قصة| السباق العالمي
من المجموعة القصصية « إلكتــ.. رو.. مانسي»
نام المواطن
الأمريكي يوم الاثنين ولـمَّا استيقظ فى الصباح الباكر وقطع أحدهم ورقة من مفكرة
الحائط فوجئ بأن اليوم الأربعاء.. سأل من حوله ما يجب أن يكون عليه اليوم.؟!..
قالوا:
- الثلاثاء.
شهقت تلافيف مخه
وزفرت ولكن التقويم يشير إلى الأربعاء، لابد أن هناك خطأ ما.. ولكن مذيع
التليفزيون يقول:
- الآن نقدم لكم أخبار الأربعاء.
مازالت تلافيف الدماغ تتقلص.. ما هذه الحيرة؟!!
اندفع إلى المذياع يقلب محطاته وهو يردد:
- معنى ذلك أننا نمنا يوما ونصف اليوم!
أكدت الإذاعة أن اليوم الأربعاء فكان لابد من الخروج من
هذا الحيز الضيق إلى عجيج التجمعات البشرية، ونقيق ضفادعها.
وما أن وطأ الشارع حتى شعر بالأزمة على أتُّونها:
- كيف ننام كأهل الكهف؟
سمع من يتساءل بهذا التساؤل.. دقق في المتحدث، إنه مزدوج
الجنسية المسلم.
التساؤل عام، والبلبلة تملأ الأذهان، المصالح والشركات
مرتبكة الحركة.
الوضع غير عادى فإذا ما اطلعوا على
الوقت فى العالم الثالث وعرفوا أنهم فى يوم الثلاثاء زادت دهشتهم وحيرتهم.
ماذا حدث؟! والأخطر لمن يتقدمون
بشكواهم.؟!
لم يطل الوقت، الإعلام الأمريكى الديموقراطى
الذي يمد الشعب بخيوط الحقيقة مهما تعقدت، حل اللغز بإعلانه عن استضافة رئيسهم
الجديد صاحب الفكر الألمعي.
تململ كثيرا وهو يستمع للرئيس يقول:
- نحن الدولة العظمى.. نحن أول
العالم.. نحن السبّاقون في كل مناحي الحياة.. فكيف تسبقنا شعوب
العالم الثالث بالزمن!!.. كيف يستقبلون اليوم الجديد قبلنا بنصف يوم.. من فعل هذا
الجرم بحق قارتنا المعظمة.؟!!
حبس أنفاسه كما باقى البشر يحبسون أنفاسهم، وقبض
الطير أجنحته عاجزا عن الحركة، بينما الرئيس يكمل:
- لقد وعدتكم فى برنامجى الانتخابى أن نكون
الأسبق دائما وها أنا أفاجئكم. الإنجازات العظيمة تبدأ فكرة فى الرأس، ثم تدرس
وتتحقق على أرض الواقع؛ فعلى مراكز البحث والفلك والجغرافيا، والمهتمين بخطوط
الطول والعرض أن ترتب نفسها وتعد أوراقها، وتعيد حساباتها وتخبر الدنيا بالتوقيت
الجديد.
زاغ بصره ولفت
رأسه مع الإذاعات وهى تعلن عن رفع حالة التأهب القصوى فى مراكز البحث الأمريكي..
مستعينين برزنامة العالم وتواريخ البشر.. وهرجت مراكز الأبحاث بعلمائها ومرجت
بمساعديهم وسكن الجميع حول موائده المستديرة والمستطيلة ثم زفروا زفرة كإشارة
للبدء.
لم تنتظر الناس
فى قارة أمريكا ولا في أى مكان من العالم رأى العلماء، ولم يصبروا على أتون
الحَيْرة حتى تأتيهم الأخبار، بل صاروا يتكهنون ويخمنون، ويراسلون بعضهم البعض عبر
النت مبدين وجهات نظرهم.
رسائل النت صافات ويقبضن فى رحلات مكوكية بين مؤيد
ومعارض وبين بين!
تقول رسالة الأمريكى المتعصب:
- لنا الحق أن نسبق العالم، نحن أولى بتعديل
الزمن.. وقد عدلناه بالفعل واخترعنا الفيمتو ثانية.
تأتي فورا رسالة المصرى متفاخرا:
- الفيمتو جاء من عقلية عربية مصرية.
قرأ المتصفحون جملة العراقى وهو يلوح بالحذاء:
- نحن من علّم البشرية الحضارة وأول من أهدى شرلمان ملك
فرنسا الساعة فارتعب منها.
رسالة الأفغانى من خندقه تقول:
- وإن سبقوا الزمن، نحن المجاهدون الذين
قهرنا السوفييت والأمريكان.
والسيف أصدق إنباء من الكتب ومن
الزمن.
ولم يقف الإسرائيلى المتجبر متفرجا بل أرسل يستنكر:
هل جُنّت أمريكا وصارت سيدة الزمن بلا منازع، وقبل أن
نأذن لها؟!! لابد أنها تقصدنا بهذا الفعل لأننا من سكان المنطقة العربية.. إذًا
فلتجنِ نتيجة تصرفها حسرة.
ولما فض رسالة الفلسطيني وجده يتهم إسرائيل:
أكمل وهو ينحني ليلتقط حجرا..بأنها من
مخططه وضمن بروتوكولات صهيون
لن نترك المقاومة، وسنبقى.
ويتشفى السعودي برسالة جاء فيها:
أنا أفكر فى الموضوع من زاوية مغايرة تماما، هل لهذه
الظاهرة أصل في القرآن الكريم؟
يضحك الأمريكى بنصف ثقة:
كل علم نخترعه يجدون له أصلا في قرآنهم.. حقيقي أنه يصف
مراحل تطور الجنين فى كلمات معدودات، ونحن نفني أعمارنا في بحث ومراقبة.
ويتنبأ بصعود القمر ويحكي عن انشقاقه قبل مئات من
التجارب والفشل ومع ذلك فليس لهم حيلة فى هذه المفاجأة.
قال أحدهم:
هذه نهاية أمريكا كما وعد الله.. الأرض أخذت زخرفها في
أمريكا وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، وهل هناك أقدر ولا أجرأ من أن يسبقوا
الزمن، فيحق عليهم أن يأخذها الله أخذ عزيز مقتدر فيجعلها حصيدا كأن لم تغن
بالأمس، كما جاء فى سورة يونس.
راحت إيميلات النت ورسالات الماسنجر بالتفسير الديني
وعادت بمفاجأة جديدة.
فجرت الصين خبرا أذهل الجميع، وها هي ذي تحذر أمريكا من
مغبة فعلتها:
- برغم الصراع التكنولوجى بيننا وبينكم فإنه
من واجبنا أن نقدم لكم النصح.
فرق اليوم هذا سيؤخركم عنا عشرات السنين.. يوم بلا عمل،
يوم بلا ملامح وليست النصيحة خالصة لمحبتكم.. إنما رغبة ليظل الصراع مستمرًّا
والحافز على الإنتاج موجودا.
التقط مركز أبحاثهم الفكرة وحسم رأيه:
نعم نحن نتقدم كل دقيقة وساعة، وكل فيمتو ثانية، وندون
منجزاتنا لحظة بلحظة.
وفى هذه الحالة سيحاسبنا التاريخ عن هذا اليوم كيف سقط
من دون مبرر أو منجز؟
وما أن وصلت مجموع الآراء إلى صاحب الفكرة الاستباقية
حتى جف حلقه، وعقد لسانه، فأعلن بالإشارة والهمس عن سحب فكرته و...... قطب.
شبكة الألوكة الالكترونية 3 / 3 / 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق