عالم أثيري
من المجموعة القصصية
« إلكتــ.. رو.. مانسي»
« إلكتــ.. رو.. مانسي»
الراتب بالدولار، والبنت في حِضن الأم
منذ انفصال أمها عن أبيها.. شقيت الأم وتكلفت جهدا ومالا، سهرا وتعبا حتى تُعلمها
تعليما راقيا أفضل من تعليم أخيها الذي هو في كنف الأب..
ما
هذا القانون الذي يعطي البنت لأمها والولد لأبيه.. هل يصح بعد أن عانت وسهرت
وأنفقت حتى وصلت البنت لهذا المركز المرموق.. وهذا الراتب المغري أن تفرط فيها
بسهولة لأي خاطب.. أبدا.. في كل عريس عيب.. ومع كل عريس مشاجرة تفتعلها الأم ليهرب
العريس صارخا حازما على عدم العودة.. وفي كل مرة تحزن البنت وتكتئب.. وأمام إصرار
أمها على رفض المتقدم وإظهار ما ليس فيه من مساوئ تستسلم لمصيرها.. مع كل حدث من
تلك الأحداث يضاف لعمر البنت سنوات حتى باتت تخشى على نفسها ضياع الفرصة.. وإذا ما
صارحت أمها على استحياء أفهمتها أنه ليس لها مثيل في البنات وأن الذي يرتبط بك ليس
أقل من وزير أو سفير.. ولابد أن يكون مليارديرا حتى لا يكون
طامعا بها.. أو أو.
وحدث
ما لم يحدث من قبل.. وما لم تكن تتوقعه.. أحبت البنت.. رشقها بعينيه، فأذاب
فؤادها.. همس في أذنها، فانسابت مياه الحياة في جسدها.. لمس يدها فاشتعل الصدر
جمرا.. عميل جاء لمقر عملها كأي عميل.. لكنها شعرت بما ظنته المستحيل.. فقد كانت
أمها تحذرها تحذيرا قاطعا ألا تترك نفسها ألعوبة لقلبها.. ممنوع الحب لأنه الضعف
والتنازلات وضياع الهيبة والكرامة.. وهي ممنوع عنها الصغائر.
لكنه
حصل.. وأسقط في يدها.. خافت البنت على حبها من وأْده على يد أمها.. خافت أن تظهر
ضعفها أمام أمها وهي التي كلما واجهتها أمرتها أن تشمخ برأسها وتفرد ظهرها وتصعر
خدها.. وترفع أنفها.. فكيف تقول لمن جعلت عمرها كله وقفا عليها.. أنا أتحداك وأصر
على هذا الرجل..
مرارا يطلب منها أن تقدمه لوليِّها كي تتم
سعادتهما.. وكانت تراها الهاوية.. ظلت تراوغ وتسوف.. وظل يلح ويستفسر.. وظلت
معقودة اللسان أمام أمها.. خوفا أن تثور ثورتها المعتادة.. وتفقد الأمل والحب
معا.. وأخيرا وضعها بين سندان الحب ومطرقة التقدم.. فوقته ضيق وعمله في أمريكا وأجازته
أوشكت على الانتهاء ولابد أن يسافر وهي معه..
ولم
تجد بدا من أن تشرح له الموقف تماما وعليه أن يتحمل أمها مهما فعلت.. ورغم وعده
لها وطمأنتها لم يطمئن قلبها.
وكانت
الطامة الكبرى صاحت الأم:
- أيضا تذهب معك إلى أمريكا.. وتحرمني منها إلى
الأبد.
وجد الرجل أن الحال أكبر من فهمه.. والوقت أقل من أن يمهله ليستوعب.. حمل
حقيبته وطار بقلب ينزف إلى بلاد بلا قلب؛ بلاد التكنولوجيا..
وبدورها حملت حقيبتها وراحت بقلب
ينزف إلى قلب دافئ؛ إلى أبيها..
أبوها الذي كان يرى ما يحدث لها فتنزل دمعته في الخفاء.. ويطير قلبه شعاعا
من أجلها.. استقبلها قبول الأب الحاني وداوى جراحها إلى حد ما، أو لنقل استطاع أن
يخفي الأنين بداخلها ويضفي الأمان على خارجها.. ووجدت سلوتها في التواصل
الاجتماعي.. الفيسبوك والماسنجر.. ماذا تفعل بوقتها بعد عودتها من العمل.. واندمجت
في هذا العالم الجديد.. حتى أصبحت أسيرة هذا العالم الأثيري.. وهي في الحقيقة كانت
تبحث عن نفسها الضائعة وسط الحياة وصخبها.. وهذا المجهول ماذا عساه أن يقدم سوى
التسلية لبعض الوقت.. ولكنه أفضل من الاستسلام لحزنها..
لم تبدأ بطلب الصداقة لا من رجل
ولا من أنثى.. لكنها لا ترفض أي طلب يأتيها.. تعتبره ضيفا يدق بابها ولابد من إكرام
الضيف.. والضيوف في غاية الكرم.. لا يأتون بيد فارغة.. إنهم يغدقون بالورود،
وبالحكمة المصورة، وبالنصائح الغالية.. في هذا العالم الغريب التقت برجال يريدون
إقامة علاقات صداقة أحيانا، وحبا في أغلب الأحيان.. وجدتها فرصة تتعرف منها على
طبائع الرجال.. ذلك العالم الذي حذرتها منه أمها بحجة الخوف عليها وحتى لا تتعرض
لمثل تجربتها وتجد نفسها في النهاية مطلقة ومكبلة بأطفال.. فماذا وجدت..!!
كل طالب صداقة يظن نفسه الفارس
المنتظر الذي جاء في وقته.. لا يسأل إن كانت مرتبطة أو مجروحة.. عصبية أو حمولا،
تكذب أم تتجمل أو.. أو.. بل عليها أن تكلمه وحده، وتتفرغ له وحده، لا تتأخر في
الرد وإلا غضب.. لا تجب بغير حاضر و.. نعم..
تتساءل أحيانا هل كانت أمها على حق.!!
ولكن هناك غائب حاضر في ذهنها.. كثيرا ما تصيبها حالة من الحب الشفيف..
تصنع حالة من وجد شفيف، يسهم في حالة من هيام شفيف فتتساءل حين تفيق:
كيف تكون في
ملأ من الناس وتفتقد شخصا واحدا ليس من بينهم!!
كيف يلتف حولك
الجميع ولا تراهم لأنه مثبت أمام ناظريك صورة شخص بعينه!!
وكيف يتكلم كل
هؤلاء حولك ويوجهون كلامهم إليك ولا تسمعهم.!!
وتعيش مع كلمة
سمعتها من شخص خاص بالنسبة لك.
تبتسم بينك
وبين نفسك.. وتلمع عيناك وتبرق لنشوة شعرت بها وحدك.!!
كيف تشعر
بالدفء في معية غائب وتشعر بالبرودة في حضور كل هؤلاء.!!
كل هؤلاء تشعر
بينهم بالجفاف وتشعر بحضور الغائب حتى لو أوحشك بطول غيابه.!!
ما هو هذا
الإحساس.؟ وما اسمه.؟
كثيرا ما كانت تصاب
بالملل فتغلق نافذتها بينها وبين هذا العالم الافتراضي الكسيح.. ولكنه السحر
الخفي.. والإدمان المزمن.. فتعود هذه المرة مأخوذة بالبدايات.. فلكل شخص بداية
مختلفة عن الآخر.. ومنهم من يستمر الحوار معه لأيام ومنهم من تحظره من البداية.. بدأ
أحدهم:
- هل لي أن أتعرف عليك في حدود سطر واحد.. من
فضلك.
كانت رائقة
المزاج قليلا فقالت:
- وآخر السطر نضع نقطة أم علامة استفهام.؟!
ضحك لكنه قال
جملة فاجأتها:
- أحس
نحوك برهبة غريبة لم أعهدها من
قبل.. شغوف أن أعرفك.. رجاء أخيرا بتسهيل المهمة من فضلك.
عصبي ومقتحم
وفي مهمة لا بد من إنجازها.. لكن مزاجها لم يفقد حضوره:
- ثم ماذا.؟!
- من أنت أيتها
الغامضة.!!
- اتهام أثير لدى الرجال يعرفني من دقيقة
ويتهمني بالغموض.. ماذا لو تركته يصدق نفسه..!!
بدأ أحدهم بعد التحية والتعارف العادي بسؤال
غريب:
- من هي ملكة جمال الجنة.؟
- لا أعرف.
-
ليس هناك خلاف على كونك من ملكات جمال الجنة واستطرد: ملكات الجنة من حيث الجمال
السيدة حواء وأنتِ، ومن حيث الصبر ماشطة ابنة فرعون، ومن حيث الحكمة زوجة فرعون،
ومن حيث التضحية السيدة خديجة، ومن العموم فاطمة بنت محمد.
- أعرف
أن نساء الدنيا أجمل من الحور العين.
- كلامك صحيح.. ربي قال أنا عند حسن ظن عبدي
بي.. ثم استدرك:
- لا لا نساء الدنيا لسن أجمل من الحور العين
ولكن هناك نساء فضلهن ربي على نساء الجنة ولن يدخلن في اختبارات التصنيف.. ويكمل:
- آسف إذا كنت قد أثقلت عليك فلست في مستوى
فهم وإدراك حضرتك.
أنت تستعبط
أيها الرجل تظن أنك تؤثر في بوصفك البارع..
دخل أحدهم بلا سلام ولا تحية
قائلا:
- سيدتي ممكن أسألك سؤالا وأرجو ألا تفهميه خطأ.
-
تفضل.
-
ما نوع العطر
الذي تستعملينه.؟
-
الماء.
-
اسمه الماء أم
تقصدين أنك لا تستعملين العطور.
-
لا أستعمل
العطور.. والمرأة العربية كانت تنصح ابنتها وتقول: أحلى الحلاوة الدهن وأطيب الطيب
الماء.
-
متشكر جدا لقد
أجبت ووفيت.
لكنه اختفى.
بدأ أحدهم بدون تحية:
-
تحبين نكون
أصدقاء؟
-
لا.
-
براحتك متشكر..
-
شكرا لذوقك.
-
أنت كل الذوق..
-
ماذا تقصد
بالصداقة؟
- البراءة والطهر والأخوة.
-
لا مانع.
لكنها أغلقت عليه عندما أراد بها شيئا آخر.
قال
أحدهم:
عرفينى
بك اسمك حياتك أسرتك من أين.؟
مواطنة
مصرية.. أحب القراءة وأحب بلدي وضد الانقلاب
انت
طيبة وما شاء الله شكلك حلو ربنا يحفظك.. لكن لماذا حزينة، بعيونك حزن مكتوم
هههه
اتركه مكتوما.. تدرس العيون
نعم
وأعيش باحساسي.. حساس جدا
بدون
اذن صاحبها
لكي
أعرف مع من أتكلم
ولماذا
تسأل وعندك احساسك
ربما
أجد من يحس بي
ابحث
عنه في عيون اخرى.
وكتب
أحدهم رسالة مطولة بعد أشكرك على قبول الصداقة.
-
أعرف أنك لست على الحاسوب وهذه فرصة لكي أقول لك أن بداخلي أشياء كثيرة أريد أن
أخبرك بها لكن شجاعتي تخونني..فهل أجد قليلا من الأمان لكي أتخلى عن خوفي وأتحدث
بما أريد.؟
لو
سمحتِ عندما تقرئين كلامي ردي علي وقولي أكتب أو لا.
ولكي
لا تظني بي الظنون سأكتب لماذا أريد أن أكلمك، ثم أحكي لك عن نفسي كإنسان، ولماذا
اخترتك لأفصح لك عما بداخلي لك.
لو
أحببت تتصلين بي أكون أسعد سعيد سعداء أهل السعادة.. أغلقت عليه دون حرف منها..
فقد تأملت الرسالة طويلا وقالت قد يكون مأزوما فيزيد تعاستي.. وقد يكون في فارغا
فيزيد خيبتي، وفي كل الحالات.. هو مزعج وكثير الكلام.. أما الرسالة المفاجئة
بالنسبة لها فكانت بدايتها:
-
أخيرا وجدتك.
-....................
-
لماذا لا تردين ياحبيبتي.
-!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
-
آه.. آسف أخذتني المفاجأة حين وجدتك.. كان يجب أن أسأل عن ظروفك أولا.. هل
تزوجتِ.؟
-
من معي.
-
أقول اسمي أم أرسل صورتي.؟
-
يا الله.. أنت.
-
أنا أنتظرك.. فهل انتظرت.؟
-
نعم انتظرت وسأنتظر.
-
هل غيرت والدتك موقفها.. أم...؟
-
أنا الآن في بيت أبي.
-
أعطيني تليفونه فورا..
أخذ أبي عنوانه وأخبره أنه سيسأل عنه.. جاءنا عمي
الذي يقيم في أمريكا بأخباره وحسن سيره وسريرته.. وها أنا الآن في حفل زفافي على
حبيبي وبجواري أمي تبارك لي.. وأبي يسلمني إليه لنطير بعد أسبوع إلى أمريكا لنبدأ
الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق