قصة| كأنه الحب
من المجموعة القصصية « إلكتــ.. رو.. مانسي»
لا يدري..
متى لصق الموبايل في كفِّه كأنه أصبع سادس ما بين الإبهام والسبّابة..
ليقوم هذا الموبايل بكل أدوار التواصل الاجتماعي.. فهو متابع جيد وراءها حيث
تكون.. في الفيسبوك، والاسكاي بي، وهناك الواتس آب، والفيبر، حتى التويتر لا يخرج
من دائرة الحوار والمتابعة، وكذلك الإيميل عند اللزوم، ثم الاتصال التليفوني ليجمع
كل هذا في واحد..
ينال الفيسبوك الجانب الأكبر من
الاهتمام غير محدَّد الوقت، أو الساعة، لا يهم.. ليست هذه الكلمات لتحديد الزمن..
على الموبايل في النت.. المهم أن هناك على الطرف الآخر من يستمع ويتجاوب.. لماذا
يسميه الوقت السعيد، زمن تبادل المشاعر والأحاسيس، في هيئة صور ورموز وكلمات ذات
صلة بالحياة اليومية أحيانا، وبالأحداث السياسية أحيانا أخرى.. في متابعة جيدة
للأحداث.. وقراءة الأشعار والقصص المعبرة في شكل هُلامي غير محدد الاتجاه..
كل هذا لماذا لا يكون وقتًا سعيدا.. يصنع علاقة فريدة من النت إلى القلب..
فالكلمات لها رائحة وطعم ولون،
يتأمل الحروف يرى تشكُّلها، يسمعها يُحسّ بنغم حروفها، فهناك حرف للضحك، وحرف
للدهشة، وحرف للتنهيدة، وآخر للسؤال.. وفي أغلب الأحوال السكوت أبلغ من الكلام.. وهو
دائما يناقش ما يقرأ.
لا تدري..
متى صارت معه على موعد مستمر، ليس
فيه استئذان وإنما فاصل.. وهذا الفاصل هو اتصال معلق له عودة ثم فاصل ثم عودة بلا
حساب للزمن أو لأدوات العطف.
لا يدريان..
متى كان هذا العطف أو العاطفة التي حولت التواصل إلى
التزام يومي.. اللقاء على مدار اليوم في دائرة لا تدري أين طرفاها،لا يراها وردة في فازة أو في عروة جاكت تذبل بعد حين، ولا يراها جوهرة في
تاج يلبس عند الحاجة ويخلع عند الراحة، بل خيط فضي يضَّفر مع يومه فيلظم ليله بنهاره
في خطٍ متصل ومستمر.. نسيج روحي..تواشج لا ينفصل.. وفرح وجداني.
لو بحثنا عن
بدايةٍ، هل نعتبرها منذ تحية الصباح؟ أم نقول: إن البداية وهو يقول: سأخرج الآن.؟!!
لتكن البداية وهو في طريقه إلى العمل، والحوار المستمر مع تصوير الطريق وإرسال
الصور، فكأنها في سيارته تتابع الطريق، تستمتع بنسمة الصباح الفتية، تنتشي لرائحة
المطر وهو يرسم بقطراته على زجاج السيارة تساعده مساحات الزجاج في رسم قلب بداخله خريطة
لمستقبل مبهم، ذاهبة معه إلى عمله.. وينفصل الخيال عن الواقع عندما يخبرها أنه دخل
مكتبه.!
وهذا أيضا ليس معناه التوقف بل
التبادل المنظم بين التواصل والعمل.. وإلا فهو الفاصل.. وينقضي الوقت المخصص
للعمل، تلم حاجياته معه ليبدأ رحلة العودة مع استمرار التواصل.. ثم في بيته يستمر
الكلام وهو بين أهله.. مع وصف للمكان والأشياء، وهو بين ضيوفه، يكلّمها عنهم، فاصل
ليوصلهم عند الباب.. فاصل لينام قليلا، فاصل لأداء الصلاة..
يعجب بكلماتها المنظومة والمنثورة.. تعجب بتعليقاته.. تشعر فيها بالذكاء
والحنكة وخفة الظل.
يقتبس من أغنية:
(يا حلو صبح يا حلو طل.. من أد إيه وانا باستناك وعيني ع اللاب والفيس باك)
تجمعهما هموم وطنيهما.. تطمئن على وطنه:
- ماذا فعل
تنظيم داعش بالقرب من بغداد.؟
- داعش والغبراء.. صناعة أمريكية ليس لها صلة بالإسلام، لا بسنة ولا بشيعة.
يطمئن على وطنها:
- كيف الحال بعد براءة مبارك وعصابته.؟
- يطالبوننا بتعويض، أن عشنا حتى الآن، ولم نمكِّنهم من قتلنا لنصير
شهداء.. كنَّا في وهم كبير.
فيعرب كلمة وهم.. الواو حرف عطف والهم ضمير ميت معطوف على ما قبله مبني على
آلام المواطن.
يتفقان في أن فلسطين عربية،
وإسرائيل العدو اللدود.. وأن حماس هي الفصيل العربي الوحيد الذي يقاتل العدو
الأكيد..
يتفقان ويتفقان ولا مجال للاختلاف بل الحرص الشديد على عدم الاختلاف..
يسايرها في طموحاتها.. فيسْبحان فيها ما شاء الله لهما.. ثم ينزلها برفق
عند صخرة الواقع الذي هو دائما ضنين.. والحلم إذا خرج من العقل الباطن فقد بريقه.
تحترم رأيه، تراه صائبا؛ فيه خبرة
العمر، وحكمة الرجل، وانضباط الجندي، ودقة المهندس.
هل قال: أحبك؟
قد يكون.. بقلبه، وما هو الحب غير التعود.. والشعور بالألفة أو بالوحشة..
هل تريده أن يقولها؟
لا.. سيفقد الحلم بريقه.
هل خرج في حواره عن حدود الاحترام والتقدير؟
لا.. حتى أنه لم ينادها باسمها المجرد، وهي لم تطلب منه رفع الكلفة.. فهي
القيد الحريري الذي يضمن السمو.
هل يقلق لغيابها.؟
نعم.. يناديها أين أنت يا من كل شيء في حياتي روتيني إلا أنت، ويظل يعلن
حيرته.. حتى ترد، وغالبا ما يكون بسبب انقطاع النت أو خروجها من البيت.
مليون هل.. ومليون رد.. وكلها تؤكد بلا ريب.. كأنه الحب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق