الخميس، 16 نوفمبر 2017

صدفة وأنت لؤلؤة



صدفة وأنت لؤلؤة

 حينما وصفْتَنِي بالصَّدَفة الرقيقة التي يتكون بداخلها اللؤلؤ، رأيت نفسي صدفة ضعيفة، فيها الرقة الهشّة التي تغري بالامتلاك، ورقّتي هي ضعفي وأنت تحب ضعفي، تحب كلمة نعم، حاضر، أمرك، ولا شيء آخر.
أكملت وصفك وأنت تضحك وتقول:
- وأنا اللؤلؤة التي تتكوّن بداخلِك.
ضحكتك الصفراء أكدت عندي المعنى، أنا بيتك الذي يحميك وينتقل معك أينما ذهبت، كم أشعر بضعفي وعزلتي بقربك برغم أنني بيتك!
 أنا البيت الجامد الحجري وأنت الكائن الحي بداخله.. تمنّيت الخلاص منك ولفظك من داخلي؛ لذا سعدت بطفل يلهو على الشاطئ حين التقطني وأخرجني من الماء، مشى بي بطول الشاطئ بعيدا.. بعيدا، وأنت تصرخ بداخلي أوشكت أن أموت، القمر الآن في كامل استدارته.
 نعم يا عزيزي أعرف أن هذا الضوء يزيد من سرعتك على الفناء.
ولكن لماذا تتألم.؟ أنت تموت داخل بيتك وأنا لا ذنب لي، الطفل هو الذي أخرجني من الماء، فرح بالصدفة ولم يعبأ بك.. لم ينتظر حتى تتكون لؤلؤة غالية، أنا الآن في طريقي لأزين منضدته على ما يبدو.
سلّمني الطفل إلى أمه، تفحّصتني مليًّا.. صاحت:
- الله ما أجملها صدفة لكن بداخلها حيوان.
- آسفة يا حبيبي لقد وصفتك بالحيوان.
أمسك الطفل بعود خشبي أدخله في قلبي لكي يخرجك منه، مقطَّعًا مفتَّتًا.
ما باليد حيلة يا نبضة القلب.. قد كنت قلبي ونبضي رغم أن الحياة لا تتم إلا بك، قد كنت سمعي وقولي رغم أن الأمور بناصيتك، وأنا البيت الذي يؤويك ويضمُّك ويحميك من العبث والبرد.
 كنت متمرِّدًا عليه جاحدا لدفئه، تنتظر يوم أن يتمَّ تكوينك؛ لتهجرني وتتمرغ بين أيدي الأثرياء المترفين.. تزين فص أصابعهم، تبرق في تاج رؤوسهم، تتلألأ فوق صدر عاجيٍّ دون أن تعرف عن مصيري شيئًا.
شاء الله أن أعرف أنا مصيرك.. الموت متفسخا فوق الشاطئ، مختلطًا بالرمل، تدوسك الأقدام، وكلما داستك كنت تغوص في حبّات رماله.
ما كنت تعلم كم هو مؤلم ترك السكن، والبعد عن المكان الذي يؤويك غير هذه الساعة!!
 لا تظن أني شامتة بك، أنا أتألم مثلك؛ ولكنه العجز عن فعل شيء، كيف أصيح؟ أتركوه لي؟ أنا أولى بتكوينه، أنا حضانته وملاذه الآمن، حتى لو تركني بعدها وتمرغ في النعيم.
 صوتي لا يسعفني، عنفك أضعفه.. قوَّتك وأنت تسحبني وراءك أينما ذهبت، صوتك وأنت تأمرني بما تريد، وأنا أخفض رأسي موافقة دون بنت شفة، تباهيك بعشيقاتك أمام عيني وسمعي فأغضُّ الطرف حتى لا يسبب لك حرجًا.. كلها أشياء خفضت من قدرتي على الاستغاثة لكي أنقذك من مصيرك المؤلم.
 أعلم أنني سأمضي مع هؤلاء وسأقضي باقية عمري دون كائن حيٍّ بداخلي، وأعلم أن في ذلك جفافًا أشبه بالموت الذي لاقيته؛ ولكنه مصيري عاجلا أو آجلاً.
 القدر هو الذي عجَّل بالنهاية، ورسمها بهذا الشكل رغم أنها مخالفة لناموس الحياة فإنها القصاص العادل لي من جبروتك وضعفي، من قسوتك وألمي، من تمرُّدك وصبري، منك كلك على كلي.
 ها هم بعد أن نظفوا قلبي منك وضعوني بين أغراضهم وحملوني إلى بيتهم، أنا البيت أعيش في بيت آخر، في ذلٍّ آخر، كرهت حياة الطاعة لابد من عمل شيء للتخلص من هؤلاء القساة الذين مزَّقوا لحمك.. لن أدعهم يعبثون بي بطريقتهم الخاصة، يطفئون سجائرهم في قلبي.
لا.. لن أون لهم، إنه مصير أكثر قسوة، لا حل سوى أن أسقط من يد الصبي فأتهشم.. ألستُ مثلك لم يكتمل نموي.؟!
(موقع القصة العربية- مارس 2016)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق