الخميس، 16 نوفمبر 2017

هكذا يديرونها



هكذا يديرونها

 نام فحلم باجتماع التجار الكبار للطماطم والخضراوات، في الساحة المتهدمة بجوار بيته أضاؤوا الكلوبات، وتحلقوا حولها يتفقون فيما بينهم على كلمة سواء في أمر سعر الغذاء، ومصير العباد منهم والعائش بالكاد وقرروا الآتي:
رفع السعر أربعة أضعاف فقط رحمة بمحدودي الدخل.
على الجانب الآخر من الخرابة المواجهة لبيته رأى عمال أنابيب البوتاجاز كل واحد منهم يضطجع على حجر، أضاؤوا الفوانيس وأخذوا يتباحثون في أمر سعر الأسطوانة، وضرورة وضع تسعيرة بحسب الأدوار فلا يتساوى من يسكن الدور الأول بمن يسكن الدور العاشر.. نظرية الرأفة مع الأدوار الدنيا.
 في الصباح بينما كان يحلق ذقنه ويدندن، وسؤال حائر بداخله لماذا الموس ثلم وهو جديد؟! اقتحم أذنه صوت البائع ينادى مجنونة يا طماطم، قال لنفسه: لم يكن حلما إذًا!!
كان يرتدى ملابسه ويصفِّر استعدادا للخروج، وداخله يتساءل عن سرِّ تهرُّؤ الأساور والياقات رغم قرب عهدها، وحين سمع مناوشات امرأته مع عامل الأنابيب الذى لم يطق جدل الزبائن فحمل الأسطوانة واستدار بها عائدا، وهو يرغى ويزبد: زبائن الهم.. قال: اللهم اجعله خيرا.
 نام فحلم أن رؤساء تحرير الصحف يلتفُّون في الساحة المظلمة ذاتها حيث كان اجتماع تجار الطماطم، أضاؤوا الشموع، يقرؤون بعناية الفاكسات والمنشورات السرية التي وصلت للتوِّ من الأعلى لتدلَّهم على التوجه العام للمرحلة المقبلة وهم يهُّزون رؤوسهم فاهمين، ويرفعون أذرعهم موافقة.
 على الجانب الآخر من الخرابة كان رؤساء مجالس الإدارات، أضاؤوا الثريات وأمسك كل منهم بكأسه، يترعون متلذذين بنتيجة مباحثاتهم في أمر الترقيات وضرورة أن تذهب لمستحقيها وهم المشاغبون، وأصحاب الصوت العالي، فلابد من مكافأة المشاكس حتى لا يُقلق الآخرين، فينتظم سير العمل.
 في الطريق إلى عمله وهو يعاني من كالو أحذية الجلد الصناعي، توقف عند بائع الصحف يتصفح المانشيتات:
"دول العدو صارت صديقة، يدفعون بسخاء في منشآتنا المستهلكة"، قال في نفسه: نحن أيضا نبيع بسخاء، أكمل قراءة العناوين:
"مساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، سفر الزوجة بدون إذن الزوج، إعادة النظر في أحاديث أبى هريرة، وارتفاع صوت الأذان بالميكرفون، الضرب على يد الإرهاب بالإرهاب المضاد.. قال لنفسه:
- لم يكن حلمًا إذن.
أكمل طريقه، طالعه وجه ساعي المصلحة، فاجأه قائلا:
- لا تحزن يا أستاذ لم يرد اسمك في كشف الترقيات، أكمل الساعي: - حضرتك طيب أكثر من اللزوم، قال: اللهم اجعله خيرا.
قرر أن يفعل شيئًا، فما يحدث ليس حلمًا لا بد من التعبير عن معاناته، لا بد أن يرفض الغلاء، لا بد أن يرجع حقه في الترقية، لا بد أن يرفض التدخل في توجهاته، وتحريض زوجته عليه، والاعتداء على المبشرين بالجنة لا بد من تغيير المنكر باليد.. اقتحم مكتب المسؤول قام أحدهم يفصل بين المتعاركين، تنحَّى به جانبا وهمس في أذنه: «وأطيعوا أولى الأمر منكم» ناوله بقبضته في أنفه قائلا:
- وأين الله والرسول يا غبى؟!
قال الرجل وهو يمسك بأنفه:
- اللهم اجعله خيرا.



 (القاهرة في 2001) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق