قصة| عصفوري هناك
من المجموعة القصصية « إلكتــ.. رو.. مانسي»
"هذا آخر كلام بيننا" لما كتب عبارته غاضبا.. رأيته بأم عيني
يخرج من صدري.. عصفور أبيض به رجفة.. ترك فؤاده وامتثل أمامي يتابعني بنظراته:
- أما زلتِ تنتظرين..؟
هززت رأسي بنفي ضعيف.. دار حولي عدة دورات ولما
وجدني لا أحاول استرجاعه.. طار وعلى مرمى بصري حط على فرع يهتز..
وهذا يواصل كتابته بغرور، عدم ثقتك فيَّ هي التي
عجلت بالفراق.. كتبتُ:
- لا عليك يا صديقي أنت قلت هذا آخر
كلام بيننا وأنا موافقة.. كتبَ:
- فدوى.. لا يزال بيننا كلام كثير..
نلتقي مساء.. وأغلق الفيس.
لم تكن أول مرة يهددني فيها
بالفراق.. لم أستعطفه ولا مرة منها بل في كل مرة أُعجل بالموافقة فيعود ويفتح
الكلام من جديد.. يبثني فيه حبه ويحكي عن شوقه وعن سعادته بوجودي وعن الرومانسية
التي يعيش فيها جرَّاء هذا الحب الطاهر النقي.. و.. و.. وأنسى تهديده.. ولم يخرج
عصفوري من صدري محتجا رافضا الأسلوب.. هل لأنه التهديد الثالث كالطلقة الثالثة..
هل لأنه جاء بعدما اعترفت له بحبي، وكنت من قبل أراوغه ولا أنطق بالكلمة التي ظل
يحارب من أجلها بشتى الطرق شهورا طوالا..!!
نظرت إلي عصفوري.. يتأرجح هناك على
فرعه.. هل هو الذي يرتعد أم الفرع يهزه نسيم لا يصلني:
- بعدما اعترفتِ بحبك صارت الحياة
مختلفة.. صار لزاما عليه حفظ العهد.. صرت تنادينه حبيبي.. تكلمت بمشاعرك وما عدت
تخفينها، وتلفظت بما يوجبه الحال وزيادة.. تغنيت به وغنيت له:
يا من نشا حبه في الحشا = فاق الظبى خطوه إذ مشى
- نعم
أذكر..
- لكنه تراجع كما في كل مرة.. لماذا
لم تتراجعي أيضا.. اعترفي.. قولي الحقيقة.. هاتها أمام عينيك ولا تدفني رأسك في
الرمال.
- لا أدفن رأسي..عصفوري المشاكس
وأعرف ما ترمي إليه.. تقصد تلك البنت شروق.. التي
بثها شوقه ورغبته في التواصل معها.. إنها.. إنها.
- إنها من صنعك أنت
لكي تعرفي من خلالها مدى إخلاصه.
- عصفوري لا تخلط
الأمور.. هي كانت في وقت الخصام.. صنعتها لتحبه فانقسم بها إلى اثنتين أحبه
مرتين.. وأعشقه حاضرا وغائبا.. اخترت لها اسم شروق.. وطلبت صداقته.
- ولبى على الفور..
بل دخل على الخاص يشكرها ويعبر عن سعادته بوجودها معه قلبا وقالبا..
- لم أهتم يا
عصفوري.. فتعرف كم هو رقيق مع كل الناس.. لا تنظر لي هكذا هي أيضا عبرت عن إعجابها
بمنشوراته.. والتي تدل على ذكاء وفطنة وإنسان خيّر..
= أشكرك يا آنسة.
=
العفو.. يا أستاذ "نور":
= ليس اسمي "نور" يا آنسة.. اسمي باهر.
=
هذا اسم اخترته لك لأنك تدعو لتعلم العلم، وبما أن العلم نور فسميتك نورًا.
=
لا عليك يا آنسة.. شكرا لذوقك.. اسمك رائع.. شروق؟
-
أرأيتِ كيف يسترسل في الكلام.
-
تركته أسبوعان ثم بادرته:
=
مساء الخير أستاذ نور.. أنت تكتب كلاما تحفة.. أنا معجبة بك والله.
= بي أم بكلامي.
=
بك.. لو لم تكن أنت ما كان الكلام.. المهم صاحب الكلام.
=
هل أعتبر هذا إعجاب واضح بي.. أرجو.
=
ترجو؟!!
=
كل فرد منا يحب أن يكون محبوبا من الناس جميعا.
-
أخذت بالك.. أن يكون محبوبا من الناس جميعا.
- لا تكن سيئ الظن.. البنت هي التي تجاوزت بقولها:
=
نعم.. كلامك هذا هو الذي يجنني.. أرى فيك الهدوء والطيبة.. والذكاء
وحسن العشرة.
-
وماذا قال.؟! ألم يقل: أحس أني أتغير علي يديك.. كما يقول لك أتغير على يديك.
-
هى أيضا لم ترحمه فقالت:
= تتغير على يدي.. يعنى عندك استعداد..
- لا تخشي عليه هكذا لم يخجل ولم يدَّع
الفضيلة بل قال:
= المهم صبرك علي.
- قالت:
= أصبر وزيادة.. اعتبرني ناعسة.
-
ووجدها فرصة:
= هل لي أن أتطفل قليلا.. وأسألك عن نفسك وقلبك هل دق لأحد من
قبل، وهل مازال يدق أم تعطل ووو:
=
بسؤالك هذا تجر علي مواجع كثيرة.. ممكن نؤجله.
=
آسف لن أعود لمثل هذا أبدا.
=
على الفور تتأسف.. هذه رقة زائدة.. أنت رقيق فعلا لم يعد أحد يتأسف اليوم.. أنسحب الآن فحالة الإعجاب ستزيد عندي.
=
لا عليك انطلقي انطلقي ولايهمك.
-
أتعرفين متى كان هذا يا أنا.. بعد اعترافك له بحبك وهو في قمة الرومانسية معك..
يسمع شعرك فيه ومداعبتك له.
- لا عليك عصفوري.. لم أعر الأمر التفاتا..
- كيف؟! أنسيت أنك اعتصرتِيني وقتها وضيقتِ علي
مكاني.. ثم أبيات الشعر التي أرسلها إليها، لشاعره المفضل أيضا لم تلتفتِ
لها.!:
مازلتُ أعرف أن الشوق معصيتي= والعشق والله ذنب لستُ أخفيه
-
أيضا لا يهم.. عاقبته
أسبوعا... ثم جاءت تدغدغه:
=
أمس حلمت أنك مريض واليوم وجدتك تنشر أدعية الشفاء.. يارب تكون بخير وصحة جيدة.
-
صرخ جزلا:
=
الله عليك وعلى رقتك.. أنا فعلا
مريض.. أكرر شكري.. وأرجو
المزيد من التواصل.. لا تغيبي عني.. لا تغيبي.
= شفاك الله، أنت إنسان فاضل وتستحق الخير.
=
كثير علي هذا، أنا إنسان مليء بالعيوب.
=
يا ليت تقول لي العيوب ربما أهدأ.
=
لا تتعجلي الأمر.. كله في حينه.
=
أي حين أنا فعلا في حالة لخبطة وأحاول أن أتجنب الكلام معك.
=
ولمَ اللخبطة..
=
لا تتعجل الأمر كله في حينه.. المهم أن لك مكانة عندي.
=كم
عمرك وأين تعيشين؟
=
لا تفرق الأعمار.. مع المشاعر.. تصبح على خير.
-
ثم في الصباح.. استقبلها بكلماته الحالمة:
= صباح
الخير شروق الحياة الجميلة الرقيقة.
= أنت
هنا أستاذنا الجميل.. هل تحسنت صحتك.؟
= شروق أنت رقيقة جدا.. أحس بأنك فتاة متدفقة حبا وجمالا.. حاولي
أن تجدي نفسك مع من تحبين فالحب أمر جميل.
-
يظنها عاشقة له فيشجعها على المضي معه.
- نعم فمضت تلاعبه:
=
لا تجعل عينك تقع إلا على الجمال.. ولا تجعل أذنك تسمع إلا كل ما هو جميل. ولا
تجعل قلبك يعشق إلا من يستحق.. القلب له حبيب واحد يا نور.
- ثم سألته عن رأيه في الحب فأرسل لها الجملة
المدونة على جهازه وسبق وأن أرسلها لك..
وسألها:
= متزوجة أم آنسة أم مرتبطة؟
=
آنسة ومرتبطة وموقوف حالي.
= لمَ اليأس؟!!
=...............
= مالك سكتِّ
= حزنتُ على نفسي.
= ليس هناك مايدعو للحزن.. الجمال في الحياة والسعادة تملأ
الكون.. كم عمرك.؟
- قفي هنا يا فدوى.. لماذا قلت: ست وثلاثون
سنة؟ ألم نتفق على سن أكبر وظروف مختلفة.
- ربما أردت أن أحميه من نفسه، لكنه تصرف بذكائه المتدرب
عليه.
-
ظل يحكي لها عن نفسه وظروف عمله وصديقاته اللاتي يستشرنه في مشكلاتهن ثم طلب منها أن تحكي قصتها وسبب
حزنها.. وحكت:
= عناد
فظيع بيني وبين أهلي.. لا يرضى أبي أن يزوجني حبيبي وأنا أصر وأرفض كل من يتقدم
لخطبتي.
=
هل هناك سبب واضح أمامه لهذا الرفض؟
=
نعم إنه متزوج وله أولاد.
=
أووه وجهة نظر مقبولة.. لكن الأمر يحتاج لسياسة وحنكة منك.. إن
يكن يستحق كل هذا الحب.
=
هو رائع.. ويحبني جدا ويتقدم كثيرا وفي كل مرة يرفضه أبي.
=
مثل هذه الزيجات تحتاج لمغامرة، وما سبب رغبته في الزواج منك غير
الحب.
=
هو الحب فقط.. لا يعيب على أهله وهذا يجعلني أثق به.
=
معك في العمل..
=
نعم أراه كل يوم.. ويوم الأجازة لابد أن يسمع صوتي أول ما يستقبل يومه.
=
جميل أن أعرف بوجود مثل هذا الحب.
=
هل يملك مقومات الزواج؛ بيت ومصاريف وخلافه، أم هو حب وفقط؟
=
يملك ومستعد ويتحدى والدي.. يقول له: لن أتركها لغيري، خمس سنوات على هذا الحال.
= في
الإسلام لا ضير أبدا من الزواج الثاني.. والرجل من حقه الزواج بأخرى يميل إليها.
=كل
الزملاء يعرفون قصتنا وتوسط بعضهم عند أبي.. قال لما أموت تزوجيه..
ولا أريد فعل أي شيء خارج المألوف.. وأحب أبي جدا وأحترمه.
=
لا بد من حل.. من الأهل من الأقارب من الجيران منه هو أيضا.
=
هو ذهب لعمتي وأقنعها ولما كلمت أبي طردها من البيت.
=
لا أجد سببا وجيها لرفضه.. لم يرض أب في الكون أن يترك ابنته من غير زواج لابد أن
هناك سرا لا نعرفه.
= نعم هناك سر عرفته فيما بعد.. وعد قطعه على
نفسه لزوجته.. جاءت لأبي ترجوه ألا يهدم بيتها فوعدها.
= ياه إنه سبب نبيل.. وطاعة الوالدين أهم من حبك وراحتك يا آنسة.
= أكثر من هذا؟!.. لقد ضيعت عمري وربما فرصتي في الإنجاب من أجل طاعة
الوالدين.
- لقد نسجت قصة رائعة من خيالك يافدوى.
- كنت مندفعة فيها اندفاعا.. أردت ألا ينظر إليها كأنثى.. بل
كحالة.
- وهل فعل؟!.. فورا قال لها:
=
أنت سمراء أم بيضاء؟ صفي لي
نفسك.
=
صف أنت نفسك أنا تكلمت كثيرا عن نفسي.
= ماذا
لو أرسلت لك صورتي الآن.. هل يمكن أن أرى صورتك.
- ها هو يريد أن يرى صورتها.. ويعرف
لون بشرتها.
- الفضول عصفوري.. ألا ترى كيف كبسته.. حين قالت:
= عرفت فيك صفة لا أحبها.. لا تعطي إلا بمقابل.
=
لا والله.. جاءت هكذا.. ممكن رغبة في معرفتك أكثر.. أو استعجال.. أو قرب.. خذي صورتي
بلا مقابل.
-
كنت رائعة وأنت تصيحين، أو هي تصيح.
= الله حبيبي أنت هو.. كأنك هو.. تشبهه بالتمام.. لا يمكن..
شيء لا يصدق.
= شروق..
أنا حبيبك؟
=
لا تؤاخذني انفعلت وبكيت.. أنت تشبهه جدا.. غير أنه متواضع عنك.. وقفتك
ونظرتك بهما غرور..كما نقول شايف نفسك.. على كل حال من حقك أنت جميل المظهر
والمخبر.
=
هل لي أن أري صورة حبيبك؟
=
أنظر في المرآة.
= أتمنى واحدة تحبني هكذا..
= لابد
لمن تحبك أن تحبك هكذا.. لو كنت شاعرة لكتبت فيك شعرا.
=
لأنك فتاة رومانسية وجميلة من داخلك.
=
وصاحب هذه الصورة لابد أن له قلبا عاشقا وملتهبا.. أريد أن أسمع قصة قلبك.
-
تحاولين فدوى بكل الطرق أن تسمعين كلمة عنك..
فماذا قال:
= حفظت كل كلام وأشعار الحب وأعرف مواطن الغزل لمعظم شعراء
العرب وغير العرب، ولم أجد ما أقوله لها.. أتصدقين.. أني ملتهب حقا.. ولكن
من غير مدام أي خمر.
- ها هو ياعصفوري يعترف أنه ملتهب.
- أنتِ على طريقة لا تقربوا الصلاة.. قال من غير مدام..
-.................................
-
هل وصلنا لمحطة النهاية يا أنا.. المحطة التي أوقفتِ أنتِ فيها القطار دون أن يصل
لمحطته الأخيرة.
-
نعم عصفوري.. فوجئت برسالته لها التي قال فيها:
= مساء الحب يا شروق.. أتمنى أن أكمل معك العمر كله.. تكون
الحياة لها طعم جميل، وألذ.. مثلك لايوجد الآن في رقته وجماله وحبه، أتمني أن أحظى
باهتمامك أكثر يا شروق، ربما أجد نفسي مرة أخري.. آه لو أنتِ الآن معي.. ولكن تأتي
الرياح.
- كان ردها عنيفا
وقاسيا:
= أنت فعلا ممن يقلبون الصفحة.. وليس هذا جيدا
دائما، وبك جسارة ليست في موضعها.. أنت تتمنى أن تكمل معي العمر، وتريد اهتمامي بك
أكثر لتجد نفسك.. فتكون للحياة طعم جميل.. كل هذا بعدما عرفت قصتي.. تريد أن
تأخذني من حبيبي.. أنت واهم.. لقد سحبت منك اسم نور.. أنت الآن باسمك.
- هههههههههههه
- لماذا تضحك عصفوري؟
- سحبت منه جواز المرور.. سحبت اسم نور..
وبالطبع تعرفين ماذا فعل.!
-
نعم.. ادّعى أنه لا يعرف عم تتحدث.. وقال لها في انتظارك.. فردت عليه لا تنتظر.. فاعتذر
عن فهمها الخاطئ، وأنه من خيال عقلها.. ماطل ثم أرسل
لها وردة وصورة.
- نعم فدوى ذات الصورة التي أرسلها لك والتي مكتوب عليها:
(أفكر فيك دائما) فقالت له:
- أفهم من هذا أنك تعتذر عن كلامك..
وأنك فعلا كنت تقصده.. فلماذا.؟!
- قال: إنه
لم يكن يقصدها وأن الرسالة التي أزعجتها كانت لأخرى بذات الاسم وتشابه الأسماء هو
السبب.. وعلى طريقة ضربني وبكى.. قال أرجو
عدم التعليق.
- نعم وهي
فعلا لم تعلق ولو قالت كلمة واحدة لعاد إليها.
- ما
يحيرني.. لماذا صددته صدا تاما هكذا، والهدف من البداية هو الكشف عن نيته..
- لم أرد أن
يسقط أمامي.. أو قل أن أنهزم أمام نفسي.
- ولماذا
هذه الدمعة الساخنة؟
- بقايا من
لهيبه.. هيا عصفوري الأبيض ادخل صدري ونم قرير العين.. لقد قفلنا هذا الحساب.. هيا
عصفوري..
نظر إليَّ
طويلا وطار إلى بعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق