الخميس، 23 نوفمبر 2017

أبي.. أخُو البنات



أخُو البنات

لما أسرع أبي فجأة إلى البلد يقف مع ابنة عمه في مُصابها وبقي هناك إلى ما شاء الله، لم يكن ما فعله شيئًا غريبًا ولا مبالغًا فيه.. فهي العادة وهو الواجب وهي الوصية والمسئولية.
 معروف لكل الناس أن أبي هو الوصي على بنات عمه الخمس.. يزوّج من يطلبونها للزواج، ويطلّق من استحالت عشرتها، ويسلم الميراث لمن بلغت سن الرشد، ويحل المشكلات ويأتي بالمسروقات من المواشي دافعًا ديتها من جيبه، ويفعل الكثير والكثير.
 ونحن نحب عماتِنا هؤلاء من حبه لهن.. فكثيرا ما يأتين لبيتنا للزيارة تارة، ولقضاء حوائجهن تارة.. هذه لشراء ما يلزمها من تأثيث لبيتها الجديد، وتلك لمراجعة الطبيب، وأخرى لزيارة أولياء الله الصالحين.
 تنزل معهن أمي في أغلب الأحيان وترسلني معهن في الأمور البسيطة.
غياب أبي في البلدة هذه المرة كان لكي يحصر ويتسلم نصيب ابنة عمه التي مات زوجها الثري خلال العام، وقد انتظروا تأدُّبًا عددًا من الشهور قبل أن ينظروا في أمر الميراث.. تسلم أبي لها ميراثها من أرض وبناء وجاء بها إلى بيتنا لكي تستجمَّ من عناء الفقد وخلافه.
 طالت مدة بقائها عندنا.. وكلما وجدت نفسها محرجة تقول على استحياء:
- يكفي هذا يجب أن أرجع إلى البلد، فنتمسك بها جميعا لتبقى ونقول لها:
- أبي أوصانا ألا تمشي حتى يعود.
كان أبي قد تركها عندنا وذهب لقضاء فريضة الحج والعمرة.. ويبقى قليلا يتابع بعض الأعمال هناك.. وهي طيِّبة المعشر حلوة الحديث خفيفة الحركة فلم نشعر أنها عبء علينا.
 أمي تحبها كثيرا وتسعى دائما لتخرجها من حزنها وترى في تزويجها العوض والآمان.
 فكم أتت لها من عرسان وهي في ضيافتنا لكنها ترفض، فلا تمل أمي من تشجيعها على القبول، وتحسّن في نظرها المتقدّم، وتقول لها:
- لماذا؟ أنت لا زلت شابة فهل تعيشين وحيدة مدى الحياة؟! تزوّجي وجرّبي حظك.. وهي عندما لا تجد عذرا ولا عيبا في المتقدم تقول:
- لما يرجع ابن عمي ونعرف رأيه.
فتقول أمي:
- بالطبع لن يتم أي شئ حتى يعود، ولكن يجب أن يكون المبدأ موجودا وتعطي نفسك فرصة لتدخلي في حياة جديدة.
 وعاد أبي وأخبرته أمي بمن تقدموا لابنة عمه وهي ترفض.. تبسم وقال:
- اتركوها وراحتها.
أخذها أبي ليرجعها إلى البلد.. وتأخر بعض الوقت وعاد.. بعدها كثرت الحجج والمشكلات والأسباب التي من أجلها يجب أن يسافر.
وجاء الخبر.. أبي تزوّج ابنة عمه.. وأكّد المقربون أنها كانت زوجته وقت أن كانت عندنا وترفض الخطاب.. فماذا فعلت؟!
ألم أقل لكم لا تبالي.. حقك ألا تبالين.. الأمر يخصني وحدي.
 جاء أبي ببراءة الذئب ونفشة الأسد، انفردتُ به في غرفته.. قبل أن يسألني عما أريد بادرته:
- علمنا أنك تزوجت ابنة عمك.

حدق بي مندهشا.. تجلّد وقال:
- وما شأنك بهذا الأمر؟!

تفاجأ بردّي:
- تتزوج عليَّ وتقول لا شأن لك!!
- ماذا قلت؟!! تزوجت عليك!!
- نعم أنت تزوجت علي أنا.. أمي لم تتكلم لأنك ما عدت تمثّل لها شيئا.. منذ أن عرفت قررت هجرك في صمت، أما أنا التي لا يمكنها هجرك، والتي يتقدم لها الخطاب، فماذا أفعل حيالهم؟ كأنك تعطي لمن يكون له النصيب تفويضا مسبقا بأن يتزوج عليَّ دون أن يخشى من أب يعترض، ويصون كرامة ابنته.. قل لي هذا الأمر شأني أم لا.
 تأمّلني أبي كثيرا ليستوعب كم كبرت، ومدى أحقيّتي فيه، لم يجادل، بل هز رأسه وقال:
- شأنك بلا شك.. اعطيني فرصة أصلح ما أفسدته بإذن الله([1]).


([1]) القاهرة في: 2016.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق