قصة| حبيبتى من تكون؟
من المجموعة القصصية « إلكتــ.. رو.. مانسي»
ماذا دهانى وأنا الرجل الوقور المعروف عني الورع والتقوى..
والانتقاد الشديد لهذا المسمى بالإنترنت وغرف الشات، أجد نفسي صريع تلك الغرف
معلَّقًا من وريدى فى شِبَاك فتاة تدعى "مزنة"!
تلك الفتاة التى غيرت طعم أيامى ولونت أحلامى
وسارت فى مسارات دروبى فاخترقت جدار عنادي، وساقتني إلى جنة موعودة بحلو كلامها،
وسحر منطقها، وحنانها الذي يبدو جليًّا من أحاديثها وحكاياتها عن علاقتها بأهلها
وأخواتها.
وحينما صرت على موعد دائم ومحدد معها وصرت لا
أشعر بدفء الشمس إلا بندى صباحها، ولا ببهجة القمر إلا بسحر مسائها، وبين عشية
وضحاها أسترجع نغم عذبها فأعيش فى حالة من الهُيام بينى وبين نفسي تجعلني مكتفيًا
بذاتي عن الأخرين.. عندها عرفت أنني أدمنت فتاتي فقررت الزواج منها.. فأنا السعيد
الذي فاز بدعاء الوالدين.
هذه الوردة التى يفوح عطرها على
البعد، لابد أن تنوِّر بيتي وتبهج أيامي وتحمل اسمي وابني.. ولحسن حظي أنها من نفس
بلدتي ومدينتي، ومناسبة لعمري وثقافتي، فلم يحدث هذا التوافق بيننا من فراغ، فأنا
الحريص الذي لا يلقي مفاتيحه بسهولة.
لما فاتحتها في أمر الزواج.. رحبت جدا وأبدت
سعادتها التي غمرتني بهجة وطربا.. وبعد فترة من إلحاحي.. قالت:
- أخبرت أهلي.. وهم يرحبون بك،
ومواصفاتك تروق لهم، ويريدون بياناتك قبل أن تتقدم لكي يسألوا عنك.
أعطيتها البيانات ولم أتكحل بنوم من
فرحتي وتمنياتي بقرب اللقاء، أما عن سؤالهم عني فهذا حقهم، وأنا كلي ثقة بأنهم
سيجدون شابًّا مهذبًا له سيرة نظيفة وجيدة، وتحلم به كل أسرة محافظة زوجًا
لابنتهم.
طالت فترة السؤال عني ولكن النتيجة كانت مرضية
قالت:
- أهلي سألوا عنك ووجدوا ما يثلج
صدورهم.
- ومتى أتقدم؟ قالت:
- قريبا..
وأين العنوان بالضبط؟
- عندما أحدد لك الموعد سأعطيك
العنوان.
واستمرت العلاقة على الشات وإن أخذت شكلا مختلفا
أكثر جمالا وقربا.
العلاقة الآن تنحو نحو عش الزوجية والمهر
والشبكة وقائمة المنقولات وترتيبات الفرح والمعازيم، الغريب أننا لم نصطدم ولو مرة
واحدة، ولم نختلف في أي تفصيلة صغيرة ولا كبيرة من هذه الأمور مما كان له الأثر
الإيجابي علي وزاد من تعلقي بها ورغبتي الشديدة في سماع الزغاريد والتهاني، وصارت رغبتي ملحة في أن يضمنا البيت..
وظلت شجرة الأمل
تمد فروعها في جذور حياتي وتتفرع وتنبت وردا وزهورا فيفوح عبيرا وماء مقطرا.. ولكن
هناك دائما عتبة التسويف:
- لماذا يا حبيبتي هذا التأجيل قالت:
- ماما مريضة بالقلب، ومن يوم لآخر تدخل
المستشفى وحالتها لم تستقر بعد.
إذًا لا بد من الصبر والانتظار حتى
تستقر حالة حماتي وتفرح بابنتها.
وكانت لهذا السبب تغيب كثيرا
بالأسبوع أو بالعشرة الأيام عن المسنجر وتعود بقول واحد:
- كنت في المستشفى مع أمي.
صار لساني يلهج بالدعاء لهذه الأم
الطيبة التي أنجبت حبيبتي الجميلة، وربّتها بهذه الصورة الرائعة، وأدعو لنفسي أن
تتم سعادتي بفتاتي النادرة والحنون.
فقد زاد من إعجابي بها برها الشديد
بوالدتها وحرصها عليها.
بالتأكيد هذه ستكون أفضل أم وأجمل
زوجة ويا لسعادتي.
طال غيابها هذه المرة.. لعله الخير.. وأشحت عن
رأسي فكرة أن تكون أمها قد توفاها الله..
فهذا معناه حزن حبيبتي وتأجيل لقائنا
الذي أنشده بكل كياني.
وطال الغياب أطول مما أحتمل.. المسنجر مغلق..
هناك في شاطئ النور ظلام ووحشة، وفي الأمل ريبة وحيرة، وفي السعادة التي كانت قاب
قوسين أو أدنى نعيق البوم..
أين حبيبتي.. أين حلمي.. ومن تكون
بالضبط.. أنا لا أعرف سوى اسمها وأنها من مدينتي، وأنهم سألوا عني وارتضوا
بمواصفاتي.. وماذا بعد.. وكيف السبيل إلى السؤال عنها وتلقف أخبارها؟
عام كامل لم يهدأ لي بال ولم يستقرَّ بي حال،
ولم يغمض لي جفن ساعة كاملة إلا واستيقظت فزعا..
ووجدت سلوتي في رسائلي إليها على
المسنجر والإيميل دون أن أتلقى جوابا..
(أين أنت يا حبيبتي؟ يا أعظم وأغلى إنسانة عرفتها.. لك ذوق وحرص وحب وغيرة وخوف على
حبيبك..
أين الآن حرصك على لقائي وقربك مني، أين لهفتك إذا تأخرت
قليلا.؟!!
كنت أحسد نفسي عليك وكثيرا ما قلت: هل أنا أستحق حبها الكبير،
وشوقها الذي ليس له مثيل؟
أين الإنسانة في الكون التي تساويك يا أعز الناس، أو تنافسك
في صفاتك البريئة الشفيفة.. ربنا يحميك ويصونك وتعودين إليَّ بحبك الكبير.
حبيبتي النار التي
بداخلي لا يطفئها إلا وجودك فأين أنت ولماذا الغياب؟ لا أذكر أنني أغضبتك أو صدر
مني ما يزعجك ومع ذلك أعتذر إذا كان قد بدر مني ما أغضبك.
عودي حبيبتي واغفري
لي زلتي التي لا أعرفها، عودي ممتلئة بحبي.
كل يوم سؤال وعتاب وشرح لحالتي
بدونها.. ووصف لكآبتي، وتدهور لصحتي، وإهمال لعملي، وفتور علاقاتي.. وليس على
لساني سوى أين أنت يا حبيبة الروح؟
بعد عام.. وجدت ردًّا وليته ما كان.
- أنا شقيقة "مزنة" لقد
أشفقت على حالك كلما فتحت إيميل أختي ووجدت رسالتك.. فأردت أن تهدأ بالا.
وبلهفة مجنونة وأين هي؟
- ماتت.
- ماذا.. لا.. لا غير معقول.. لا أصدق..
كيف..؟! ولماذا؟! ومتى؟!
- كانت مريضة بالقلب وماتت.
- قالت إن والدتها هي المريضة
بالقلب.
- بل هي ولم تشأ أن تزعجك.
- لقد صنعت مني سندبادا وشهريارا،
فإذا بي شمشون الذي سلبته قوته وتركته نهبًا للضياع.
- كانت تحبك وتريد أن تعيش الحلم وهي
تعلم أنه لن يتحقق.
- هي عاشت الحلم وماتت، وأنا أضاعت
مني الحلم والعمر دون موت.
-.................
- من أدراني أنها أحبتني أصلا، وأنها
لم تخلق هذا الوهم لكي تعيشه مع نفسها.
من أدراني أنك أختها.. وتكلمينني من
إيميلها.. من أدراني أنك لست هي وأن روايتك حقيقية.؟
من أدراني.. ومن أدراني.
قالت:
- الشيء المؤكد أنها أحبتك، أما غير
المؤكد هو اسمها.
وأغلقت في وجهي.. إلى الأبد.
مجلة حواء 9 مايو- 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق