الخميس، 16 نوفمبر 2017

ليته لم يقل لي



ليته لم يقل لي

 الحب أجمل ما في الدنيا.. كنت سأظل أبحث عنك طوال العمر، ألا نسعد بأن التقينا.. بأن جاء الحب من الطرفين.. لماذا تفكِّرين في الهروب.. قاسية أنت يا حبيبتي على نفسك وعليَّ.. أخشى قسوتك.. تهدِّدينني دائما بالهجر.. أشعر بهبوط في قلبي كلما تفوهتِ بها.. لا أثق في استمرار حبك.. ضنين قلبك.. دائما يتوهَّم ما يساعده على الفرار.
وقلتَ:
 أبحث عنك خلال السنين.. أتعقب عينيك في الليالي المقمرة، وفي المعتمة الموحية.. في ظلال الشجر وصفحة الغدير.. في مسافات السفر الطويل، وبلاد الفرنجة.. وبين أوراق كتبي.. أقرؤك.. أتشرَّبك.. أدَّخر نفسي لك.. حنيني وأشواقي.
وقلتَ:
 زغرد قلبي عند رؤيتك.. عزف لحن اللقاء، فإذا بك تهوين الترحال.. تهوين زرع القلوب على الشواطئ، والتلويح لها بالأيدي مودعة.. أحاول أن أطيل اللحظة، لحظة الوداع مفزعة نجملها بعبارة إلى لقاء.. وسؤالي الملح لماذا الوداع..؟ لماذا..؟ ولا جواب.
وقلتَ:
 نتعاهد ألا نفترق.. أعدك بسعادة ووصال.. بمثول على عتبتك.. لك ما تبقى لي من العمر.. عديني أن تبقَيْ معي بقية العمر.
وعدتك
 تكسر عنادي أمام إصرارك.. أسدلتُ يديَّ الملوحتين بوداع كما تقول.. أنمتهما بين راحتيك.. أطبقتُ جفني على صورتك.. طبعتها في ذاكرتي.. رسمتها على شغاف قلبي.. أسلتها بين عروقي.. رويت بها خلاياي العطشى.
 و.. نبتت في قلبي زهرة عباد الشمس.. تتهدَّل حين تبتعد، تتفتَّح عندما يهل سَناك.. أحببتك.. وفضحتْني عيناي.. أسعدني بوحهما.. التففت بثوب الحب.. ثوب جريء يلقي بكل المحظورات ولا يهاب عيونَها.. طغت فرحة القلب على الوجنتين.. لهيبهما محبَّب.. وشع من العينين.
 انتفضت عيون كثيرة من حولي.. دغدغها خدر الوهم.. لا بأس.. فليحب الجميع.. سحقا لأيام البلادة والخمول.. أمرني الحب أن آتي إليه طوعًا أو كرهًا.. رددت أنا وقلبي.. أتينا طائعين.
 وصلك خطاب العمل في مكان بعيد.. رحلت وفى عينيك لهفة.. تتثلج أطرافك كلما اقترب موعد السفر.. أنت الآن ترحل.
- أتتركني.!!
- لن أبدأ يومي إلا بسماع صوتك.
عشقت رنين الهاتف.. ينقل صوتك الحنون.
- أحبكِ كثيرا.. كم أوحشتني!
- رقيق جدًّا يا حبيبي.. إنها نقطة ضعفي.
- وضعفي أنا أيضا.
 باقي اليوم لا ينتهي حواري مع الهاتف.. في نظراتي إليه مودة.. كأنه بعض منك.. أرى صورتك من خلاله.. ألقي إليه بالتحية.. أستأذنه.. أدعوه لطعامي.. وسيط القلبين هو.. أنام في جواره.. يمنحني دفء الأمان.. أغمض عيني نشوانة.. أفتحهما على الرنين.
- أمنية.. صباح الخير.
صباح الزهور.. كل العطور.. صباح الحب.. أحقًّا هذا اسمي.. كيف حولته في فمك إلى نغم؟!!
- حلمت بك.. متى يتحقق الحلم؟!
- الحقيقة أجمل من الحلم.
مرات قليلة تقع الآلة النابضة في الحرج.. عندما تطيل الصمت.. تتحمّل عتابي.. تأسف لدموعي.. يغلبني الشوق، تسمعني أناديك.
«أين أنت يا حبيبي؟! طال انتظارك.. ألم أخطر في خاطرك؟! يا رب ضع يده فوق القرص.. حرك أصابعه بأرقامي»
- يا الله.. هذا رنينه.. يتناغم مع رنين قلبي.
- ألو
- معك عمر.
- الدنيا كلها معي إذًا.. هل نسيتني؟
- لم أنس.. ولا أقوى، ولا أريد.
- انتظرتك طويلا.. الانتظار نار في نار.
- أرغب في اشتعالها على الدوام.. أزكِّيها في قلبي صباح مساء.
أغزل من كلماتك عقود نور لجبينك.. أغانٍ تعزفها أوتاري إلى أذنيك.. اسمع ماذا يقول قلبي عنك:
- حلوة.
- فقط حلوة.. كأنني لست راويتها.. كأنك لست ملهمها.. ألا تدرى كم يكلِّفني تجسيدها؟! الانشغال الدائم.. أنحتها من أعصابي أخضبها بدمائي.. أزكيها بأنفاسي.
 أشعر بفتوره.. ينكمش عتابي في قلبي.. بداخلي موج يطوي الزبد، ويبقى السطح صافيًا رائقًا كما أريده.
ممتنَّة لك بهذا الحب.. أخلصه من أوراقه الجافة والصفراء، أعرضه للشمس، تُنبِتُ له أوراقًا طفلة، خضراء لامعة، وطرية.
يا لفرحة قلبي بك.. أقبلك هاتفي الوفي.. نقلت إليَّ أسعد خبر ينتظره قلبي.. سيعود غدًا.. يحمل لي مفاجأة سارة.. لم تَنَمْ عيناي حتى أمسكت يداي بمفاجأتك الرائعة.. مذكراتك.
 كم هو رائع أن تدوِّن حبك لي يومًا بيوم.. على بالك دائمًا.. في ذهنك وبين أوراقك.. سعادتي غمرت ما تقرؤه عيناي.. ولكن الواقع بدّدها.. ماذا أقرأ.. يومياتي أنا، أم يومياتك أنت.. مشاعري أنا أم مشاعرك أنت؟
- صرنا اثنين في واحد.
- تحصي على أنفاسي.. تسجِّل خطراتي.. كلماتي.. وأين أنت!!
أين كل ما قلتَ سابقا؟! لم أر منه حرفًا!.. أين خلجاتك أنت.. كلماتك أنت.. مشاعرك أنت؟!
- أنتِ أقرب إليَّ من نفسي.
- لا.. بل يأبى كبرياؤك أن يدوِّن على نفسه إدانة؛ حتى يسهل عليه الانسحاب متى أردت.
- ليس صحيحا.. كم كنت أناجيك!
- لقد كنت تناجيني في غيبة قلبك، فلم تظهر له بصمة على قلمك.
- أعدك أن أكتب ما يرضيك.
- لا تعدني بشيء يحيِّرك فعله.. يكفيني حيرة قلبي وما يعانيه.. أيفرح بما اقتنص في غفلة الزمن من سعادة زائفة.. أم يتنهّد قائلا:
- ليته لم يقل لي كل ما قال.
 (القاهرة في 2007)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق