قصة| لماذا يا ترى؟
من المجموعة القصصية « إلكتــ.. رو.. مانسي»
حين قررتُ إسقاط تعريفه من المسنجر الخاص بي كنت قد أجمعت
أمري وروّضت ماردي وأقنعته بضرورة الفراق.
ذبلت زهور مودتي فلم تعد هذه العلاقة خلابة كبدايتها، لم تعد
تجذبني وتأخذ لبّي كما كانت، لم يعد فيها ما أسرني وأدار عقلي وأجّج مشاعري.
كثيرا ما سألت نفسي من أين جاء
طائر الفتور وضرب بجناحيه على وهجي.؟!
لم أعرف سوى أن ولادة
السأم كانت من عنده، وأنني لم أصبر.. وعدم صبري هو احتكام لصوت كرامتي المذبوحة
بطول الكذب، وخلف الوعد، كان قلبي نبعا صافيا قبل أن يلوثه بزيف الحب. يقولون: ليس بين المحبين كرامة.. وأقول: بل كل
الكرامة.. لي رأي مختلف عما ينصح به المحبون بعضهم البعض..
أنا على عكسهم رأيى أنه ليس في الحب تسامح.. نعم طالما الخطأ
متعمد فليس هناك حب.. ومادام ليس حبًّا فلماذا خداع النفس. (إما تكون مشاعر أو لا
تكون)
هذه قناعتي، وتجاهله
لي أحيانا كان متعمدا، كيف يتجاهلني وأنا حبيبته، كيف يصبر على غيابي والحب لهفة
وشوق، كيف يترك وردتي بلا ريٍّ لفترات طويلة وحين تميل برأسها ضعفا يسرع بالماء،
بل كيف يقسو بكلمات غير ملهمة، والحب انتقاء لفظ جميل.؟!
ابتعدنا شهرين، ثم عاد بعدها تماما كما قال الشاعر: (وبراءة الأطفال في
عينيه)
يريد أن يستعيد المشاعر.. فلم أستجب، وقلت لنجعلها صداقة..
رفض وزمجر وهدر وأرغى وأزبد ولم يحصل مني على الكلمة التي يتمناها.
هل كنت قاسية معه كما وصفني.؟!
أم كنت أحمي قلبي من السقوط.!!
الأمور عنده محددة وواضحة،
أقسم أنه يحبني ويريد ألا يقل حبي له.
الأمور عندي غير محددة
الملامح.. هل أصدقه لأنه أقسم وبداخلي شك؟!
هل أقول له: أحبك؛ لأنه يقول:
أحبك ويملؤني القلق.!
وهذا الحزن المعتق في قلبي كيف الخلاص منه؟! والفراق كان
لماذا أصلا.؟.. لم يبرره، ولم يعتذر عنه، ولم يشكُ من عذابه، قرر الابتعاد
وقرر العودة وأنا الدمية التي يلهو بها.!! لن أكون.
رفضت هذا المنطق حتى لو ذبت شوقا إليه.
ألست ممن يتمنعن وهن الراغبات،
ليكن.. مادام هذا التمنع لحفظ ماء الوجه، استجابة لنداء الكرامة، ليكن هذا التمنع
مع الرغبة من قبيل قوة الإرادة، ولماذا لا تكون إرادتي قوية وترفض هذا الهراء، ألم
يقدر على بعدي شهرين؟! لماذا لا أستطيع أنا شيئًا استطاعه.؟!!
عناصر المشاعر عندي مختلطة: يغلبني الحنين إليه، ويرجوني أن أصفح،
وإصراري على عدم الصفح، كان بعدم قدرة حقيقة تنبع من أعماقي وغصة تخنقني.
كررت مقولتي:- لنكن صديقين.
..
وتحداني. قال:
- لا أستطيع لبس ثوب غير ثوبي..
أنت تحبينني.. ولا تقدرين غير أن تحبيني، ولو قالوا أن كل العالم كرهني لا أصدق
أنك فيهم.
-
ليكن لك قناعتك، ولي قناعتي.
ومضيت أضع أزرار صدريتي التي
فتحتها للحياة في عراها.
هذا المعنى الجديد الذي قررته ضد نداء أعماقي.. يكلفني دماء
بيضاء تفقد دوما قدرتها على الدفاع فأعاود لتقويتها وأحثها ألا تضعف.
أراه على الماسنجر أكلمه مرة
ومرات أتجاهله، هو يفعل نفس الشيء، وصار كل منا ينتظر من الآخر أن يبدأ الكلام
ليرد باقتضاب وكسل.
استسلم لصدِّي فلم يعد يحاول استمالتي، وظننت أن الأمور هدأت
والقلب في سبيله ليغفو.
ولكنه كان يغافلني ليرسل لي إشارة مشعة تذكرني به تسألني عنه.
هناك شيء ما يطرق من بعيد وهذا الطرق حينما يلتقي بالفتور
يُحدث تمزيقا مؤلما في النفس.. ما هذه الحالة من اللاجدوى.. ولماذا الاستمرار في
هذا الملل العاطفي.؟!
لماذا لا أبتعد نهائيًّا ودون مقدمات وقبل أن تحدث الخلافات ونتبادل
الاتهامات.. ويجرح القلب جرحا لا يندمل.. لنكن حكماء ونكسب الذكرى.
قمت بعمل حظر حول اسمه ثم حذف، فلم أعد أراه، لم يكن هذا فقط،
بل حذفت بضع كلمات له كنت أحتفظ بها من أيام شدوه.
يا إلهي ما هذه الراحة التي انتابتني، فعلا البعيد عن العين
بعيد عن القلب...
صرت من حكيمات النت المشهود لهن، كلما وجه إلي سؤال مفاده
مضايقة نتِّيَّة أنصح بالحذف السريع وأُعدد مزاياه.
وطال الوقت.. صحيح أنني في
راحة ولكن سؤالا ملحًّا بدأ يغزوني..
كأنه سعيد بهذا القرار، كأنه كان يريده ويتحرج أن يكون
البادئ، لم يسأل أين ذهبت، لم يجرب التليفون، لم يبعث برسالة إليكترونية!!
وحدث.. أن فوجئت برسالة باسمه على الإيميل.
لم تكن الرسالة سؤالاً عني أو استفسارًا عن غيابي، كانت من
رسائل النت الدينية التي يطلب مرسلها إرسالها لعدد من الناس لتحصل على الثواب
العظيم.
هل فعلا هو يبحث عن الثواب.؟ أم يسأل بطريقته؟
ليكن أي شيء فلن تخرجني هذه الرسالة مبهمة الغرض عن عزيمتي.
ولكني في انتظار رسالة أخرى وثالثة ورابعة تدلني على ندمه
لفقدي!
بعدها وجدت المسنجر يطلب قبول شخص أضافني عنده وينتظر قبول
دعوته، قبلت الإضافة.
قرّ في نفسي أنه هو.. يريد أن يعرف هل اختفائي متعمد أم
مصادفة.
هل مازلتُ أفتح النت
وأحادث الأصدقاء، أم انطويت على نفسي واستسلمت لليأس؟ ابتسمت للخاطر ابتسامة
المنتصر.
الآن عرف أنني أسقطته من حساباتي، استغنيت عنه وهو الذي يعتز
بنفسه حتى الغرور، افتقدته بإرادتي وهو الذي يظن أنه لا يعوض، فهو كثير المدح
لذاته ذاكرا قدراته الخارقة وخفة دمه الفائقة وألمعيته الواعية..و.....و.. حتى
أنني حين قلت له:
(لا
تظن نفسك ليس لك شبيه، يوجد منك كثير ومعدل)
لم يصدقني واستمر في غروره.
الآن فقط عرف صدق كلامي، وقدرة نفسي وقوة إرادتي و... وها هو
عاد متربعا في الماسنجر باسم جديد لكنه لا يكلمني.. لا بأس هو فقط يريد الاطمئنان،
أنا أيضا لن أبدأ بالكلام هو الذي طلب الإضافة وهو الذي عليه تقديم نفسه المزيفة
أولاً.
كل يوم تزداد قناعتي بأنه هو، ويزيد يقيني أنها نفس مواعيد
دخوله وخروجه من النت، ويزيد يقيني أنه نفس أسلوبه في تعليق عبارة بجانب اسمه تعني
أنه "بعيد" كلما رأيتها تخيلته (حدب) على ظهره. فأبتسم شماتة.
وظل يزيد يقيني ويزيد حتى تحدث إلى هذا الشخص، وتأكدت من أنه
ليس هو.
سقطتُ في أتُّون القلق من جديد.. إذن أين هو؟
أذرع مساحة شقتي حيرة، وأيامي سؤالا، لماذا لم يعد يظهر على
المسنجر.. لماذا يا ترى؟
(نشرت بعدة مواقع إلكترونية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق