الأحد، 2 ديسمبر 2012

بيت العنكبوت: بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى



بيت العنكبوت
:
الليلة مقمرة... النسمة باردة منعشة.. الجلسة هادئة مؤنسة.. جميعنا في غرفة الاستقبال.. عادل هو نجم الحفل.. ألقى إلينا بالخبرالمفرح.
- يسعدني أن أرتبط بهدي.
هاهو ذا يسترق النظر إليها.. لها وحدها كل اهتمامه ومودته.. هدى جميلة وأنيقة.. لا تبادله نظراته الوالهة.. هدى هادئة ورزينة.. يسبح الحديث في أجواء شتى.. إذا تكلمت أصغي الجميع.. هدى لبقة وجذابة.
أعددنا وليمة فاخرة تليق بخطيب أختي.. قامت بالنصيب الأكبر في صنعها.. هدى طاهية ماهرة.
اختلاط الضحكات برائحة الشواء أثار عاطفتي.
غدا يتقدم فوزي لخطبتي.. نزف أنا وهدى في يوم واحد.. هكذا تتمنى أمي و.. السؤال الذي خطر على بالي الآن:
- هل فوزي مثل عادل.؟
لا أعرف مميزات عادل.. لكنني أعرف مميزات هدى.. تتفوق علي كثيرا.. إذن عادل يتفوق كثيرا على فوزي.. أفقت على صراخ القطة وعادل يضربها.. اندفعت تئن هاربة:
- خمشتني في المرة السابقة.
- أحسنت يا عادل.. أفضل من لا يترك ثأره.
أشارت لي هدى.. تابعتها:
- ما رأيك في عادل.؟
رأيي.؟!.. هل تقرأ أفكاري.!!.. حتى في زواجك ياهدى تأخذين رأيي.؟ كثيرا ما تفعلها.. تعطيني الثقة في نفسي.. تخفف دائما من صدامي مع أفراد البيت.. جميعهم يتهمونني بالتهور.. وهدى تصر على أنني شخصية متميزة.. هى فرصتي إذن.
- لم أسمع ردك.؟
- ممتاز.. ليتني أجد مثله.
تماما كما توقعت.. رفضت هدى.. تزلزل عادل.. انهار.. كم يعتز بنفسه.!.. حطمه الرفض.. طلب الحديث معها على انفراد.
قالت:
- أنت شاب ممتاز يا عادل.. أريد أن أحتفظ بك أخا وصديقا.. لو كنت تقدمت لأختي لرحبت بك كثيرا.
استنار عقل عادل بالفكرة.. تفرعت في رأسه أذرع العنكبوت.. تريد أن تلتف حول رقبة هدى.. تمتص دمها.. تقدم لوالدي:
- آسف جدا يا عمي لموقف هدى.. شديد الحرص على مصاهرتك.. أجدد طلبي في منى.
- ماذا.؟!!
زاد من دهشة والدي موافقة هدى وتأكيدها أنه شيء يسعدها.. وصلت دهشته مداها عندما أعلنت أنا موافقتي.
تمت الخطبة، وعقد القرآن.. اندفعت بكل سعادتي بالنصر أحب عادل.. قيدني بحبل بركابه.. صرت دميته.. التصقت عيناي بمرآة الحب فرأيت بعينيه وسمعت بأذنه:
- هدى تحقد عليك يا منى.
- أجل تحقد.
- تغار منك.
- نعم تغار.
- تخيلي.! إنها تراقبنا.. هذا عيب.
- عيب خطير.. أوقفها عند حدها.
- أصرخ:
- ماذا تفعلين ياهدى.. تتجسسين عليَّ أنا وزوجي.؟
تلفظ الحجرات من فيها:
- ما الخبر.؟
هدى تتساءل.. أبادر بسبها.
-  الهر يسامحك يا منى.
لم أدرك أن الحديث عن هدى له نصيب وافر في جلستنا.
- لعلها ندمت إذ رفضتك.
- رفضتني.؟! ماذا دهاك.؟!.. هل اختلطت عليك الأمور إلى هذا الحد.؟.. أنا الذي رفضتها.!
- فعلا أنت رفضتها.!
كثيرا ما يتعمد إثارتها.. مقعدة المفضل بالقرب من الباب:
- تعال هنا يا عادل .. بجواري.
- هنا أفضل.. أستنشق الهواء.
- أقترب أنا..؟
- لا.. لكي أملأ عيني منك وأنت أمامي.
يلمحها قادمة.. يسارع بالجلوس على حافة مقعدي.. يمسك يدي.. يمرغ فوقها خديه، يغازلني.. يداعب خصلاتي.. تسرع هدى بمغادرة الغرفة.. يعود إلى كرسيه البعيد.
- أرأيت كيف تبدل وجهها.؟!.. تحسدك يا منى على حبي لك.
- رأيت.! ماذا أفعل لها.. غدا نترك لها البيت.
- لا.. بل أنصرف أنا فورا.. لا أتقبل ما يحدث.. أندفع نحوها:
- ألهذا الحد لا تملكين مشاعرك.؟.. عادل مشي بسببك.. لماذا تكرهينني.؟
ربتت هدى على كتفي:
- مم تخافين يا منى.؟!
- أنت تغارين لأن عادل تركك وخطبني.
- أنا التي رفضت عادل يا منى أنسيتِ.؟.. وهو معك الآن.. اسعدي به، ولا تفسدي أخوتنا.
كيف لا أفسدها وعادل بيننا.. يضع الملح على الجرح كلما برد.. وكل يوم بقصة جديدة تقلب البيت.
- يالحظي التعس، وحظ أولادي.. يا للعار والفضيحة التي تنتظرهم.!
- ماذا بك يا عادل.؟! ماذا حدث.؟!
- أختك.. العاقلة المهذبة.. تخدعنا بمظهرها البريء.. رأيتها اليوم.. تتسكع مع شلة من الشباب الفاسد يصرخون في الطرقات بلا حياء.
- هدى يا عادل.! غير معقول.!
- أختك.. ومن يدافع عنها غيرك.
- لا أدافع عنها.. ولكن.
- تشكين في كلامي.؟!.. لا وجود لي بينكم.
- لا يا عادل لا تنصرف.. هى "مية من تحت تبن"
- لو كنت مكانك لضربتها.
- فعلا سأضربها.
- وماذا تنتظرين.؟.. حتى تجلب العار للعائلة.؟
أبدأ في الصراخ.. يبدأ في الانسحاب.. يزداد غيظي.. أشعل البيت نيرانا.. وهى صامتة.. تنظر إلي في رثاء.
يكذب الجميع ما افتراه عادل.. يلقون في وجهي بقنبلة:
- هدى لم تخرج من اليت اليوم.
تضيق عروقي بدمائها.. أثب عليها.. تقيد يدي:
- عيب يا منى.. أنا أختك الكبرى.
صفعات متكررة على وجهي أعادت صوابي.. صاح أبي:
- عندما أراه الكلب.
- أبدا يا عمي.. منى لم تفهم جيدا.. قلت لها واحدة تشبه هدى.
ألعوبته الجديدة تلت ذلك بأسبوع:
- جاءتني هدى اليوم.. بالمكتب.
- لماذا.؟
- تخطفني منك.. بكت أمامي كثيرا.. قالت: لن أتزوج غيرك.
لم أدعه يكمل.. اندفعت أبحث عنها.. يسبقني صراخي وتهديدي.. أوقفتني يد  أبي.. سحبتنى كالمتهمة إلى حيث يقبع منكمشا.. لم يكن يظن أن والدي بانتظاره.. مع كلمات أبي المقتضبة:
- الزواج يتم خلال أسبوع أو تطلقها.. هدى لن تحضر زفافكما.. هى من الآن عند عمتها حتى تغادرا البيت.
لم يملك عادل إلا أن يهز رأسه بالموافقة.. يكمل أبي:
- والآن انصرف حالا ولا أراك إلا في موعد الزفاف.
حسبت أن الأمور تسير في صالحي.. هأنذي أجلس في الكوشة وعادل إلى جواري ولا عيون حاسدة ترقبنا.. ما أكثر الوجوه العابثة، والشفاة المقلوبة.! .. ولكن مالي بها.. فزت بحبيبي و.. عشنا ينتظرنا، وكل الأماني التي وعدني بها عادل.
دخلت بيتي بهذا التفاؤل والحب.. وجدته أوهن البيوت.. سقط القناع عن وجه عادل، والغشاوة عن عيني.. الفتور في معاملته لي.. الأهمال لوجودي و.. جند نفسه لانتقادي.
- كلامك فارغ.. ألا تجيدين فن الحديث.. الأطباق لم تغسل بعد.. التراب في كل مكان.. الفوضى تملأ البيت.
- أنت ترى أشياء لا وجود لها.
- منذ متى تعترضين.؟!.. ألك رأي وشخصية.. أين أنت من هدى.؟!
- هدى.!!
أخيرا نطق باسمها.. لست أدري إن كان صفعني أم انتشلني من ظلام روحي.
انتفضت واسم هدى يتردد في كياني كله.. نعم هدى.. وستظل.. يحبها.. ينتقم.. أخذني سلاحه.. ثم استدار على سلاحه يحطمه، فتحطمت غشاوت عيني.
كل ما حولي كئيب في الضوء.. الرحيل أفضل.
استقبلتني هدى بابتسامتها.. دفنت وجهي في أعطافها خجلا
بكيت كثيرا.. تمزق قلبها وهى تهدهدني:
- سامحيني يا أختي.
- ليس بين الأخوات ما يوجب الصفح.
- كم أشعر بضآلتني بجانبك.!
- هوني عليك.. لم يحدث ما يستحق عذابك
- عادل يحبك أنت.. عرفت ذلك أخيرا.. أرده لك.
- مخطئة في تصورك.. أنا لا أريده أبدا.. أتذكرين صراخ القطة.؟
- لا أذكر شيئا.
- أذكرك أنا.. يوم الخطبة.. كانت القطة نائمة بجواري.. فوجئت به يهوي بيده على ظهرها.. قفزت القطة صارخة.. سألته:
- لماذا.؟
قال:
- خمشتني الأسبوع الماضي.. أنا لا أترك ثأري.. علقت أنت يا منى:
- أحسنت يا عادل أفضل من لا يترك ثأره.
أما أنا فأفضل من يترك ثأره.!
يا الله.!.. كم أنا غبية.. ظننت كنزي ذهبا خالصا، فإذا به عقارب وديدان.. لؤم، وخبث.
أكد لي شريط الذكريات.. أنني أنا كما أنا منذ الطفولة.. تعجبني دائما لعب هدى.. ألقي بحاجياتي الغالية وأصرخ:
-     أريد لعبة هدى.
نشأت وفي سمعي عبارات:
- هدى أعقل من منى.. هدى أذكى.. رقيقة.. طيبة,, هادئة.. متسامحة.
نهضت أجر خيبتي سألتني هدى:
- إلى أين.؟
- إلى بيت العنكبوت.. إلى عادل.. لا أستحق غيره.
ضمتني في حنان.. واصطحبتني نحو الباب وهى تواسيني:
-     اصبري يا منى.. غدا يفهم كل منكما الآخر.
-     فتحت الباب.. شخص قادم.. أعرفه جيدا.
-     من.؟!.. فوزي.؟!
نظرت إليَّ هدى.. مبتسمة:
- ألا تعرفينه.؟!
- بلى.. أعرفه.. إنه .. إنه.
أسرع بقوله:
- خطيب هدى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق