرسى يابنت قلة أدب
فأخرس على الفور
وإلا انتفخ صدغى وازرقت عيناى فى الحال، ثم ينالنى سيل من السباب واتهام المدرسة
بأنها سبب إفسادى وقلة حيائى و
كان لابد أن أصمد
فأية بادرة شكوى من الإرهاق فى المنزل مع كثرة الدروس سيكون ردها الراحة من تلك
التى ترهقنى ولا جدوى من ورائها فالبيت هو مصير كل فتاة، وما أقوم به من سخرة ما
هو إلا لتدريبى لأن أكون ست بيت ناجحة تسعد زوجها وأولادها وهذا هو مستقبلى
الحقيقى
مرت السنوات الثلاث،
ونجحت بتفوق وقبعت فى البيت انتظارا للعريس
وجاء أو بمعنى أصح جاءت به أمى، ورحب أبى ابن أختها
لم تكن لدى فكرة
كاملة عن ابن خالتى، فليس من طبع أمى أن تسمح لى بالجلوس والتحدث مع من يأتون
لزيارتنا ولو من النساء
فأنا خام
حتى عن ابن خالتى ثروت والخميس القادم سوف يحضر الشبكة ويقرأ الفاتحة
أعترف أننى لم أحزن
لهذا الخبر ولماذا أحزن وهو باب
للخلاص ؟ ثم إنه شاب جامعى ولا يمكن أن
يتقدم لى أفضل من هذا، ويمتلك شقة اشتراها له والده عندما إلتحق بجامعة القاهرة،
يعيش فيها بمفرده وسوف تكون عش الزوجية بعد أن ينهى تعليمه الجامعى، أما من ناحية
الشكل فليس به عيب، بل أن له ميزة أنه ابن خالتى، وخالتى هذه أحبها وتحبنى وكانت
تنصفنى أمام أمى فى المرات القليلة التى كانت تزورنا فيها آتية من القرية، سمعتها
ذات يوم تقول لأمى
ولا فى الفلاحين
يحدث هذا ياأختى
فمن الطبيعى أن
تخطبنى لابنها ما دامت تحبنى
تكلمت كثيرا مع نفسى
أقنعها وأمنيها بالمستقبل السعيد مع الزوج المتفهّم المثقف وامتد الحلم لأولادى
الذين سيعيشون فى قرن جديد بإسلوب جديد
أيام سعادتى وشهر
عسلى عشته فى خيالى وأحلامى وتمنياتى حيث لم تكن لى علاقة بابن خالتى، طوال فترة
الخطبة و فجأة عقد القران فى حفل عائلى
ثم بدأت العلاقة و كم كانت دهشتى
إنه صورة طبق الأصل
من أبى ومن أمى صحت به
أنت مثلهما
ويزد
هذه هى الأصول ألم
نترب على الأصول
إذن فأنا فى الحلقة
المفرغة نفسها ولافكاك سألت نفسى هل أنا مفروضة عليه هل يكرهنى
ألم يقتنع بى هل توجد أخرى فى
حياته ؟
لابد أن أواجهه بهواجسى فى أول فرصة
وكأنه قرأ
اعماقى انتحى بوالدى فإذا بأمى تأمرنى بالخروج معه، وأبى يعلق
أنت امرأته ومن حقه
أن يأخذك إلى بيته فى أى وقت
كنت فى نشوة جديدة
علىّ، طائرة من السعادة سوف أطلب منه الذهاب إلى النيل، وسوف يمسك يدى، وأكيد
سيقول لى أحبك ، واحترت هل أقول له أنا أيضا أحبك أم أخجل وتحمر وجنتاى ؟
عندما خطونا معا
أولى خطواتنا فى الطريق، وإحساسى يحلق فوق السحاب، وبجوارى شاب وسيم مثقف هو فارس
أحلامى جاء نى صوته عذبا
أتعرفين إلى أين
سنذهب ؟
أى مكان يحلو لك
إلى شقتى، والتى
ستكون شقتك بعد قليل
ولكن لا يصح أن أذهب
إليها الأن انتظر فيما بعد
هل أنت خائفة ؟
بالتأكيد لابد أن أخاف
لا تكونى سيئة الظن إنك زوجتى على سنة الله ورسوله وقد وعدت
خالتى أن أحافظ عليك
وهل تعلم أمى أنك
تأخذنى إلى شقتك
أنا معك هذه المرة
فقط لأنك لا تعرفين البيت أما بعد ذلك سيكون لك مفتاحك وتذهبين وحدك عندما أكون فى
الجامعة
ولماذا ؟ ما يستدعى ذهابى إلى شقتك وأنت فى الجامعة
لكى تنظفيها
ماذا ؟
سوف أعرف مدى
مهارتك أنا فى السنة النهائية، وهذه
الأعمال تأخذ وقتا طويلا والمذاكرة أولى به، ولما أخبرت أمى بهذه المشكلة أشارت
بأن أطلبك من خالتى، ولكن خالتى قالت لا يمكن أن تذهبى إلى بيتى قبل عقد القران
على الأقل و و
ظل يتكلم ويتكلم
لكننى ما عدت أسمع ولا أعى، ولا أدرى من أين أتت لى هذه الشجاعة التى جعلتنى
استدير وبأقصى سرعة أنطلق استرجع الخطوات التى مشيناها حتى ارتميت فى حضن أمى
صحيح كل هذا يا
أمى ؟
صحيح ابن خالتك وليس له أحد فى القاهرة غيرنا ثم إنه زوجك وله عليك حق الطاعة
انسحبت إلى
حجرتى لازمت فراشى طوال اليوم التالى،
ادعيت المرض وأظننى فعلا مريضة، أمضيت
اليوم أبكى وأندب حظى، وفجأة دهمنى خاطر انتفضت على اثره أنظر فى المرآة أكدت لى المرآة الخاطر، أنا فعلا دميمة وإلا
فلماذا ترضى لى أمى بالإهانة وهى التى تحرص علىّ طوال عمرى بالتأكيد تخشى أن
يتركنى ابن خالتى فلا تجد من يتزوجنى
قدحت زناد فكرى فأكد لى أنه لم يسجل يوما كلمة إطراء لجمالى، ولم أسمع كلمة
حلوة من مخلوق إذن فهذه المرآة تكذب على
طوال السنوات الماضية كنت أرانى على
صفحتها جميلة بل أتفوق على كثير من الزميلات اللاتى نلن حظا أفضل فى الدنيا، اليوم
فقط تقول الحقيقة إذن حمدا لله أن رضى
أحدهم الزواج بى وهو ابن خالتى يبدو أنه رضى تحقيقا للمثل القائل البايرة على بيت أبوها
مرت الأيام وأنا
أذهب يوميا إلى شقة ابن خالتى أقصد زوجى
كما أفهمتنى أمى وله على حق الطاعة ، ولكن بعد أن يغادرها ، أيضا كما أوصتنى أمى
أنظف الشقة وأرتبها وأطبخ له ما يناسبه من الطعام الذى كتب لى اسمه فى ورقة يضعها
على المنضدة، وإذا فكرت أن أعرف منه ردا أو استفسارا عن شىء فيكون بالطريقة نفسها،
ثم أجمع ملابسه فى حقيبة أحملها إلى بيتنا أغسلها وأعيدها فى اليوم التالى نظيفة
مكوية
أقنعت نفسى بأن هذا
هو الوضع الطبيعى لظروفى، إنسانة دميمة الخلقة نصف متعلمة وجدت من يرضى بها زوجة،
فلماذا لا تفعل ما يرضيه، وغاية ما أحلم به أن يقول لى شكرا، أديت لى خدمة وفرت
وقتا يساعدنى على النجاح، فأنت شريكتى فى النجاح لم يحدث وإذا حضر يوما قبل أن أغادر يظل يلقى
بأوامره
جئت مبكرا خصيصا
لأنك لم تعتنى بنظافة هذا المكان ولم تلمعى هذا الجزء أطيع واعدنى سعيدة الحظ
انتهى ثروت من
دراسته نجح بتفوق ، لكنه لم يطلب إتمام الزواج، فهمت أنه يجب أن ينتظر سنوات حتى
يكون نفسه ليتمكن من فتح بيت وهنا جاءنى
خاطر جرئ لماذا لا أشتغل أنا الأخرى لكى
أختصر هذه المدة وماداموا قد سمحوا لى بالخروج يوميا إلى شقة ثروت فلابد أن يسمحوا
بالخروج إلى العمل ، أما الذى يجب أن يعيننى على هذا الأمر فهو ثروت نفسه
هذا اليوم تأخرت فى
شقته متعمدة، بذلت جهدا مضاعفا حتى أجعل كل شىء يلمع، وتفننت فى الطعام، ولما جاء
واطمئن إلى أن كل شىء كما يحب بدأت أتكلم، فإذا بحلقى يجف ولسانى يتلعثم وأطرافى
ترتعش وإذا بى لا أحتاج إلى الحجج التى
أعددتها لإقناعه فلم أكد أتكلم حتى قال
وماذا فيها ؟ العمل ليس عيبا على الأقل تتسلى وترى
الدنيا
قلت من خلال انفاسى
المتقطعة
وأبى، وأمى
فهمت أتركيهما على أنا اليوم راض عنك لأنك تعبت فى الشقة
وفرحت كدت أنحنى على
يده أقبلها فرحت وأنا لم تغمرنى فرحة من
قبل فرحت أكثر أن هناك من يتحدث يدلا
منى، من يرضى عنى ، من يستجيب لطلبى قال
أبى وهو يبرر موافقته
على كل حال هو زوجك
وحر فيك
وكأن القدر كان فى
الانتظار ليرينى من صنوفه وفنونه ساعدنى
ثروت فى الحصول على وظيفة بمؤهلى عند
أحد معارفه حتى أكون فى الحفظ والصون تسلمت
عملى فى إحدى الشركات وأمضيت اليوم الأول وسط عيون متسائلة بسؤال مبهم ومدير غير
مرحب ولا أعرف لماذا رغم أننى أجبت على كل أسئلته إجابات وافية وكتبت له على الألة
الكاتبة بالسرعة المناسبة فقد كنت متفوقة فيها جدا
انصرفت أخر اليوم
وبداخلى سؤال لم يفسد سعادتى، وعند باب بيتى وقبل أن أدخل سمعت من تنادينى، احتميت
بحديد الباب ورميت نظرة خاطفة فوقعت على فتاة تعرفت عليها اليوم فى العمل الجديد
اقتربت منى وقالت
أتسكنين هنا ؟
نعم
إذن نحن جيران بيتى فى نهاية الشارع، باكر أمر عليك ونذهب
معا إلى الشركة
فى الصباح وقبل
الموعد كانت تدق الجرس، فتحت لها أمى
بادرت البنت بتقديم نفسها
اسمى سناء أعمل
بالشركة منذ ثلاث سنوا، اكتشفت بالمصادفة قرب المسكن ووجدتها فرصة أن نذهب ونعود
معا،
كانت فى كلامها
واضحة وصريحة وتسد كل الذرائع قبل أن يتسرب الشك إلى نفس أمى وأنا مشدودة الأعصاب
أنتظر رد فعل أمى، حتى سمعتها تقول أهلا يا بنتى تفضلى
نظرت إلىّ سناء
متفحصة وقالت موجهة كلامها إلى أمى
اسمحى لى يا طنط أن
أشكو ابنتك بالله عليك هل هذا لبس تقابل
به المدير العام والزائرين ؟ وقبل أن تتفوه أكملت
هل هذا فستان ؟ أهذا
حذاء ؟
قالت أمى
لا بأس أخرجى فستانا
جديدا من جهازك
كانت يد سناء تسبق
يدى بالبحث فى الدولاب ترمى هذا وتطرح ذاك ولا يعجبها شىء وأنا أقول
كلها جديدة ، هذه
ملابس الفرح
وهى تلوى بوزها
يمينا وشمالا ثم رفعت فستانا أمام عينيها، وقالت
هذا ممكن هل عندك حذاء جديد ؟
قلت نعم وأسرعت به
إليها قالت
وبلا كعب أيضا إذن نشترى حذاء فى طريقنا
شعرت أن أمى ستعترض
فلحقتها
لا تدفعى لها شيئا
أنا اسلفها حتى تعتنى بنفسها ، وأكملت لماذا لا تكونى مهندمة مثل والدتك
الغريب أن أمى قالت
كثيرا ما أقول لها
هذا
أعادت سناء توضيب
شعرى بيدها ثم وضعت لمسات خفيفة على وجهى لا تكاد تحس ولكنها أعطت نضارة لا يوصف
أنطقت أمى مبهورة
والله اتعدلت يا بنت
فى طريق الذهاب
اشترت لى صديقتى حزاما للفستان وقطعة اكسسوار علقتها بيدها فوق القلب، كما اشترت
حذاء وتركت القديم أمانة بالمحل لحين عودتنا
أما فى العودة فقد اشترت لى أيضا بلوزتين قائلة
تتبادلان على الجيب
السوداء التى رأيتها عندك ثم ضحكت وقالت
ضاع أول راتبك يا جميل
لا يفوتنى أن أصف رد
الفعل عندما رأنى المدير والزملاء، أحد الزملاء صفر صفارة طويلة منغمة وقال
والله هى ، كانت
بالأمس متنكرة
أما المدير فتلعثم
وهو يقول
ولماذا بالأمس هل كنت لا ترحبين بالعمل معنا ؟
ثم نقلنى على الفور
إلى مكتبه لما رأتنى رفيقتى مرتبكة همست
فى أذنى
ثقى فى نفسك
الجملة التى قالتها،
وإصرارها فى طريق العودة على أن تشترى لى البلوزتين أكدا لى أنها فتاة طيبة بالفعل
فى البيت قررت ألا
أغير ملابسى إلا بعد أن يرانى ثروت، لكنه لم يأت هذا المساء ، فاضطررت لأن أغير
الفستان وأنام وأحلم بالعمل وبالفستان وبثروت وبالمدير وبصديقتى وكل الزملاء
والمستقبل فى الصباح جاءت سناء أيضا
مبكرة، وقفت معى تصلح من شأنى وتضبط هندامى وتضع لمساتها على شعرى ووجهى واطمأنت
على كل شىء وانطلقنا إلى العمل الذى أيضا تقف بجانبى فيه وتوجهنى، إلى كل شىء وتلفت
نظرى لما يجب أن أفعله، كل هذا متطوعة ومخلصة وأكثر من هذا كسبت ثقة أمى فكان كل
شىء يتم بسهولة وبموافقتها، وأبى أيضا لم يجد ما يعترض عليه بل هو سعيد بأن هناك
من تذهب وتعود بى
أسبوع فى العمل كل
يوم اسمع إطراء لأناقتى، لفستانى، لبلوزتى، لتصفيف شعرى لخجلى الذى لا يوجد مثله
والذى يضفى على سحرا أخاذا ولم يأت ثروت
خلال هذا الأسبوع، ولم تفارقنى سناء التى سألتها فى طريق عودتنا لماذا تفعلين معى
كل هذا قالت
لأنك صعبت علىّ لا
يوجد مثلك هذه الأيام، رأت الزملاء فى أول يوم يتبارون عليك لتلقيفك بينهم رأيتك
ستضيعين فى هذه الدنيا وتكونين محل سخرية من الجميع، وأولهم زوجك، الرجل لا تعجبه
هذه النوعية وإن تزوجها صمتت وتساءلت
هل هو مثلك ؟ تقولين إنه ابن خالتك على كل حال قدرالله هو الذى خدمك فلولا أننى
اكتشفت بالمصادفة قرب السكن لما تمكنت من عمل شىء ولكنت الأن فى صفوف المتفرجين
عليك، وقبل أن أشكرها قالت
سآخذك فى جولة وسط
البلد لترى بنفسك كيف تلبس البنات وكيف يمشين ويتحدثن، وماذا تعرض الفترينات من
أشكال وألوان حتى لا تعترضى أو تترددى على أى شىء أفعله لك
فى جولتنا كنت
كالخارجة من الكهف أشهق كلما رأيت عرضا
لفستان فاضح أو لقطعة ملابس داخلية ، وقامت سناء بدور المرشدة السياحية لسائحة من
أعماق الأدغال، وفجأة وأنا فى رحلة الدهشة صاح أحدهم من خلف أذنى
هالو سناء
التفتت على الفور
وأنا معها ثم صاحت
هالو رمزى أين أنت
بل أين أنت ، لم أرك
منذ زمن طويل
فعلا وحشتنى
جدا نتقابل اليوم ؟
يا ليت أين ؟
فى النايت كلوب
وهو كذلك من هذه الأمورة ؟
صديقتى، وزميلتى فى
الشركة
سوف تأتى معك بكل
تأكيد
طبعا سأحضرها معى
إلى اللقاء
إلى اللقاء
وتهت فيما رأيت ،
وفيما سمعت وفى كلمة أمورة ، وصحوت على صوتها
فى ماذا تفكرين ؟
هل ستأخذيننى معك
فعلا
طبعا
إلى أين ؟
ملهى ليلى
أنت تذهبين إلى ملهى
ليلى ؟
أنا لست منحرفة ،
يوم فى الشهر أو الشهرين أسهر ليلة سهرة بريئة
يجب أن تعرفى ما يدور حولك
أمى لن توافق
اتركى الأمر على،
سأخبرها أننا معزومتان فى فرح زميلتنا، حتى نأتى جميعا فرحك
وتركت الأمر لها، رغبت
أن أرى هذا الشاب، وذلك الملهى، كنت مشدودة إلى المجهول إلى دنيا السهر، إلى دنيا
ليس فيها أبى ولا أمى ولا ثروت، إلى أى شىء يغير طعم أحلامى وأيامى، مشدودة إلى
رمزى لأسأله هل أنا فعلا أمورة ؟
فستان آخر من فساتين
الجهاز لا فستان الخطبة نفسه، كنت أدخره
لسهرة مع ثروت حلمت بها ولم تتحقق أكملت
سناء باقى الإكسسوار من عندها
عند باب الملهى
تسمرت قدماى إلتفتا حول بعضهما البعض،
سناء تحثنى على الدخول وأنا أرفض، وفجأة دبت فى الروح وجدته أمامى رمزى بقامته الفارعة ووسامته الأخاذة، وبصوته
الحنون
أهلا بالأمورة
ومد يده ما أن
تلامست مع يدى حتى تحولت إلى فراشة تخطر إلى جواره، قادنا إلى المائدة، وقدم لى
قدحا شربته وأنا مخدرة بالإبحار فى عينيه لم أتمنع لحظة واحدة تملكتنى رغبة فى الاستجابة، لماذا أتيت إذن ؟
مع أول كأس نسيت ثروت مع الكأس الثانية نسيت أبى وأمى مع الكأس الثالثة نسيت نفسى،
مد رمزى يده ينهضنى يأخذنى إلى حضنه تمايلت معه، ضمنى أكثر ، تمايلت أكثر ما كنت أدرى أن للموسيقى كل هذا السريان فى
الأعصاب ولأنفاس رمزى كل هذا العبق الأسطورى
ولم أدر كم مر من الوقت، و تغيرت
نغمات الموسيقى، هذه المرة صاخبة رقصت
أنا التى لم أرقص فى حياتى رقصت ، ورقصت
أفضل من سناء ومن رمزى ومن كل رواد المكان هكذا قالوا، لكننى لم أشعر أننى كنت أرقص،
شعرت أننى فى زار، وجسدى يتملكه عفريت ولابد أن أنفضه حتى يخرج من جسدى والعفريت لا يريد إذن أحتاج لزار آخر وثالث ورابع لقد أصبحت مدمنة من أول مرة صرت مدمنة ، كل
هذا كنت أفكر فيه وأنا فى حفلة الزار الأولى، ولكن كيف ؟ لقد قررت
وعدت رمزى أن
يقابلنى غدا هنا أعطيته الموعد بعيدا عن سناء، حذرته ألا يخبرها، وعدت الكل فى البيت نيام ، معى المفتاح تسللت على
أطراف أصابعى، نمت دون أن يشعر بى أحد، لما سألتنى أمى فى الصباح متى عدت قلت لها
مبكرة ، أعلم أنهم ينامون بعد صلاة العشاء
واليوم بعد صلاة العشاء إرتديت
فستانى، ذات الفستان، وتسللت
عرفت طريقى بدون سناء و اندمجت
فى حفل الزار ، ورمزى يهمس فى أذنى بكلمات حلوة أنتشى لها أكثر، وأجتهد فى الزار
بعد عدة أيام اتفقنا
أنا ورمزى أن نتقابل فى الصباح بعد انتهاء عملى
لم أجد صعوبة فى أن أقول لسناء بأننى ذاهبة للقاء خطيبى لأتخلص منها، وهى
غير متطفلة ، لم تحاصرنى أية أسئلة
توطدت علاقتى برمزى
أحببته بكل كيانى بكل أعصابى بكل الحرمان الطويل أول رجل يشعرنى بجمالى بأنوثتى يصالحنى مع نفسى ومرآتى، مع الحياة أول رجل لمس يدى وضمنى إلى صدره أول رجل دخلتنى أنفاسه أذاقنى القبلة، علمنى الحب لماذا لا أحبه لو لم يحبنى لأحببته بكل ذرة فى كيانى، فما
الحال وهو الآخر يحبنى ، وأشعر بصدقه، وتكلمنا كثيرا، قلت له قصتى، وما عدنا نفترق
لا فى الصباح، ولا فى المساء، ولا فى الخيال
تسألوننى عن ثروت
أين هو طوال الوقت ؟ ثروت لاحظ
التغيير لاحظ اهتمامى بزى وبشعرى لاحظ اعتدال مشيتى وتعودى على الكعب العالى
لاحظ تغير لهجتى وأسلوبى فى الكلام واستعمالى لبعض الكلمات الأجنبية، فى أول الأمر
تظاهر بعدم المبالاة ثم لم يتحمل الصمت
بدأ يعبر عن مشاعره الجديدة نحوى بشىء من الكبرياء، ثم انهار كبرياؤه، ركع تحت
قدمى واعترف أنه يحبنى، وسأل عن سبب الجفوة التى يلاقيها منى ، بدأ يلاطفنى، يثنى
على جمالى ورقتى، يلمس يدى، وأنا أصده، أنفر منه ، ليست نفس الكلمات ولا نفس اليد
ولا نفس الروح ، بدأ يقدم الهدايا، يطلب بل يتمنى أن يصطحبنى فى نزهه، يريد أن
يتحدث إلى طويلا، يريد أن يتم زفافنا بسرعة
وأنا أماطل ، أصده ،
أهزأ من كلامه من ملابسه، من حروفه، انقلبت الدفة ، أنا الآن أنتقم ، آخذ بثأرى،
تعلمت كيف أعذبه، وأعذب الجميع ولا يمسكون على فرصة، تعلمت أيضا أن أخفى عن سناء
كل شىء مهما كان تافها، أعتبر أن أى حرف أقوله هو جزء من شخصيتى فلماذا أفقد جزء
من شخصيتى هكذا علمنى رمزى، استمع لى
كثيرا وعلمنى أكثر مدينة له بهذه الشخصية
الجديدة التى بهرت الجميع، فكرت أن أكافئه أكثر ، أعطيه نفسى راضية من حقه وحده
القطفة الأولى، استكثرت على ثروت أن ينالنى بكرا أستطيع أن أخدعه فى هذه أيضا، وفكرت لكى يكون
الانتقام لاذعا أن يتم فى بيت ثروت، ألم أقل بأننى تعلمت الكثير، لم يحدث شىء من هذه
الافكار المجنونة ، فرمزى يحبنى فعلا لا يفكر فى أن يؤذينى قال
لكى تظل الذكرى
نظيفة كلها حلوة
أرجوكم لا تظنوا
أننى صرت فتاة ليل انتقل من ملهى إلى أخر، ومن رجل إلى غيره رمزى فقط هو كل حياتى، وأنا كل حياته، وهو
يعلم أنه لن يتزوجنى وأعلم أننى لن أتزوجه إننا سنفترق بمجرد زفافى علي ثروت
ولكننى أطيل فترة حبى وهنائى لأطول وقت ممكن
والآن ثروت يلح لإتمام الزواج ، وأنا أراوغ وأندمج فى
حياتى مع رمزى، نريد أن نتزود بزاد يعيننا على الحياة الكئيبة القادمة، على أيام
الفراق
قد تتساءلون لماذا
الفراق ؟ آن الأوان لكى تعرفوا، لأنه
يوجد شىء آخر أقوى منى ومن رمزى ومن أيام عذابى بعده ، شىء أقوى من كراهيتى لثروت
وأنا أزف إليه هذا الشىء الذى يحول بينى
وبين حبى وهنائى هو إختلاف الدين
...........................
حواء-عدد الاعترافات
25سبتمبر1999
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق