مناورة
توقف
المترو ونزل بعض الركاب، وركب جميع من كان واقفًا بالمحطه ولم تركب هي، مر كالسهم
من أمامها، حيَّاها، لا تعرف من أين أتى ولكن بدلته تدل على أنه ضمن فرقه ما؛
جيش.. طيران.. أمن نظامي، اعتقدتْ أنه مفتش بالمحطة ولذلك ردت عليه التحية.
تقدم قليلا واستدار ووقف ينظر إليها ثم عاد من خلفها
إلى الجهة الأخرى.. شكّت في أمره.
بدأ
الناس يتوافدون على المحطة من جديد، وجاء القطار التالي، وركب ناس وغادر آخرون
وبقيت هي وهو من جديد.
شجعه استمرار وقوفها على أن يدعوها لأن تتبعه بإشارة
واضحة، ولما لم تفعل عاد إليها مرة أخرى، ووقف إلى جوارها وأطلق تنهيدة.
تركت له المكان وتقدَّمت بخطوات متَّئدة حتى المقعد
الرخامي وجلست.
جلس على
ذات المقعد من الجهة الأخرى حتى صار ظهره إلى ظهرها يفصلهما المسند المشترك
للمقعد.
تكلم.. نهضت وعادت إلى مكانها الأول.. وبدأت هي
الأخرى تتنهّد ولكن من الملل.. قام وصعد السلم.. مشى فوق الكوبري الذى يعلو
اتِّجاهَيِ القطارين وهو يشير إليها أن تلحق به.. أدارت وجهها بعيدا عنه.. نزل في
الجهة الأخرى وأصبح في مواجهتها تماما.. يفصلهما ممر القطارين الرائح والغادي..
جاء أحد القطارين فحجب رؤيته عنها وامتلأ الرصيف بالركاب المغادرين.. تحرك القطار
يجرُّ عرباته العديدة فلما غادرت آخر عربة ظهر أمامها مرة أخرى.. اطمأن لوجودها
وتشجع أكثر على ألا يستسلم.
لم تستطع
أن تمنع انفراج شفتيها عن ابتسامة ساخرة من تلك التصرفات البهلوانية.. ابتسامتها
شجعته فصعد السلم ومشى فوق الكوبري عائدا إليها، كان ينزل السلم بتؤدة، ويتقدم
نحوها في تبختُر، وهي تتأمله هذه المرة بفضول أكثر، وقف من جديد إلى جوارها..
واجهها بوضوح هذه المرة قائلا:
- يكفي هذا.. هيا نخرج من هنا..
مشت من أمامه.. عادت إلى مقعدها.. ظل واقفًا مكانه
عاقدا ذراعيه خلف ظهره وقد نفد صبره..
صعد السلم غاضبا هذه المرة، ومشى فوق الكوبري يدق
حديده بعصبية بادية.. نزل إلى الجهة الأخرى وجلس على المقعد المواجه لها بعظمة
زائدة عن الحد واضعا ساقا فوق الأخرى، وتظاهر بعدم المبالاة.
استمر الحال
وقتا ليس بالقليل، حينما بدأ يتحرك منصرفا تحركت هي الأخرى، انتشى وعاد إليه الأمل
أكثر عندما رآها تصعد السلم وتمشي فوق الكوبري مبتسمة ومتجهة نحوه، تنزل السلم
وتقترب منه وابتسامتها تتزايد.
لكنها تخطته فسار خلفها، فهذه أصول اللعبة.. فوجئ بها
تسلم على صديقتها وتقول لها:
- تأخّرت على كثيرا.
اتجهت
الصديقتان ناحية باب الخروج وهو في إثرهما.. قبل أن تدلف من البوابة الدائرة
التفتت إليه وقالت:
- أعتقد أنه يجب أن تتأسف.
(القاهرة في 2002)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق