امرأة مثالية
ظل
حبيبي مدة طويلة إلى أن دخلت حياتنا تلك السمراء الجذّابة.. انضمَّت إلى فريق
العمل في مؤسستنا، وخصَّتني أنا وهو من بين الزملاء بصداقتها.. بهرت أعيننا بسمرة
طمي النيل التي أتت من بلاده، هيفاء كامتداده في طول أرض مصر.. صافية كصفاء مائه،
ومثله رقراقة، عذبة كعذوبة طعمه وترياقه، خضراء الثوب كخيره الممتدِّ على ضفَّتيه،
مرويَّة من جبين ذوي السواعد العفيَّة.. حورية في ثوب امرأة، فكيف لا يحبها؟!.. أحببتها
أنا أيضا.
كنا
عصفورين مغرِّدين، ليس على شجر ولكن على ضفاف النيل الذي تواعدنا معه أسبوعيًّا،
كانت نظراتنا تتَّجه في آن واحد ناحية الجنوب، حكينا كثيرًا عن المارد الواقف هناك
ببوَّباته الست يأتينا الخير من ورائه، كأننا كنا نناديها.. وأتت تحمل سنابل
حكايات وأساطير أسوانية فرعونية نوبية سودانية
في مزيج يأخذ بالألباب،
مع قدرة على السرد تتملك الإحساس، نستمع بعيون مفتوحة وأذان مصغية، ورأس كأن فوقه
الطير.
- ما
اسم الصبية؟
اسمها
يحمل كل الزهور ويخلطها ويكثفها في قنينة مزركشة مجزعة محكمة الغطاء.. ما أن تُفتح
حتى ينتشر عطرها في المكان يشنِّف الأنوف لا الأذان، ويتغلغل داخل الروح والوجدان
ويداعب الأعصاب والدماء، هل أنتم فى حاجة لمعرفته؛ إنها عبير؟!
سعدنا
بصحبتها وصداقتها، وسعدت بنا.. ثلاثتنا سعيد ولكنه أراد أن يستأثر بالعطر وحده،
بالسحر وحده، بالخير وحده.
اختلفت
مواعيده، بدأ يتهرب من لقائي، لما عرفت السبب لم أغضب.!!
ببساطة
لأن السبب هي.. تصوَّروا!!
والحكاية
تبدأ يوم أن قال:
-
آسف يا عزيزتي ستذهبين إلى البيت وحدك، سيارتي في التصليح، وأنا ذاهب إلى
الميكانيكي لأبقى بجانبها.
لا
بأس فالعذر مقبول.. وفى اليوم التالي قال:
ستذهبين
وحدك اليوم وغدًا وبعد غد.. السيارة تحتاج وقتا طويلا.
أيضًا
لا بأس.. ولكن في اليوم التالي جاءت صديقتنا لتخبرني أن "عادل" جزاه الله
خيرا أوصلها بالأمس بسيارته.
تبسَّمت
ومدحت لها شهامته وحسن أخلاقه.. تصوَّروا.!!
لم
يجد بعدها كثير عناء في التخلص مني، فقبل موعد الانصراف أكون قد سبقت إلى الخارج.
قبل
أن يتلفّت حواليه ويفكّر في عذر يتملّص به مني، وقبل أن تدور عيناه بيني وبينها،
ويفرك كفَّيه، ويعدل من ياقة قميصه.. و.. و.. ما حاجتي لأكاذيبه وهي تحكي لي
الحقيقة:
-
بالأمس جلسنا على ضفاف النيل، كان ينظر ناحية الجنوب من حيث أتيت.. أهتف في داخلي:
"رائع
هو دائما ينظر إلى الجديد"
- لماذا
لا تردِّين..؟
-
أسمع وأتخيَّل منبع الماء المتجدِّد.
-
أول أمس صعدنا جبل المقطم.
-
عظيم.. الصعود متعة.. ومنظر القاهرة من فوق الجبل ساحر.
تكمل:
-
ظل يحكى لي عن وَحْدته وحاجته إلى عقلي.. و.. لماذا تبتسمين..؟
-
أبدًا أفكر في وحدة الرجال الدائمة.. وحاجاتهم إلى العقل.
-
ماذا تقصدين..؟
وأُسقط
في يدي.. هل بدأ كلامي يأخذ شكل التحذير لها؟!! هل هي الغيرة أم الخوف عليها؟
رنّت
الجملة الأخيرة بداخلي.. الخوف عليها!! ممن.؟ عادل.!! نِعم الرجل هو.. وإذا كان
يشكو الوحدة فلابد أنه يشعر بها.
الغريب
أنني لم أحاول استعادته.. رغبت في متابعة تجربة حبِّه الجديدة وهي تولد حية على يدي..
تعطّفت صديقتي وسألتني:
- ما
هى أخبار زوجك؟
- يشكو
الوحدة.
- لماذا
لا تحاولين ملء حياته؟!!
- ليس
بي رغبة.
-
وتتركينه نهبا للوحدة.؟
-
هو يحاول مع نفسه.. يجلس على ضفاف النيل ويصعد المقطم.
تبتسم
وتقول:
-
أما أنا فعندما أتزوج "عادل" لن أجعله يشكو الوحدة أبدًا.
-
ربما.
- هل
زوجك يعرف امرأة أخرى.؟
- نعم.
-
وتسكتين.
-
ماذا أفعل..؟
-
تثورين وتقلبين الدنيا.
-
لا أرغب.
-
لا أرغب.. لا أرغب.. هل مللته؟
-
ليس تماما.
-
أما أنا فعندما أتزوج "عادل" فلن أملَّ منه أبدا.
-
هذا حقيقي.
-
وكيف عرفت أنه يعرف امرأة أخرى.؟
-
حاسة المرأة السادسة.. أسمعت فايزة أحمد وهي تقول:
"
إني أراها في جوار الموقد.. أخذت هنالك مقعدي في الركن ذات المقعد.. وأراك تمنحها
يدا مثلوجة ذات اليد.. ستردد القصص التي أسمعتني.. ولسوف تخبرها بما أخبرتني..
وستجرع الكأس التي جرعتني.. إلى آخره"
تضحك
وتخبط كفَّيها:
-
أتعجب من أمرك والله.!! تعرفين كل هذا وتصمتين.؟
- دعيك
مني واحكي لي عن حبك أنت.
-
استمر الحال مدة ليست بالقليلة أضاع خلالها معالم السيارة تماما ثم قال لي:
- بعتها،
وقالت:
-
غيّر سيارته بأخرى فى لون عيني.
-
لون عينيك لا يوصف.. كيف عرفه.؟
ضحكت:
-
كأنك رجلا يغازلني.
- الجمال
يغازله المتذوِّق له.
-
ترينني جميلة إلى هذا الحد.
نعم والتمست له العذر.. كيف
يظهر سيارته أمامي ويضطر لتوصيلي والتأخر عليها.. ثم إن الدقائق التي أغادر فيها
قبله وعدم سؤاله عمّ أخّره أراح ضميره من البحث عن الأكاذيب.
والحب
لابد أن يتوّج بالزواج.. استطاع بسحر الرجولة أن يستوعب الأسطورة.. جاءت بأصبع
متلألئ.. قالت:
- انظري
كم هي جميلة.!
- الأجمل
أن اسمه عليها.
- بالضبط..
أجمل دبلة في الوجود.
-
أنت وقعت على رجل ليس له مثيل.
وتعجبت
من نفسي.. حتى خطبتها له لم يثرني.. نظرتُ إلى يديها في مباركة حقيقية.. تأملت
جمال أصابعها بفرحة تناسب صديقة عزيزة أتمنى لها الخير.. وشعرت بمدى تعاستها لو
صحت على الواقع.. لا سأربأ بصديقتي الجميلة التي تثق بي من هذا الواقع المؤلم.
-
مبارك يا عبير تستحقين كل الخير.
-
ليتني أستحق "عادل"
- متى
الفرح إن شاء الله.؟
- قريبا..
قال: عنده بعض المشكلات سينهيها قريبا.
-
لا ليس عنده مشكلات على الاطلاق اطمئني.
-
كيف عرفت.؟
-
هو زميل قديم، وأعرف عنه الكثير من أمه، أوصيك بكوب العصير في الصباح، وبفنجان
القهوة المضبوط في الظهيرة، وبكوب الزبادى في العشاء.
-
هل ستكلمينه لينهي مشكلاته بسرعة.؟
-
نعم، سأعمل كل ما في وسعي.. المهم أريدك أن تطمئني.
-
والمطلوب مني.
-
تقولين لي أين يركن سيارته.؟
-
ها هو مفتاحها أسبقه إليها حتى لا يشعر الزملاء.
عندما
جلس أمام مقود السيارة واكتشف أن التي بجواره أنا كاد يغمى عليه.. لحقته بزجاجة
عطري.. رششت عبيرها أمام أنفه حتى استرد عافيته وقلت وكلي راحة لا أدري مصدرها:
-
عبير نعم الزوجة، هي تحبك أكثر مني وتستحق مثلك، وقد وعدتها أنك ستنهي مشكلاتك
بسرعة، لذا سنذهب الآن إلى المأذون.
آه
نسيت إخباركم أن "عادل" زوجي.. تصوروا.. ولكن لا تظلموا صديقتي هي لا
تعرف أن زواجنا عرفي.
(حواء - 29 سبتمبر 2001)
(موقع القصة العربية- 21فبراير2008)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق